عجوز تقترب من الثمانين عامًا تروي معاناتها بعد وفاة أبناءها الثلاث.. تعيش في غرفة تحتوي على "حصيرة" و"بطانية" بـ "عرب المحاسنة".. وترتدي "برقع" وتؤكد: "اللي تقلعه تضرب بالنار"
الأربعاء 02/نوفمبر/2016 - 04:48 ص
فاطمة أبو الوفا
طباعة
تشرق شمس يوم جديد على أرضهم، متجهة صوب عاداتهم وتقاليدهم بأشعتها الذهبية كي تمنحها بريقًا بلونها، لتجعلها باقية ومستنيرة داخل عالمهم أبد الدهر، يعيشون في كوكب منفصل بعيد عن التطور التكنولوجي وانتشار الموضة غير ملتفتين إلي تغير الأزمان، لم يعرفوا في حياتهم شيء عن عالم الملابس سوي الجلباب الأسود والبرقع، فباتت شوارعهم تتشح بالسواد طوال الوقت.
في إحدي أركان شارع "بيوت العرب" بمنطقة "عرب المحاسنة" في مصر القديمة، تقع غرفة الحاجة "نعيمة جمعة"، التي شغفت طوال الوقت بالحديث عن عادات وتقاليد العرب، وتفتخر لكونها واحدة منهم، تقول: "لازم كل ستات العرب تلبس البرقع أو النقبة زي ما أجدانا سموها، لو قلعناها أهالينا يموتونا لأن كلنا عائلات كبيرة وليها تاريخ، لو واحدة فكرت تمشى كده كده من غير البرقع يبقى جابت ليهم العار ويضربوها بالنار، أمال أحنا عرب ازاى؟".
وتجلس العجوز "نعيمة جمعة" ذات الـ80 عام على سريرها تتبادل حديثًا طريفًا مع صديقتها الحاجة "سعدية سليمان"، التي اعتادت على زيارتها كل يوم، استيقظت كلأ منهما على واقع مؤلم، فقدت فيه أبناءها وأقاربها، بعضهم بالموت والبعض الآخر بالهجر، فصاروا على قارب واحد اجتمعت فيه همومهم وآلامهم، وتتحدث الحاجة "نعيمة" التي تجهل معرفة عمرها فيتعثر لسانها وتتشابك مخارج الأحرف لديها:" أنا معرفش عندى كام سنة" ثم صمتت برهة، وهمت قائلة في حماس:" أنا صغيرة عندى 12 سنة"، في تلك اللحظة غرقت صديقتها "سعدية" في الضحك لتعنفها بسخرية:" يووه أنتي بتقولي إيه يا ولية!"، فضحكت "نعيمة" قائلة: "قولي 80 سنة أصل أنا بتلغبط"."
وتسير العجوز، على درب المثل الذي يقول "هم يضحك وهم يبكي"، وتتذكر مأساة أولادها الـ"3" الذين فقدتهم جميعًا في سن مبكر: "خلفت أول بنت ولما كبرت بقى عندها 6 سنين، بعدين ماتت وعندها سنة ونص"، ثم قهقهت الحاجة "سعدية" قائلة:" يادى النيلة عليكى يا وليه، البت كان عندها 6 شهور"، رغم بلوغ الحاجة "سعدية" الـ100 عام إلا إنها تتمتع بذاكرة قوية وقدرة فائقة على التركيز تفوق صديقتها الصغري، تؤكد "نعيمة" أنها فقدت جميع أبنائها بعد عام من مولدهم، فقضت الحياة برفقة زوجها الذى وافته المنية بعد صراع طويل مع المرض.
تلتقط هنا الحاجة "سعدية" أطراف الحديث لتسرد معاناتها، وتؤكد أنها تقطن في غرفة بمفردها تحتوي "حصيرة" و"بطانية"، بعد أن باعت كل ما تملك لعلاج أبنائها الذين وافتهم المنية إثر أصابتهم بأمراض متباينة: "واحد جاتله جلطة والتاني مات من الكبد"، تأخذ معاش زوجها الذي يتبخر في إيجار الغرفة وفواتير الكهرباء والماء وما يتبقي تساهم به مع صديقتها لشراء الطعام:" أنا وهي ارامل زي بعض، ومفيش راجل بيخش علينا، بتأكلني وتشربني، ولما بروح بقعد لوحدي، والأوضة اللي قاعدة فيها فاضية لا دولاب ولا سرير وضهرى وجعنى من نومة الأرض".
وتبدأ "سعدية" يومها في الـ8 صباحًا، تذهب إلي صديقتها ليأكلا سويًا ويبدأ يومهما بالصلاة، ثم يتسامران حتي تؤذن صلاة العشاء لتعلن أنتهاء يومهما: "هي دى حياتنا لا بنقرأ ولا بنكتب، ومش هنموت نفسنا ولا هنلطم ولا هنصوت الناس كلها جعانة ومحدش بيساعد حد، العرب هنا كل واحد في حاله، مش بيهتموا بحاجة غير العادات والتقاليد وأن مينفعش واحدة تخرج كاشفة وشها ولو لمحوا واحدة بس بيحرموها تخرج من البيت خالص".
في إحدي أركان شارع "بيوت العرب" بمنطقة "عرب المحاسنة" في مصر القديمة، تقع غرفة الحاجة "نعيمة جمعة"، التي شغفت طوال الوقت بالحديث عن عادات وتقاليد العرب، وتفتخر لكونها واحدة منهم، تقول: "لازم كل ستات العرب تلبس البرقع أو النقبة زي ما أجدانا سموها، لو قلعناها أهالينا يموتونا لأن كلنا عائلات كبيرة وليها تاريخ، لو واحدة فكرت تمشى كده كده من غير البرقع يبقى جابت ليهم العار ويضربوها بالنار، أمال أحنا عرب ازاى؟".
وتجلس العجوز "نعيمة جمعة" ذات الـ80 عام على سريرها تتبادل حديثًا طريفًا مع صديقتها الحاجة "سعدية سليمان"، التي اعتادت على زيارتها كل يوم، استيقظت كلأ منهما على واقع مؤلم، فقدت فيه أبناءها وأقاربها، بعضهم بالموت والبعض الآخر بالهجر، فصاروا على قارب واحد اجتمعت فيه همومهم وآلامهم، وتتحدث الحاجة "نعيمة" التي تجهل معرفة عمرها فيتعثر لسانها وتتشابك مخارج الأحرف لديها:" أنا معرفش عندى كام سنة" ثم صمتت برهة، وهمت قائلة في حماس:" أنا صغيرة عندى 12 سنة"، في تلك اللحظة غرقت صديقتها "سعدية" في الضحك لتعنفها بسخرية:" يووه أنتي بتقولي إيه يا ولية!"، فضحكت "نعيمة" قائلة: "قولي 80 سنة أصل أنا بتلغبط"."
وتسير العجوز، على درب المثل الذي يقول "هم يضحك وهم يبكي"، وتتذكر مأساة أولادها الـ"3" الذين فقدتهم جميعًا في سن مبكر: "خلفت أول بنت ولما كبرت بقى عندها 6 سنين، بعدين ماتت وعندها سنة ونص"، ثم قهقهت الحاجة "سعدية" قائلة:" يادى النيلة عليكى يا وليه، البت كان عندها 6 شهور"، رغم بلوغ الحاجة "سعدية" الـ100 عام إلا إنها تتمتع بذاكرة قوية وقدرة فائقة على التركيز تفوق صديقتها الصغري، تؤكد "نعيمة" أنها فقدت جميع أبنائها بعد عام من مولدهم، فقضت الحياة برفقة زوجها الذى وافته المنية بعد صراع طويل مع المرض.
تلتقط هنا الحاجة "سعدية" أطراف الحديث لتسرد معاناتها، وتؤكد أنها تقطن في غرفة بمفردها تحتوي "حصيرة" و"بطانية"، بعد أن باعت كل ما تملك لعلاج أبنائها الذين وافتهم المنية إثر أصابتهم بأمراض متباينة: "واحد جاتله جلطة والتاني مات من الكبد"، تأخذ معاش زوجها الذي يتبخر في إيجار الغرفة وفواتير الكهرباء والماء وما يتبقي تساهم به مع صديقتها لشراء الطعام:" أنا وهي ارامل زي بعض، ومفيش راجل بيخش علينا، بتأكلني وتشربني، ولما بروح بقعد لوحدي، والأوضة اللي قاعدة فيها فاضية لا دولاب ولا سرير وضهرى وجعنى من نومة الأرض".
وتبدأ "سعدية" يومها في الـ8 صباحًا، تذهب إلي صديقتها ليأكلا سويًا ويبدأ يومهما بالصلاة، ثم يتسامران حتي تؤذن صلاة العشاء لتعلن أنتهاء يومهما: "هي دى حياتنا لا بنقرأ ولا بنكتب، ومش هنموت نفسنا ولا هنلطم ولا هنصوت الناس كلها جعانة ومحدش بيساعد حد، العرب هنا كل واحد في حاله، مش بيهتموا بحاجة غير العادات والتقاليد وأن مينفعش واحدة تخرج كاشفة وشها ولو لمحوا واحدة بس بيحرموها تخرج من البيت خالص".