سيدي عبد الرحيم القناوي هو من أكابر الأولياء والمشايخ أرباب المعارف النفيسة من أصل مغربي عاش واشتهر في مصر ودفن في قنا.
هو الشيخ عبد الرحيم بن أحمد بن حجون بن محمد بن جعفر بن إسماعيل بن جعفر الذكي بن محمد المأمون بن أبى الحسن على بن الحسين بن على بن محمد الديباج بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على بن الحسين ابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلى الله علية وسلم )واشتهر بـ عبد الرحيم القنائي .
ولد القنائي في مدينة ترغاي بإقليم سبته في المغرب سنة 521 هجرية وتعلم على يد والده وحفظ القرآن في الثامنة من عمره وتوفى أبيه وهو في الثالثة عشر من عمره وصعد المنبر وخطب بالمسلمين وتعلم الفقه والحديث ببلاد المغرب وهو ابن الرابعة عشر وسافر إلى أخواله ببلاد الشام ليتعلم علم بلاد الشام ثم عاد إلى المغرب وحل محل والده وأمضى خمس سنوات معتلياً منبر الجامع يعلم الناس ويعظهم بأسلوبه الخاص الذي يبكى الروح والعين قبل أن تناديه مكة فيشد الرحال إليها.
رحل إلى مكة بعد وفاة والدته ماراً بالقاهرة والإسكندرية ليبقى في رحاب بيت الله وقبر رسوله تسع سنوات ينهل من العلم معتكفاً في مسجد الرسول بالمدينة المنورة متعلقاً بأستار الكعبة، مستمراً في تجارته تاجر غلال التي لم ينقطع عنها طيلة حياته لإيمانه بأن التفرغ للعلم والعبادة يحتاج إلى عمل يحفظ الطالب والعابد من انتظار منة الغير أو أن يكون عالة على غيره.
خلال موسم الحج العاشر التقى القنائي بالشيخ مجد الدين القشيري القادم من مدينة قوص عاصمة صعيد مصر ومنارتها آنذاك منتصف القرن الثاني عشر الميلادي فتصادقان وحاول القشيري أن يقنع عبد الرحيم بأن يستقر في مصر ووافق عبد الرحيم على الرحيل إلى مصر بصحبة القشيري الذي كان إماما للمسجد العمري بقوص وكانت له مكانته المرموقة بين تلاميذه ومريديه وذلك في عهد الخليفة العاضد بالله آخر خلفاء الدولة الفاطمية.
لم يرغب القنائي البقاء في قوص وفضل الانتقال لمدينة قنا تنفيذاً لرؤى عديدة أخذت تلح عليه في الذهاب إليها والإقامة بها فقوص ليست في حاجة إليه فبها ما يكفى من العلماء والفقهاء ليستقر بقنا وقضى عبد الرحيم عامين معتكفا وخرج بعدها مؤسساً مدرسته الصوفية الخاصة التي تسمح للطرق الصوفية الأخرى بالأخذ منها من غير الخروج على طرقها إذ كان يقول الإسلام دين علم وإخلاص فمن ترك واحدة فقد ضل الطريق .
تزوج القنائي بابنة صديقه القشيري وتزوج بعد وفاتها ثلاث أخريات أنجب منهن 19 ولدا وبنتا عملاً بكلمته المشهورة كنت أعتقد أنى لو قدرت ما تركت على وجه الأرض عازبا إلا زوجته والزوجة نعمة لا يُعرف قدرها . توفى عام 592 هجرية 23 يناير 1196 عقب صلاة الفجر عن عمر يناهز 72 عاما.
ومن مؤلفات الشيخ عبد الرحيم القنائي تفسير القران الكريم ورسالة مع الزواج وأحزاب وأوردة وكتب الأصفياء .
وعن مقولات الشيخ الشهيرة فمنها المتكلمون كلهم يدندنون حول عرش الحق لا يصلون إليه و قطع العلائق بقطع بحر الفقد وظهور مقام العبد بعدم الالتفات إلى السوي وثقة القلب بترتيب القدر السابق و التجريد نسيان الزمنين حكماً والذهول عن الكونين حالا وغض البصر عن الأين وقتاً حتى تنقلب الأكوان باطناً لظاهر ومتحركاً لساكن فيسكن القلب بتمكين القدر على قطع الحكم والابتهاج بمنفسحات الموارد وانشراح الصدور بصور الأكوان مع ثبوت المقام بعد التلوين ورسوخ التمكين فتكون السماء له رداء والأرض له بساطاً و الهيبة في القلب لعظمة الله تعالى هو طمس أبصار البصائر عن مشاهدته بمن سواه حساً فلا يرى إلا بأنوار الجلال ولا يسمع إلا بسواطع الجمال و الرضا سكون القلب تحت مجاري الأقدار بنفي التفرقة حالا وعلم التوحيد جمعاً فيشهد القدرة بالقادر والأمر بالآمر وذلك يلزمه في كل حال من الأحوال و التمكن هو شهود العلم كشفاً ورجوع الأحوال إليه قهراً والتصرف بالقادح حكماً وكمال الأمر شرعاً .
عُرف عن الشيخ الكرامات العديدة منها أنه كان في طريقه للحج خارجا من قنا متخذا طريق (القصير) علي البحر الأحمر وكان راكبا ناقته التي تعبت من الطريق ونفقت فسار علي قدميه يريد إكمال الطريق وشعر بالتعب فسار علي أربع فتعبت يداه وتشققت فأخذ يتدحرج ويزحف علي بطنه حتى بلغ (القصير) وهناك عجز عن الحركة فرقد داعيا النسيم إليه وحمله برسالة إلي النبي (صلي الله عليه وسلم) قائلا له إنني فعلت كل ما في وسعي ولكن لا أستطيع أن أذهب أبعد من ذلك فعاد النسيم ورد عليه حاملا رسالة الرسول الكريم (صلي الله عليه وسلم) وهي النبي يساوي بين الإرادة والفعل ويمنعك عن المحاولة مرة أخري.. ألا أن تعود؟ .. وعاد عبد الرحيم إلي قنا مريضا وعلي فراش الموت جاءه النبي (صلي الله عليه وسلم) وحياه قائلا لقد بذلت كل الجهد الذي يستطيع بشر أن يبذله وأكثر لكي تأتي إليّ لكنك لم تستطع.. لذلك جئت إليك أنا .
والمسجد القنائي الذي دفن به العارف بالله عبد الرحيم القنائي شيد خلف محطة سكة حديد قنا حيث كلما مر عليه القطار رفع الركاب أيديهم قائلين شله يا سيد و مدد يا سيدي عبد الرحيم وهو من المزارات السياحية الإسلامية بالمحافظة خاصة في ذكرى مولد القطب الصوفي الذي بني مقامة بداخله ويعود تاريخ بناء المسجد إلى عام 1136م على يد الأمير همام بن يوسف الهواري شيخ العرب الذي أوقف له من أملاكه وتم إعادة بناءه على يد الملك فاروق عام 1948 ووضع بنفسه حجر الأساس وفى عام 1954 أرسل جمال عبد الناصر نائبه حسين الشافعي لتوسيع المسجد وترميه بعد أن دخلته السيول إلى محراب مقام سيدي عبد الرحيم القنائي. وفى عام 2002 قام اللواء عادل لبيب محافظ قنا السابق بتوسيع المسجد وتجميل ساحته واستكمل بعده اللواء مجدي أيوب أعمال التطوير لتبلغ مساحة المسجد الحالية 2000متر.
واعتاد الأهالي بعد وفاته القدوم لهذا المسجد للاحتفال بمولده في منتصف شهر شعبان من كل عام حيث تعلق الزينات في ساحته وحول المسجد وتأتي إليه الناس من كل بقاع الأرض ومنهم من يبيت ويقام خلال الاحتفال حلقات الذكر والدروس وسرادقات المدح وكان في القديم يأتي البهلوانات والسحرة والسيرك والراقصات التي اشتهرت في الصعيد باسم الغوازي ولكن اندثرت منذ فتره طويلة وتولت وزارة الأوقاف الإشراف على الاحتفال بالمولد حيث يأتي الناس لزيارة المقام وقراءة الفاتحة وأجزاء القران ويشترون الألعاب للأطفال ويتزودون بالكتب التي تباع على الأرصفة تحكى سير الأولياء ويلعبون النشان ويتناولون الأطعمة في مضيفة الشيخ عبد الرحيم القنائي طوال اليوم وفى الليلة الكبيرة الختامية يذبح بعض المقتدرين ويقيمون الولائم حول المسجد وتتولى إذاعة القرآن الكريم الإعداد لهذه الليلة بحضور أحد أعلام القراء والمداحين ورواة السير العطرة.