بين الحين والآخر يخرج علينا البعض من فارضي الوصايات في مجتمعنا, ليتناوبوا علي أجساد نساءنا بالتحليل والتحريم والجواز والتكفير, فهذا يري المنقبه إرهابية ويري النقاب عادة عفي عليها الزمان, وغيره يري أن الغير محجبة, متبرجه تستوجب النار, وأثناء ممارسة الأثنان لوصايتهم علي أجساد النساء, يخرج البعض ليدافع عن فكرة الحجاب بالاستشهاد بالمسيحية, حيث قالوا أن الحجاب فريضة فى كل الاديان وخاصة المسيحية مستشهدين ببعض الايات, وما يرونه فى زى الراهبات فى الاديرة والكنائس.
المستشهدين بأيات من الانجيل ذكروا الايات منقوصة دون أكمالها أو سرد المواقف التى ذكرت فيها, حيث أستشهدوا بنص من رسالة بولس الرسول الى كورونثوس, الاصحاح الحادى عشر, والذى يقول : ( أحكموا فى أنفسكم, هل يليق بالمرأة أن تصلى وهى غير مغطاه ), وفى حقيقة الامر أن تلك الاية كانت موجهة الى نساء الامبراطورية الرومانية الاتى وجه الرسول بولس لهم الكلام, وجرت العادة فى الامبراطورية أن النساء يعقدن شعرهن خلف ظهورهن أو يضعن على شعورهن قماش يشبه شباك الصيادين وكانت تلك عادة موروثة فى المجتمع الرومانى, فكان الهدف من كلام الرسول بولس هو عدم الانشغال بالشعر أثناء الصلاة أو التنبوء, بالاضافة الى أن ترك الشعر دون تصفيف أو غطاء كانت عادة وثنيه أثناء العبادة فى المجتمع الرومانى, حيث كانت النساء يطلقن شعورهن أثناء العبادات الوثنية, الامر الذى يتعارض مع المسيحية, لذلك أوصى بولس الرسول هذا المجتمع بترك عادات تلك العبادات وعقد شعورهن ووضع غطاء عليها أثناء الصلاة.
كلمة غطاء التى تحدث عنها بولس الرسول فى تلك الاية من الانجيل, وفق عادات الرومان, كانت تعنى وضع برقع أو منديل أو وشاح على الرأس أثناء الصلاة, وليس أرتداء حجاب بصورته الكاملة المتعارف عليها الان, فالاية لم تحقر من شعر المرأة أو تعتبره عورة, حيث هناك ايه فى الانجيل من رسالة بولس الى كورنثوس تقول : ( الشعر قد أعطى لها عوض برقع ), أى أن الله وهب المرأة الشعر ليكون برقعاً لها فى حد ذاته.
أيه أخرى أستشهد بها من أدعوا أن الحجاب فريضة مسيحية, وهى تقول : (إذ المرأة إن كانت لا تتغطى فليقص شعرها ), وفى حقيقة الامر تلك الاية لم تقال كاملة ممن قالوها, فالاية فى الانجيل كاملة تقول : (وَأَمَّا كُلُّ امْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغُطَّى، فَتَشِينُ رَأْسَهَا، لأَنَّهَا وَالْمَحْلُوقَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ, إِذِ الْمَرْأَةُ، إِنْ كَانَتْ لاَ تَتَغَطَّى، فَلْيُقَصَّ شَعَرُهَا. وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُقَصَّ أَوْ تُحْلَقَ، فَلْتَتَغَطَّ ), وتلك الاية فى بدايتها أوضحت علاقة غطاء الشعر بالسيدات, حيث وجهت الكلام الى كل أمرأة تصلي أو تتنبأ, والتنبؤ هنا معناه الوعظ أو التعليم داخل الكنيسة وفق تفسيرات الاباء الاوائل فى المسيحية, لذلك تعد تلك الاية وصية واضحة لتغطية المرأة لشعرها أثناء الصلاة فى الكنيسة لانها تكون فى حضرة الله ولا يجب أن يلهيها شيئاً عن الصلاة.
وفى نفس الاصحاح الذى ذكرت فيه تلك الاية, يوجد أيه سبقتها تقول : (كُلُّ رَجُل يُصَلِّي أَوْ يَتَنَبَّأُ وَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ، يَشِينُ رَأْسَهُ ), وتلك الاية وجهت نفس النصيحة للرجال الذىين يصلون أيضاً لتوضح ما تلاها من أيات, حيث تغطية الرأس أثناء الصلاة واجبة على المصلين فى الكنيسة, لذلك يرتدى الكهنة والاساقفة المسيحيين غطاء على رؤوسهم أثناء الصلاة وطوال الوقت لانهم مدعوين للصلاة دائماً فواجب عليهم تغطية رؤسهم.
الراهبات فقط هن من يرتدين غطاء الرأس دائماً خارج الكنيسة والأديرة وداخلها لأجل الصلاة أيضاً وليس لان الحجاب فريضة عليهن، بل لأنهن في حالة صلوات دائمة سواء داخل الكنيسة أو بأديرتهن أو خارجها, كما أن الفتاه أثناء صلوات أعتمادها كراهبة, تصلى عليها صلاة الجناز تعبيراً عن موتهم عن العالم , وهكذا الحال بالنسبة للرهبان وليس الراهبات فقط, لانهم أيضاُ فى حالة صلوات مستمرة ودائمة وكى يموتوا عن العالم بكل شهواته وغرائزه.
المدافعون عن الحجاب ممن أدعوا أنه فريضة مسيحية, أستشهدوا أيضاً بصور السيدة العذراء مريم مشيرين الى أنها كانت محجبة فى الصور, وهذا أمر خاطئ تمامً, حيث أن العذراء لم تكن ترتدى حجاب, بل كان غطاء للرأس وظهرت فى صور كثيرة وهى تظهر مقدمة شعرها ولم تخفى رقبتها وفق صورة الحجاب المتعارف عليها الان , ووفق عادات وتقاليد المجتمع اليهودى الذى عاشت فيه العذراء مريم, كان على المرأة تغطية شعرها أثناء خروجها من المنزل, ولكن تلك القاعده كانت تسرى على الفتيات اللاتى لم يخطبن او لم يتزوجن, وهذا ما يوضح سبب غطاء شعر العذراء فى الصور, حيث كانت مخطوبة ليوسف النجار وفق الانجيل, فكان غطاء الشعر لها يعبر عن العزة والارتباط وفق تعاليم التلمود اليهودى, وهناك الكثير من الصور والايقونات التاريخية, تظهر فيها السيدة العذراء وهى بشعرها دون أى غطاء.
حالة أخرى من الانجيل أستعملها البعض كأستشهاد على وجود حجاب أو نقاب فى المسيحية, وهى حالة رفقة زوجة أسحق, حيث مكتوب عنها أنها أخذت البرقع وتغطت حينما رأت عريسها أمامها, وتلك لم تكن عادة أجتماعيه عند النساء العبرانيات وقتها, ولكن كان أحد طقوس الزواج فى ذلك المجتمع, أن تضع العروس برقعاً على وجهها قبل بدأ مراسم الزواج, والكنيسة الارثوذوكسية توارثت تلك الطقوس حيث يضع الكاهن غطاء على رأس العروسين رمزاً لتكريمهم وتركهم لحياة العزوبية ودخولهم فى حياة جديدة لها قدسيتها.
وأتباعاً لكل الشواهد من الكتاب المقدس وكل التفسيرات النابعه من الجوانب الايمانية والحقائق التاريخية المجتمعيه, فأن الحجاب لم يذكر يوماً فى الكتاب المقدس ( الانجيل ), وغطاء الرأس أثناء الصلاة هو فقط ما ذكر أما دون ذلك فهو ليس طقساً كنسياً أو قاعدة دينية, ولكنها قد تكون عادة أجتماعية كتلك الموجودة فى الصعيد والمتمثلة فى أرتداء السيدات الكبار فى السن ملابس تغطى كافة أنحاء الجسم تعبيراً عن الوقار وممارسة لطقوس وعادات وتقاليد مجتمعية ليس أكثر ولا أقل.