هل يجوز رسامة المرأة قساً وتعتلى سلالم الكهنوت المقدس داخل الكنيسة؟, كان هذا سؤالاً أرهق أذهان الكثيرين من مسيحيين الشرق الاوسط, حيث أن الكنيستين الارثوذوكسية والكاثوليكية, رفضا رفضاً باتاً رسامة المرأة قساً, بل تحدت الكنيسة الانجيلية الواقع والتاريخ ورسمت المرأة قساً فى عام 2012, بعدما تقدمت آن ذكى بطلب الى الكنيسة الانجيلية لرسمتها قسيساً وتم ذلك بالفعل لتفتح الكنيسة الانجيلية البابا أمام السيدات كى يصبحن كهنة يقودون الشعب المسيحي فى الصلاة, الامر الذى ناهضته الكنيستين الارثوذوكسية والكاثوليكية, ليفتحا باب النقاش المحتد فى ذلك الامر.
الكنيسة الإنجليكانية فى بريطانيا، رسمت فى مطلع هذا العام أول امرأة أسقفًا فى العالم فى كاتدرائية يورك مينستير فى مدينة يورك، وهى Libby lane, بعد عدة أجتماعات داخل الانجليكانة أقرت بضرورة المساواة بين المرأة والرجل داخل الكنيسة وتقلدهما بكافة المناصب الدينية التى يتقدلها الرجال, الامر الذى لقى ترحيب من الطوائف الانجيلية فى العالم ولقى هجوم شرس من الطوائف الاخرى الذين أعتبروا ذلك تجديف ومخالفة لتعاليم الانجيل.
فى عام 1988 أقيم مؤتمر لامبث فى أنجلترا لبحث أمكانية رسامة المرأة قساً داخل الكنيسة بحضور كافة كنائس العالم, وفى هذا المؤتمر فى هذا المؤتمر أعلن البابا شنودة موقف الكنيسة الارثوذوكسية من خلال رسالة قدمها الأنبا بيشوى سكرتير المجمع المقدس آنذاك,نيابة عنه للمؤتمر، وأعلن البابا وقتها رفض الكنيسة رسامة المرأة قساً, وأرجع هذا الرفض إلى أن الرجل هو رأس المرأة حسب تعاليم الكتاب المقدس والكاهن يمثل المسيح نفسه، كما أن العذراء مريم لم تتول أى عمل من أعمال الكهنوت فلو كان يحق الكهنوت للمرأة لكانت هى أولى من غيرها.
الكهنوت هو واحد من أسرار الكنيسة الارثوذوكسية السبعه, وهم أعمدة الايمان الارثوذوكسي, لذلك ترفض الكنيسة الارثوذوكسية تطبيق مالم يتركه الاباء الاوائل المعليمن فى تاريخ الكنيسة منذ 20 قرناً, حيث يرى الاباء الارثوذوكس أن مجد الأرثوذكسية وبهاؤها في تقليدها الحي وأصالتها المستمدة من الكتاب المقدس بنصه الصريح والواضح، ولا تنقض التخم القديم والترتيب الذي وضعه وعاشه الأولون, مستشهدين بأن مريم العذراء والدة المسيح لم تكن كاهنة.
الكنيسة الارثوذوكسية ترى أن الكهنوت بدرجاته الثلاث, الشموسية والقسوسية والأسقفية, يعد سراً مقدساً وليس مجرد وظيفة رعوية يمكن أن يتقلدها أى شخص كما تراه الكنيسة الإنجيلية، كما أنه لابد أن يتوافر فى الكهنوت الطهارة، والمرأة وهى حائض لا يليق بها أن تحضر القداس وتمارس شعائره، فكيف تقيمه من الأساس، كما أن المسيح لم يتخذ تلاميذ له من النساء.
الكنيسة الأرثوذوكسية تؤمن أيضاً أنه ليس من حق أى شخص أن يضع تعليماً أو تشريعًا تشريعاً في الكنيسة لا يتفق مع تعليم الكتاب المقدس ، مستشهدين بكلمات القديس بولس الرسول فى الانجيل حيث أوصى أهل تسالونيكي قائلًا ( فاثبتوا إذًا أيها الأخوة وتمسكوا بالتعاليم التي تعلمتموها سواء كان بالكلام أم برسالتنا ), وهذا ما يعبر عن التمسك بتعاليم الاباء الاوائل واضعين الهيكل التشريعي والتنظيمي للكنيسة.
على جانب أخر وفى عام 2008 أصدر الفاتيكان مرسوما رسميا بعنوان من أجل حماية طبيعة سر الكهنوت وصحته، أكد فيه أنه يقع فى الحرام على السواء وبطريقة آلية كل من يحاول منح سر الكهنوت لامرأة، وكل امرأة تحاول نيل هذا السر, فالكنيسة الكاثوليكية تشبه كثيراً الكنيسة الارثوذكسية فى المبادئ والاهداف والنظام التشريعي بداخلها, حيث شددت على رفضها لرسامة المرأة قساً, معبرة عن أحترامها وتقديرها للمرأة فى كافة الجوانب الخدمية التى تسمح لها بالخدمة داخل الكنيسة لكن دون صعود أى درجة من درجات السلم الكهنوتى الذى يعتبر سراً مقدساً يقتصر على الرجال فقط وليس للناس علاقة به, مستشهدين بنفس أستشهادات الكنيسة الارثوذوكسية.
وهذا ما أكده سنودس الكنيسة الاثقفية المعبر عن الكنيسة الانجليكانية فى مصر, رافضاً مقترح رسامة المرأة قساً من الاساس حيث أوضح المطران منير حنا مطران الكنيسة الاسقفية فى مصر فى بيان له أن رسامة المرأة قساً ليست من الأمور الأساسية وأن هناك أيات تتفق مع عدم مشاركة المرأة في الخدمة وأيات أخري تؤكد أهمية خدمة ودور المرأة في الكنيسة, مشدداً على أن أتخاذ قرار مثل هذا لابد أن يكون بإجماع الكنائس الشرقية بما فيها الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية والانجيلية حتي لا يتأثر العمل المسكوني المشترك, وهو الامر الذى وصفه الكثيرين بالغريب, فالكنيسةالانجليكانية فى بريطانياً رسمت أسقفاً أمرأة, ونظيرتها فى مصر ترفض ذلك, حيث أرجع البعض هذا التناقض الى أن الكنيسة فى مصر لها قواعدها الخاصة وفق طبيعه المجتمع المصرى وقواعده وتقاليده.
المرأة ليست محرومة من الخدمات الكنيسة, حيث أن المرأة ترسم راهبة وحتى رئيس دير وكبيرة راهبات, حيث أن الرهبنة لم تقتصر على الرجال أذ هى تتمحور حول التبتل والتكريس لخدمة المسيح والصلوات والابتعاد عن العالم بشكل شبه كامل والتبعد فى وحدة, وهذا ما تطبقه الكنيستين الارثوذوكسية والكاثوليكية, أما بخصوص الرسامة قساً فهذا أمر يتجبنه الكنيستين.
الانجيل ( الكتاب المقدس ) ليس بهاً نصاً واضحاً وصريحاً حول جواز رسامة المرأة قساً من عدمها, بل تعتمد الكنائس بمختلف طوائفها على تعاليم الاباء الاوائل الذين وضعوا تشريعات الكنيسة ونظامها, وهذا ما أستندت اليه الكنيسة الانجيلية الذى عبرت عن تشديد الكتاب المقدس على المساواة بين المرأة والرجل دون حرمانها من الكهنوت أو قيادة المسيحيين فى الصلاة, وبدأت فى ممارسة هذا الاقتناع برسامة قساوسة نساء, أما الكنائس التقليدية مثل الارثوذوكسية والكاثوليكية أعتمدت على ماتركه الاولين من تعاليم وطقوس منعت المرأة من تقلد أى منصب ديني يسمح لها بقيادة الشعب فى الصلاة أو أقامة شعائر دينية بعينها مثل تلك التى تمارس خلال الطقوس فى أسرار الكنيسة السبعه مثل التناول أو طقوس الزواج أو مسحة المرضى بزيت الميرون وغيرها, كما أن العرف المجتمع السائد يضع المرأة فى خانات معينه من الحياة لا يوجد بها أن تكون راعيه دينية لامة أو طائفة.
التواصل الاجتماعى دخل معركة الكنائس بحدة وبسخرية أيضاً, فبعض الاشخاص هاجم وبشدة فكرة رسم المرأة قساً معتبراً ذلك تجديفاً وتحريفاً للانجيل وأن البعض يدعوا الى لاهوت التحرير الذى فى مضمونه يهدم ثوابت الايمان الاصيل, والبعض الاخر سخر من القضية برمتها, وحول الامر الى دعابة بعد أن طفح الكيل من ( الخناقات ) المستمرة, وبدأ التساؤل : ( لما تبقي قسيس هتربى دقنها ازاى ؟ ), وبين كل الاطراف المتشاجرة أو العابثة, ولد سؤالاً هاماً يحتاج الكثيرون الى أجابته, فعل الكنيسة الانجيلية تتبع لاهوت التحرير وتواكب العصر وتساوى بين الرجال والمرأة, أم أن الكنيستين الكاثوليكية والارثوذوكسية يتبعون التعاليم الاصيلة الثابته ويحافظون على ما تسلموه من الاباء الاوائل, من المصيب ومن المخطأ, ومن سينتصر فى المعركة ؟!