الأصول أن أهنِّئ الرئيس بمرور عام على توليه الحكم، وسنة السيسى على خلاف من سبقوه ينبغى أن نحسبها دورة رئاسية كاملة: لقد كانت حافلة وعصيبة حيناً، فاترة ومبهجة حيناً آخر. أهنئه على أى منهما إذن؟. سأهنئه على كونها هكذا: رمادية.
لستُ فى حاجة إلى تذكير أحد بفضائل السيسى. هى بالمناسبة لم ترقَ بعدُ إلى مستوى الإنجاز، باستثناء الملف الخارجى. ليس من الحكمة أن تسأل رئيساً بعد سنة واحدة: ماذا أنجزت؟!. السؤال: ماذا ينوى، وفيم اجتهد؟. المشروعات الكبرى كثيرة، بعضها بدأ ومعظمها ما زال حبراً على ورق، والمتخصصون يسألون: كيف ومن أين سيمول الرئيس كل هذه المشروعات؟. وفى حدود علمى أن تمويلها سيكون من خارج الموازنة العامة للدولة. ودعك من سؤال المتربصين عن مدى تأثير هذه المشروعات على حياة المواطن العادى سلباً أو إيجاباً!. يحاول الرئيس أيضاً، وبكل ما أوتى من أدب وتسامح وثبات أعصاب، أن ينهى حالة الاستقطاب السياسى والاجتماعى، وأن يجمع المصريين -بخلافهم واتفاقهم- حول عنوان عريض من شقين: إعادة بناء الدولة والقضاء على الإرهاب. هل نجح فى ذلك؟. أشك. الاستقطاب يزداد حدة، وأخشى أن أقول إن الرئيس نفسه أصبح أهم أسباب هذا الاستقطاب: المؤيدون اقتربوا فى حبه من حافة التقديس. أصبحوا «أولتراس»، ولديهم عذرهم، أنا شخصياً لا أكاد أبدأ فى نقده حتى أتذكّر وجه الخائن محمد مرسى وعصابته المجرمة، فأتوقف وأقول: «مع السيسى ظالماً ومظلوماً». والرافضون ذهبوا فى تبرير موقفهم إلى حد القول -عن قناعة- بأنه فاشل، ولن تستقر الأوضاع فى البلد إلا إذا ترك مقعده.. يتركه لمن؟. ليس مهماً. المهم ألا يكون موجوداً. هل نجح السيسى فى إعادة بناء الدولة؟. السؤال سابق لأوانه بفترتين رئاسيتين على الأقل. هل قضى على الإرهاب؟. لن يقضى عليه، يكفى فقط أن يحاصره فى الداخل ويصد جحافله المتربصة على حدود مصر. لقد تبين أن هذا الإرهاب ليس مجرد «فعل» على الأرض، ولا ميليشيات، ولا ترسانات أسلحة، بل «فكرة كونية» عابرة لكل معطيات الجغرافيا وحقائق التاريخ.
إلى أى مدى نجح الرئيس فى الملف الخارجى؟. إلى حدِّ أن هذا النجاح أصبح عبئاً على إدارة ملفات الداخل. يبدو الأمر الآن وكأن ثمة خللاً فى أداء الرئيس: عشر خطوات فى الخارج مقابل خطوة واحدة فى الداخل. مصر «الخارجية» شامخة، مهيبة، قوية، تثير الزهو، ومصر «الداخلية» ما تزال «تعرج». تخرج من حفرة لتسقط فى «دحديرة». ما من مرة أجلس مع شخص أو أكثر إلا ويصيبنى إحباط وقلق. كل من لديه فكرة أو مشروع أو حتى مظلمة، يبدأ متفائلاً، محباً، ثم يصطدم بعُقَد الجهاز الإدارى للدولة. تجرفه روائح الفساد ويحاصره أخطبوط البيروقراطية، فيموت إكلينيكياً.
فى خضم نجاح الرئيس فى الملف الخارجى، وبالتوازى أيضاً، يلهث وراء عشرات التفاصيل، ويخوض معارك أصغر بكثير من صلاحياته، ناسياً أو متجاهلاً، أو مضطراً لتجاهل حقيقة أن هذا ليس دوره، وأن عليه أن يشعل النار فى جهازه الإدارى قبل أن يهوى بإنجازه إلى أسفل سافلين. نسى الرئيس أو تجاهل مضطراً أن من الخطورة عليه وعلينا أن يكون الرئيس والوزير والمدير والغفير والمتابع والمحاسب، وربما لم يعد ينقصه سوى أن يُصلح بين الرجل وزوجته!. نسى أو تجاهل مضطراً أن الثقة المفرطة فى رجال القوات المسلحة والاعتماد على صرامة وانضباط جهازها الإدارى.. لا يعنى إهمال مؤسسات الدولة الأخرى، وأن عليه أن «يعسكر» أسلوب عمل هذه المؤسسات إذا كان الأمر يقتضى ذلك!. نسى أو تجاهل مضطراً أن مصر فى حالة حرب، وأن جبهتها الداخلية تحتاج إلى «خطاب حرب» -إلى «عين حمراء» أحياناً- وليس هذا الخطاب الودود، المتسامح!. نسى أو تجاهل مضطراً أن للرئيس «رجال»، ومؤسسة رئاسية تصون هيبته، وتمنع عنه ضجيج المطبّلين والمنافقين وكرنفالاتهم المخجلة. نسى أخيراً، أو لعله اطمأن إلى حد لم يعد يدرك أن ثورة 30 يونيو، الثورة التى أتت به رئيساً، يتم تفريغ أهدافها يوماً بعد يوم، وأنها ابتُذلت، وتضاءلت الفروق بينها وبين فاجعة 25 يناير إلى حد لم يبقَ منها سوى «شخص» عبدالفتاح السيسى.... كل عام وأنت أفضل وأغزر إنجازاً يا سيادة الرئيس!.