نريد شباباً مبادراً لديه القدرة على التحرر من الأفكار التقليدية والخروج من ركاب المقلدين المبادر هو ذلك الشخص الذى يتميز عن غيره بالهمة العالية، يبحث عن النجاح مهما كانت الصعاب، لا يكل ولا يمل من أجل تحقيقه، بعكس الإنسان المقلّد الذى يقف دائمًا فى موقف رد الفعل؛ فهو دائمًا مهزوم أو تابع.. المبادرة هى كلمة غربية الأصل «initiative» «productivity»؛ وتعد أحد أهم عناصر النجاح فى الغرب، وهى كلمة السر فى هذه الثورة الكونية الهائلة التى تعيشها البشرية الآن. والمبادرة فى الإسلام، هى المرادف لكل خير، وتعنى المسارعة إلى الخيرات، وقد وردت بهذا المعنى كثيرًا فى القرآن الكريم والسنة، قال تعالى: «سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ»، «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِين»، «فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ». وهى من السمات الشخصية للأنبياء والرسل، فقد كانوا شخصيات مبادرة، امتلكوا زمام المبادرة منذ نعومة أظفارهم، كما جاء فى وصفهم فى سورة الأنبياء: «إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ»، اختارهم الله لأعظم مهمة للقيام بها، حاربوا الجمود فى الأفكار، والتقليد الأعمى الذى كان سببًا فى ضلال أهل الشرك. والمبادرة صفة عباد الله المؤمنين، «إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ».. تفتح أمامهم أبواب الجنة «إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ»، ومن أجل الظفر بالخيرات يتسابق المبادرون «وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ». والمبادرون هم من يفهمون المقاصد الحقيقية للدين «فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ».. يسارعون قبل غيرهم إلى فعل الخيرات، فيرفعهم الله درجات أعلى من الآخرين «لَا يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً منَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا». النبى يحث المسلمين على أن يكونوا مبادرين، فقال: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوْ الدَّجَّالَ؛ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ؛ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ؟». سيدنا عثمان أحد أبرز الشخصيات المبادرة فى تاريخ الإسلام، ما أن وصل إلى المدينة مهاجرًا حتى طلب من إخوانه الأنصار أن يدلوه على السوق ليتاجر، لم يبخل بماله فى خدمة دينه، فتكفل بحفر بئر رومة، ليقول عنه النبي: «ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم»، ولايزال هناك وقف خيرى باسمه حتى الآن. الأفكار العظيمة لن تكون عظيمة إذا ادخرناها. لن يكون لها أثر وتأثير إذا لم يلمسها الناس ويشعروا بها ويتحدثوا حولها. تشارلز ريتشارد درو.. والذى يعود إليه الفضل فى انتشار بنوك الدم حول العالم، كان طبيبًا شابًا، كتب مقالة علمية عن «بنك الدم» وتركها لعدة سنوات فى درج مكتبه.. بعدما خشى أن يؤدى نشرها إلى جدل علمى يؤثر على مستقبله البحثى.. فآثر أن ينتظر حتى يصنع اسمًا جديرًا فى مجاله، لكـن أحد زملائه، الذى زاره فى بيته واطلع عليها شجعه ألا ينتظر أكثر. نشر «تشارلز» المقالة على مضض فى عام 1940.. استقبلها علماء وباحثون باحتفاء كبير فاق توقعاته وخياله!!!، أدت مقالته إلى ثورة فى نظام تخزين آمن للدم يحول دون تلوثه!! ذهبت شكوك «تشارلز» المبكرة أدراج الرياح بعد أن حظى اكتشافه العلمى بتقدير العلماء وامتنانهم.. بإعجابهم واعتزازهم!! مات بعد سنوات قصيرة من اكتشافه الفريد. توفى إثر حادث سيارة قبل أن يكمل 45 عامًا. لو لم ينشر مقالته قبل ذلك بسنوات، لكان قد ضاع على البشرية هذا الاكتشاف العلمى العظيم الذى ساهم فى إنقاذ مئات الملايين.. للأسف هناك الكثير من الاكتشافات والمبادرات التى ندفنها لأسباب واهية، بسبب خشيتنا من ردود الفعل: «ماذا سيقول الناس عنى»؟، سيقولون إنك جميل وعظيم ورائع، لكن دعهم يرون شيئًا! نريد شبابًا مبادرًا لديه القدرة على التحرر من الأفكار التقليدية والخروج من ركاب المقلدين، لكن كيف أكون مبادرًا؟.. جرب ولا تخف من الفشل، صاحب الناجحين المبادرين، سافر فالسفر مدرسة الإبداع، اقرأ كثيرًا فى كل المجالات خاصة قصص العظماء، تذوق تجربة نجاح ولو صغيرة فى أى شىء، نم موهبتك، اكتب حلمك، واحك عنه للناس بلا خجل.