المواطن

رئيس مجلسي
الإدارة والتحرير
مسعد شاهين

مصطفى بكري : "الباحث عن الحقيقة" كتاب وثائقي هام

السبت 18/يونيو/2016 - 10:44 ص
طباعة
"الفكر وظيفته الطبيعية هي البحث عن الحقيقة ماوجد إليها سبيلا"..هكذا تحدث أحد أعظم وأبرز المثقفين المصريين وهو الآديب النوبلي المصري الراحل نجيب محفوظ منذ أكثر من ثلاثة عقود وهكذا يفعل اليوم أحد المثقفين الوطنيين آلا وهو الكاتب الصحفي والنائب البرلماني مصطفى بكري في كتابه الجديد :"تيران وصنافير..الحقيقة الكاملة".

ولعل هذا الكتاب الذي يقع في 152 صفحة من القطع المتوسط فيما تكاد الوثائق تشكل نصفه يمثل بحق نموذجا ثقافيا ومعرفيا مصريا مطلوبا بالحاح لاجلاء وجه الحقيقة بناء على معلومات وحقائق لامجال للتشكيك فيها بقدر ماتفضح هذه الوثائق فساد المزايدين بالشعارات ومحاولات تزييف الوعي وفقر الفكر الانتهازي لقلة تسعى لتحقيق مكاسب سياسية على حساب الحقيقة والمصالح الوطنية والقومية.

ويقول مصطفى بكري الباحث عن "الحقيقة الكاملة" :"جاءت فكرة هذا الكتاب الوثائقي" الذي يضم المئات من الوثائق من منطلق الرغبة في التأكيد على الحقائق التي دفعت صانع القرار إلى التوقيع على اتفاقية تحديد الحدود البحرية واعادة جزيرتي تيران وصنافير الى ملاكها الحقيقيين والشروع في تنفيذ الجسر البري الذي يربط بين مصر والمملكة العربية السعودية.

وكتاب "تيران وصنافير..الحقيقة الكاملة" الصادر عن دار الأسبوع للصحافة والطباعة والنشر يدور على خمسة محاور عناوينها :"مفتتح , واحتلال الجزيرتين, والبحث عن الحقيقة, والموقف القانوني للجزيرتين في ضوء احكام القانون الدولي, والوثائق" فيما تتكامل الفصول وتتناغم لتكون معا "النص الكامل للحقيقة الكاملة" بشأن "مسألة تيران وصنافير" .

والكتاب الجديد لمصطفى بكري يعيد للأذهان أهمية وجود استراتيجية واضحة للحفاظ على الأوراق والمستندات المتعلقة بتاريخ هذه الأمة بوصفها جزءا من التراث الانساني خاصة ان حراك مصر بكل مؤسساتها ينتج عنه ملايين الأوراق التي تسجل الأحداث المصرية ومن ثم فهذه الاستراتيجية باتت تشكل ضرورة ثقافية لاغنى عنها فضلا عن اهميتها لمواجهة واحباط اي مخطط للسطو على الذاكرة الوطنية المصرية.

ويوضح هذا الكتاب الوثائقي والهام حقا ان الاتفاقية الخاصة بتعيين الحدود الشرقية لمصر مع الامبراطورية العثمانية كانت تتعلق بترسيم الحدود البرية ولم تشمل الحدود البحرية بما فيها تيران وصنافير مما ينفي صحة المزاعم التي رددها بعض من ارادوا استغلال الاتفاق المصري-السعودي الأخير للتشكيك في الثوابت الوطنية المصرية.

وعندما يتصدى كاتب ومثقف وطني وبرلماني بارز مثل مصطفى بكري لكشف الحقيقة الكاملة في مسألة تيران وصنافير فالأمر ليس كما يذهب بعض اصحاب الشعارات المضللة والمزايدات المغرضة تطوعا لاثبات حقوق الغير وانما الأمر في جوهره "انتصار لمعاني الوطنية والمواقف القومية التي تجلت دوما في حاضر مصر وتاريخها" كما ان الأمر قد يستدعي مرة اخرى ماقاله نجيب محفوظ :"علينا دائما ان نروض انفسنا على مواجهة الحقائق" حتى تمضي الحياة في طريقها المستقيم "الذي لايقوم الا على الحقيقة.

وهذا بالضبط مافعله مصطفى بكري في كتابه اعتمادا على الوثائق كلغة مباشرة للحقائق ووصولا للحقيقة الكاملة في مسألة جزيرتي تيران وصنافير ليؤكد على انه "لايصح الا الصحيح" مهما بلغ صخب وضجيج اصحاب الشعارات المضللة.

ولئن كانت هذه الوثائق التي استحوذت على جزء كبير من الكتاب الجديد لمصطفى بكري ومنحته الكثير من الحيوية والفاعلية مطلوبة بشدة في مسألة اثير حولها جدل كبير فهي ايضا هامة للغاية في سياق ثقافة التساؤل واشباع فضول القاريء الباحث عن الحقيقة.

وعلى سبيل المثال وكما يوضح هذا الكتاب فان البعض راح يتساءل في خضم الجدل بعد التوقيع على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية ابتداء من اقصى نقطة في الشمال وحتى حلايب وشلاتين عند خط عرض 22 :"لماذا لاتلجأ مصر الى التحكيم الدولي بشأن جزيرتي تيران وصنافير" ؟!.

والاجابة الواضحة على هذا السؤال ان التحكيم يكون بين طرفين متنازعين حول موضوع ما غير ان هاتين الجزيرتين لم تكونا ابدا موضع نزاع بين البلدين وكذلك عندما قال البعض :"ولكن آلا يوجد في القانون الدولي مبدأ الأحقية بوضع اليد" كانت اجابة اساتذة القانون الدولي تؤكد ان هناك فارقا بين السيادة والادارة "فالسيادة في القانون الدولي هي مقابل الملكية في القانون الخاص ولايوجد في القانون الدولي مفهوم وضع اليد او التقادم" والسعودية لم تتنازل عن الجزيرتين لمصر كما ان مصر لم تدع ولو مرة واحدة انها تمتلك الجزيرتين.

فلا غنى عن الوثائق اذا كانت الثقافة المصرية والعربية على وجه العموم معنية باذكاء قيمة الفضول المعرفي وثقافة التساؤل فيما يشكل هذا النوع من الفضول الحميد قاعدة في الثقافة الغربية تنطلق منها حتى العديد من الاكتشافات العلمية المبهرة والانجازات التي غيرت وتغير اوجه الحياة الانسانية.

والفضول في سياق ثقافة التساؤل بحاجة لوثائق هي السبيل نحو الاجابات الحقيقية التي تشبع الفضول الانساني للحقيقة وذلك على النقيض من الثقافة المتشنجة القامعة للسؤال والمكتفية بالشعارات المضللة والرافضة بصورة مريضة لأي تجديد بما يلحق افدح الخسائر بأي محاولة للتقدم والاستجابة الفعلية لتحديات تتجدد باستمرار واشكاليات لن يكف الواقع عن طرحها.

وهكذا وفي مواجهة سيل من المزايدات التي لم تتوقف عن التشكيك في ثوابت وطنية وبديهيات مصرية ومحاولات النفخ في نيران الفرقة واثارة خلافات لامبرر لها مع دولة عربية شقيقة يأتي هذا الكتاب مرتكزا على الوثائق التي استحوذت على 67 صفحة ليشكل حدثا ثقافيا ينطوي على دلالات متعددة لصالح حماية الذاكرة الثقافية المصرية والعربية .

والقراءة المتدبرة للكتاب الجديد لمصطفى بكري تمنح شعورا بالفخر القومي لأن مسألة "تيران وصنافير" تكشف عن مواقف قومية مضيئة لمصر والسعودية معا بعد النكبة الفلسطينية عام 1948 دفاعا عن الأمن القومي العربي والرغبة المشتركة لتعزيز الموقف العسكري العربي في مواجهة التهديدات الجديدة التي تسببت فيها هذه النكبة وانعكاساتها على الأمة العربية.

وبالوثائق يبين الكتاب أن المملكة العربية السعودية وافقت وباركت في عام 1950 الوجود العسكري المصري في جزيرتي تيران وصنافير لحماية الجزيرتين ومواجهة التهديدات الاسرائيلية حينئذ خاصة بعد ان احتلت اسرائيل "قرية ام الرشراش" على خليج العقبة وكذلك منطقة "بير قطار" .

وتكشف الوثائق والرسائل والمكاتبات بين الجانبين المصري والسعودي بشأن جزيرتي تيران وصنافير منذ بداية الترتيب لوجود مصري في الجزيرتين وحتى توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين عن "علاقات تحكمها مباديء الوئام والاحترام المتبادل والحرص المشترك على صيانة المصالح العليا للأمة العربية والاسلامية" كما تكشف الوثائق وتؤكد المكاتبات رغبة الجانبين في ان يبقى امر الجزيرتين "مسألة عربية بين الدولتين بعد اتفاقية السلام بين مصر واسرائيل" .

فمصر-كما قال وزير خارجيتها الراحل الدكتور عصمت عبد المجيد- اذ تقر بتبعية الجزيرتين للمملكة العربية السعودية "لم تقم باحتلالهما في الحقيقة عام 1950 الا حماية لهما وللأمن القومي وكان ذلك بمباركة من السعودية " ذاتها اما الموقف من ملكية الجزيرتين فتحكمه اسس واحكام القانون الدولي كما تحكمه حقائق الجغرافيا ووقائع التاريخ والمستندات والوثائق.

وعمد الكاتب مصطفى بكري ايضا لحالات معرفية في كتابه تتمثل في اقوال وشهادات لشخصيات قدر لها ان تكون متصلة على نحو او اخر بالحقيقة في مسألة تيران وصنافير مثل الدكتورة هدى عبد الناصر ابنة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر والراحل العظيم وعميد الصحافة المصرية والعربية محمد حسنين هيكل، وكذلك السيد سامي شرف مدير مكتب المعلومات للرئيس جمال عبد الناصر ناهيك عن فقيه القانون الدولي والوزير السابق الدكتور مفيد شهاب والعالم الجيولوجي المرموق الدكتور فاروق الباز واستاذ التاريخ الحديث الدكتور عاصم الدسوقي الذي قال ان الأمر مثل الأمانة "التي يتم ردها لصاحبها عند طلبها" .

وتلك الشخصيات تجمع على ان مصر لم تدع ابدا سيادتها على جزيرتي تيران وصنافير بقدر ماتبرهن اقوالهم وشهاداتهم على صحة توجه مؤلف الكتاب من ان "مصداقية الموقف لابد وان تكون مبنية على اعتقاد يقيني ووثائق دامغة لاتقبل الشك".

"فمصر العظيمة وعبر مراحل تاريخها القديم والحديث لم ولن تفرط في حبة تراب واحدة من اراضيها ومعركة التحكيم في طابا التي لاتزيد مساحتها على كيلو متر مربع شاهد على ذلك" كما يعيد الكاتب الصحفي مصطفى بكري للأذهان.

انها مصر التي وصفها المفكر الاستراتيجي العظيم جمال حمدان فى ملحمته العلمية الكبرى "شخصية مصر" والتى تجاوز مجموع صفحاتها اربعة الاف صفحة من القطع الكبير بأنها "تشكل اقدم واعرق دولة فى الجغرافيا السياسية للعالم وهى غير قابلة للقسمة على اثنين او اكثر مهما كانت قوة الضغط والحرارة".

ويضيف بكري في كتابه الجديد : ووفقا لرأي العديد من فقهاء الدستور "فان هناك فارقا بين التنازل عن حقوق السيادة مما يستوجب اجراء الاستفتاء الشعبي وبين اعادة الحق لأصحابه وهو مايوجب الاقتصار فقط في عرض القضية على مجلس النواب ".

وفي مواجهة محاولات "قوى تزييف الوعي" للتضليل والتشكيك في الثوابت الوطنية المصرية وماتثيره من ألم وحزن وغضب في نفس أي مثقف وطني فيما قد تزداد المحنة والالتباسات لأن الكثير من عناصر قوى تزييف الوعي تتخفى وراء "اقنعة الوطنية" تماما كما أن تلك العناصر "تتخفى وراء اقنعة الحرية" وهي في الواقع وبحكم ممارساتها وزعمها احتكار الحقيقة بشعارات تتناقض مع افعالها انما تضرب الحرية في مقتل.

ويبدو مصطفى بكري مدركا تماما لتلك المحنة وهو يتحدث في كتابه الجديد الذي تضمن مصطلحات فنية تتعلق بترسيم الحدود البحرية مثل "النظام الجيوديسي" غير انه نجح باقتدار وبساطة في اضاءة تلك المصطلحات بايضاحات تبدد اي غموض لدى القاريء .

مصطفى بكري: "ايها الصامد للرياح الهوج": كأنك تستلهم في كتابك الجديد مقولات ومواقف العظيم نجيب محفوظ الذي قال منذ اكثر من ثلاثة عقود :"الحقائق الناصعة تصمد للعواصف العاتية".. تسخر معه من"هؤلاء المسرفين في الفرار امام الحقيقة" وتحذر معه من خطورة الانتظار "وقطار الحياة ينطلق بأقصى سرعة غير حافل بالمترددين والمنتظرين" وتؤمن معه بأن "مصر التي تصدت للمغول فصدت موجة من الفناء كادت تلتهم عالمنا كله قادرة دوما على تحقيق المعجزة والله لايضيع اجر من احسن عملا".

مصطفى بكري :"ايها المثقف الوطني" والباحث عن الحقيقة :ستبقى مصر تنشد الأشعار وتكتب التاريخ وتصنع المعجزات وتملأ الأرض كبرياء وحبا وحقا وعدلا..ستبقى مصر حاضرة ابدا في التين والزيتون وطور سنين وعطر الياسمين.

أخبار تهمك

هل تتوقع تألق إمام عاشور مع الأهلي هذا الموسم....؟

هل تتوقع تألق إمام عاشور مع الأهلي هذا الموسم....؟
ads
ads
ads
ads
ads