"مذيع بالتلفيزيون المصري: قصة "الإسلامبولي وعطا" تبدأ من هنا
الأحد 19/يونيو/2016 - 05:24 م
لن تصدق أن نشيد ملحمة الدعوة، التي يقول ختامها عائد أنا من حيث أتيت.. عائد أنا لمسجدي، أو نشيد الله أكبر، والرعب يسبق الخطى، وغيرها من أغاني الجهاديين، التي أنشدها كبار منشدي سوريا ومصر، مثل أبو مازن، وأبو راتب، هي من تأليف مذيع عمل بماسبيرو فترة طويلة، قدم خلالها عددًا من البرامج، ثم تفرغ لإنشاء جماعة إسلامية مشهورة، اسمها جماعة التبليغ والدعوة، لتصبح إمبراطورية كبيرة، مركزها بمنطقة "طموة" التابعة لمركز أبوالنمرس، بمحافظة الجيزة.
مؤسس جماعة التبليغ بمصر هو الشيخ إبراهيم عزت، الذي كان مذيعًا بالتليفزيون المصري، وقدم عددًا من البرامج، أشهرها برنامج "بيوت الله"، حتى استقال منه وتفرغ تمامًا لقيادة جماعة التبليغ، وكان الرجل سواء اتفقنا أو اختلفنا هو أيقونة للدعوة فترة السبعينيات والثمانينيات، وكانت خطبه الرقيقة ودروسه هي الطريق للكثيرين إلى الدخول للمساجد، حتى أصبحت الجماعة التي يقودها من أكبر الجماعات، ولها مركز كبير بالجيزة، على مساحة ثلاثة أفدنة تقريبًا، مقام عليها بناء ضخم مكون من ثلاثة طوابق، أحدها لاستقبال الوفود والجماعات، والآخر مسجد كبير، أما الثالث فيحتوى على عدد كبير من الغرف لمبيت أعضاء الجماعة، ويوجد مبنى آخر يحتوى على مخبز خاص لأفراد الجماعة، وأيضًا مطعم كبير للوجبات بأسعار زهيدة.
وأنت بمراجعة سريعة وبسيطة، ستجد أن كل قيادات الجماعات الإسلامية تقريبًا مروا على مساجد التبليغ، وكلهم تخرجوا من تحت يد إبراهيم عزت، وتم جذبهم من الشوارع والنوادي والمقاهي إلى مساجد الجماعة، وبعد أن التزموا معها تفرقت بكثير منهم السبل إلى جماعات أخرى، مثل السلفية الحركية، أو الإخوان، أو الجهاديين، وعلى سبيل المثال لا الحصر، خالد الإسلامبولي، الذي كان دائم الحضور معه بمسجد الجمعية الشرعية بملوى، ومحمد عاطف، مخطط حادث ١١ سبتمبر، الذي كان عضوًا بالجماعة.
دعونا نتحدث عن الشيخ إبراهيم عزت أولًا قبل أن نتحدث عن جماعته.
ولد إبراهيم عزت "اسم مركب" في مدينة "سوهاج" بصعيد مصر عام ١٩٣٩م، وكان الولد الثاني لأبيه "محمد سليمان" بعد أخيه "أحمد"، الذي مات في المهد، وكان والده يعمل مدرسًا في التعليم الصناعي، ثم انتقل إلى «طنطا»، وألحق ابنه إبراهيم بإحدى مدارسها الابتدائية.
اضطر والده إلى أن ينتقل مرة أخرى إلى "القاهرة"، فسكن بحى الزيتون، وحصل هناك على الثانوية، ثم التحق بكلية التجارة بجامعة «عين شمس»، بعد ذلك تم تجنيده ليخدم في الجيش، وفى تلك الأثناء تقدم لوظيفة مذيع في الإذاعة المصرية، ونجح في اجتياز الاختبارات التي أُجريت له، وتم تعيينه، فقدم العديد من البرامج الدينية والثقافية، مثل: بيوت الله، دنيا الأدب، وبعد ذلك عين في الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، وبعد حين من الزمان حصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة الأزهر.
بدأ إبراهيم عزت وهو طالب في ممارسة الأنشطة الدينية بـ"جمعية الشبان المسلمين"، ثم التحق من خلالها بجماعة "الإخوان المسلمين"، واعتقل معها مرتين آخرهما في صيف ١٩٦٥م، حتى خرج في بداية السبعينيات.
يروى أحمد رائف في كتابه: «البوابة السوداء» جانبًا من الذكريات في المعتقل مع إبراهيم عزت، فيقول: كنا في عنبر خمسة، في ذلك الوقت نحو سبعين، أذكر منهم: الأستاذ محمد ماضى، والأستاذ أحمد عادل كمال، والحاج حسن حافظ الفقى، الذي كان يملأ العنبر بجو من البهجة والمرح، فقد كان عصبيًا شديد التوتر طوال الوقت، على طيبة قلبه، وسلامة صدره، وكان كثيرًا ما يتشاجر مع المرحوم إبراهيم عزت حول الماء، فقد كان احتياطي الماء صفيحتين مكشوفتين في دورة المياه، وكان هذا الرصيد صيفًا وشتاءً للسبعين في قضاء حوائجهم، وكان المرحوم "إبراهيم عزت" يحب أن يسبغ الوضوء، وكان يبالغ في التطهر، فينتظره الحاج حسن حافظ على باب الدورة، ويتشاجر معه عندما يخرج ويقول له: ليس من المعقول أن تتطهر وحدك بنصف صفيحة، والباقى لهذا الجمع الغفير، هذا ليس من الإسلام في شيء، واسأل الحاج فريد عراقى، ويتدخلون لفض المشاجرة، وكانت دائمًا من طرف واحد، فقد كان إبراهيم عزت لا يسمع له صوت.
خرج عزت من سجون ناصر في بداية عهد السادات، وأطلقت له الحرية للعمل، وكان ساعتها قد تأثر بالتصوف، وقرر تأسيس جماعة التبليغ بمصر، ولما استنكروا عليه ذلك قال: "أنا أجيب الناس للمساجد وانتوا خدوهم براحتكم" .
كان لإبراهيم عزت، طريقته في التحدث الخاصة، وأسلوبه في المشى، ومظهره في الملبس، إلا أنه أثر في كل أتباع التبليغ على مستوى الجمهورية، حتى إن طريقة كلامه، وأسلوبه في الخطاب، أصبح مثل "اللازمة" لدى كل عضو في الجماعة، مثل كلمة "يا أحباب"، التي كان يبدأ بها كلامه دائمًا.
كان لإبراهيم عزت طريقته الخاصة، التي عود عليها أتباعه، وهى أنه كان يفسر الجهاد على أنه الخروج في سبيل الله، وكان يقول الخروج لا بد منه مرة في العمر، وإلا فإن الإنسان سيموت ميتة جاهلية، لأنه لم يجاهد ولم يهتم بأمر المسلمين.
كما كان الخروج الذي يقصده الشيخ عزت، إما أن يكون ساعة، أو يومًا أو أسبوعًا أو أربعين ليلة، يعتكف فيها الشخص بالمسجد، ثم يخرجون صفوفًا بعد صلاة المغرب، لدعوة الناس في الشوارع، والمقاهى، وإحضارهم للمسجد، فيجدون بعد عودتهم جزءًا من الجماعة يتدارسون كتاب رياض الصالحين للنووى، ثم يصلون العشاء، ويستمعون بعدها لدرس الشيخ، الذي كان لا يتكلم في السياسة مطلقًا ويعتبرها من المحرمات.
يسير نظام الخروج وفق ما أطلق عليه إبراهيم عزت "الخدمة"، وهى تنقسم إلى "خدمة الأبواب" واستقبال الزوار، وخدمة المطبخ وتجهيز الطعام، وخدمة تنظيف المسجد ودورات المياه، و"خدمة الاختلاط"، والهدف منها الانتشار والتخفى بين أعضاء الجماعة ومعرفة العناصر المدسوسة وسط الصفوف من الأمن أو اللصوص، وخدمة التأمين والحراسة، وهناك غرفة تسمى "غرفة النصرة"، يتم فيها توزيع المهام ومتابعتها، والهدف من الخدمة توطين الناس و ضمهم للجماعة .