كقطع الشطرنج تتبدل أسماءها وتتغير أشكالها ولكن دون إحكام لا رؤية واضحة ولا نتائج مثمرة تقدم حلول عن المجالس القومية المتخصصة التي كانت يوما ما أكبر جهة بحثية في مصر في جميع المجالات وتضم أكبر خبراء وعلماء في مصر.
جاءت فكرة إنشاءها بسبب حاجة الدولة لمؤسسة قادرة على مساعدة رئيس الجمهورية في اتخاذ القرارات الهادفة لخدمة الوطن، ومع تطبيق الفكرة على أرض الواقع ظهرت مشكلات جَمة توضح الفرق بين ما ينبغي أن يكون وما هو كائن بالفعل.
وظهرت تلك الفكرة لأول مرة على الساحة السياسية في نهاية عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، عندما صرح في خطاب له بأنه يفكر في إنشاء المجالس القومية المتخصصة في كافة العلوم الإقتصادية والإجتماعية، على غرار المجالس الموجودة في فرنسا وإيطاليا ودول أوروبا الشرقية.
وأشار إليها الدستور الذي وُضع في عهد السادات عام 1971، حيث نصت المادة 164 على أن تنشأ مجالس متخصصة على المستوى القومي تعاون في رسم السياسة العامة للدولة، وأنشئت فعلياً عام 1974، وتكونت من 4 مجالس هي (المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا، والمجلس القومي للإنتاج والشؤون الاقتصادية، والقومي للثقافة والفنون والآداب والإعلام، والقومي للخدمات والتنمية الاجتماعية)، ثم انبثقت عنها مجالس أخرى بقرارات جمهورية ليصل عددها إلى أكثر من 20 مجلسًا.
وقدمت المجالس في عهد الرئيس الأسبق مبارك أبحاثاً ممتازة في مختلف المشاكل المصرية، ولكن لم يؤخذ بأي منها، وتم وضعها في الأدراج، وأصبحت المجالس بمثابة مناصب خاوية لكل من تريد الدولة مكافأته بعد خروجه من الخدمة.
وأثناء ثورة يناير حُرق المقر الرسمي بالتحرير وتم نقله إلى مقر الحزب الوطني المنحل بمصر الجديدة، ما عاد عليها بالسلب بعدما كانت مؤسسة بحثية لها كيان مؤثر في الدولة، ولم يستقر أعضاءها في حضور الإجتماعات، جاء ذلك في ظل حكومة الدكتور عصام شرف.
وعلى الرغم من أن هذه المجالس هي نواة المجتمع وتطوره إلا أن الرئيس الأسبق محمد مرسي لم يعترف في فترة رئاسته بوجود المجلس الاستشاري الخاص به، خلال دستور 2012 من النص على تلك المجالس، برغم ما حدث من الإعتصامات والإحتجاجات المناهضة لذلك.
وعادت المجالس القومية المتخصصة من جديد للحياة بعدما نص عليها دستور 30 يونيو بعد ثورة 30 يونيو، إذ تحدث الفصل الحادي عشر من الباب الخامس الخاص بنظام الحكم عن المجالس القومية المتخصصة بإعتبارها أحد المجالس المهمة في البلاد، والتي تقوم بالعديد من الأدوار مثل المجلس القومي لحقوق الإنسان، ونص على ضرورة أخذ رأيها في مشروعات القوانين، واللوائح المتعلقة بها، وبمجال أعمالها.
وأصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي قراراً بإنشاء مجلس استشاري من كبار العلماء لأخذ مشورتهم في المشاكل التي يواجهها المجتمع، وكذلك قرارا بإعادة تشكيل المجالس القومية المتخصصة من جديد، ونص القرار الجمهوري رقم 60 لسنة 2015 على إنشاء أربعة مجالس تخصصية تتبع رئيس الجمهورية مباشرة، وتتولى المعاونة في رسم السياسة العامة للدولة وإعداد الدراسات الشاملة في كافة مجالات العمل الوطني، وتتكون هذه المجالس من المجلس التخصصي لتنمية المجتمع، والمجلس التخصصي للتعليم والبحث العلمي، والمجلس التخصصي للتنمية الاقتصادية، والمجلس التخصصي للسياسة الخارجية والأمن القومي.