جماليات التلاوة المصرية للقرآن الكريم زاد ثقافي رمضاني
السبت 25/يونيو/2016 - 11:41 ص
في الثلث الأخير من شهر رمضان الفضيل تتوالى ألوان الفرح والعشق المصري لرمضان، فيما تشكل جماليات التلاوة المصرية للقرآن الكريم زادا ثقافيا رمضانيا، وتتجلى فنون وألوان الترتيل القرآني بأصوات مصرية خالدة في ذاكرة الزمان والمكان كصوت محمد رفعت ومصطفى اسماعيل والشعشاعي والحصري وعبد الباسط والمنشاوي والبنا والطبلاوي.
ومن هنا لم يكن من الغريب أن تهتم منتديات وفضاءات ثقافية بتنظيم احتفاليات في حب تلك الأصوات الخالدة مثلما فعل "بيت السناري" الآثري بحي السيدة زينب القاهري والذي أعلن عن تنظيم ليلة مفتوحة للجمهور "في حب الشيخ محمد رفعت" وذلك مساء الثلاثاء المقبل.
وإلى جانب الشيخ محمد رفعت يحرص كثير من المستمعين لإذاعة القرآن الكريم على متعة الإنصات لأصوات الشيوخ عبد الباسط عبد الصمد ومصطفى إسماعيل والحصري والمنشاوي والطبلاوي وأبو العينين شعيشع ومحمود علي البنا.
وهذه الاحتفالية ببيت السناري التابع لمكتبة الأسكندرية والتي ستبدأ في تمام العاشرة مساء تتضمن عرض لفيلم تسجيلي مع العديد من الوثائق والصور والمقالات والطروحات المتعلقة بحياة وسيرة الشيخ محمد رفعت كأحد أعظم الأصوات المصرية في التلاوة.
كما أنه ليس من الغريب أن تتحول "دولة التلاوة المصرية" إلى زاد ثقافي في صورة العديد من الكتب لعل آخرها إصدار دار الهلال لكتاب بقلم الناقد الراحل الكبير كمال النجمي عن الشيخ مصطفى إسماعيل والذي يستعرض فيه من منظور ثقافي رحب حياة هذا المقريء المصري العظيم في ظل القرآن.
والكتاب الصادر بعنوان "الشيخ مصطفى اسماعيل..حياته في ظل القرآن" يعبر عن الشغف الثقافي الحميد بالبحث في خبايا "دولة التلاوة المصرية للقرآن" فيما يشير كمال النجمي إلى أن بزوغ نجم الشيخ مصطفى إسماعيل جاء في وقت كان فيه "القاريء الأكبر الشيخ محمد رفعت" على قيد الحياة غير أنه كان أيضا قد تقاعد واعتزل الناس بعد ظاهرة غريبة ومحزنة حقا وهي "احتباس صوته".
ولبعض كبار المقرئين المصريين كتب ومؤلفات في علوم القرآن الكريم مثل شيخ عموم المقاريء المصرية الراحل محمود خليل الحصري الذي ترك 12 كتابا بعناوين دالة مثل : "مع القرآن الكريم " و"احكام تلاوة القرآن الكريم" و"رحلاتي في الاسلام".
وإذ يتفق العديد من المثقفين المصريين والعرب على أن التفرد المصري في جماليات التلاوة القرآنية يمثل مصدرا أصيلا للقوة الناعمة المصرية فإن حقيقة النفس المصرية المؤمنة تتجلى على وجه الخصوص في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان بينما تتوالى صنوف الشوق والتوق والرجاء في رحمة ومغفرة الرحيم الغفور.
ويعشق المصريون ألوان الترتيل للكتاب الكريم بأصوات كبار القراء في أرض الكنانة وهي أصوات مصرية مبدعة يشعر من يسمع لها وينصت بمدى قرب مابين السماء والأرض وكأن رمضان يجدد العهد والحب مع المصريين الذين يترقبون في العشر الآواخر من هذا الشهر الفضيل ليلة خير من ألف شهر.
ومع الانصات الخاشع لآيات الذكر الحكيم تنبعث في قلوب الملايين رقة وخشوعا واشتياقا متجددا أبدا لخير الشهور حتى قبل أن يودعهم كعادته كل عام فيما تنجلي الشخصية المصرية بتدينها السمح وفهمها العميق لروح الدين الحنيف.
ولئن كان بعض الغلاة حاولوا استيراد انماط ايمانية ودينية تجافي الايمان المصري الفردي والجماعي فلايزال صوت محمد رفعت ومصطفى اسماعيل والشعشاعي والحصري وعبد الباسط والمنشاوي والبنا "تعبيرا عن الايمان المصري ولايزالون ملء السمع والوجدان وتسمع اصواتهم الجميلة حيثما كان هناك مؤمن بالدين الاسلامي العظيم "فثمة عشق لفن التلاوة المصري ومحموله الايماني الاعتدالي المتسامح والمؤسس على البهجة الايمانية" كما يقول بحق الكاتب والباحث المصري نبيل عبد الفتاح.
والحديث عن "دولة التلاوة المصرية" يعيد للأذهان طروحات وكتابات لمثقفين وكتاب مصريين كبار عن هذا الموضوع الذي يحلو في شهر رمضان الفضيل مثل ذلك الكتاب للراحل العظيم محمود السعدني عن أصوات المقرئين المصريين العظام الذين وصفهم "بألحان من السماء".
ولعل حرص إذاعة القرآن الكريم من القاهرة على تقديم اصوات هؤلاء المقرئين العظام و"اساطين دولة التلاوة" احد اهم اسباب التفاف المصريين حول هذه الاذاعة التي بدأت ارسالها عام 1964 باذاعة المصحف المجود والمرتل لأشهر القراء المصريين.
وواقع الحال أن اذاعة القرآن الكريم من القاهرة التي تجاوز عمرها النصف قرن تنهض بدور هام في الثقافة الاسلامية المستنيرة بقدر ماهي مدعوة لمزيد من الجهد المبدع لتجديد الخطاب الديني وتصحيح المفاهيم المغلوطة.
وعلى مدى تاريخها المديد تميزت اذاعة القرآن الكريم بمحتوى ثقافي ديني استحق التقدير والتف حوله المستمعون في مصر وخارجها فيما باتت تمتلك تراثا هائلا من البرامج التي اتخذت من وسطية الاسلام منهجا لها وهي بحق تعبر عن الثقافة الاسلامية الصحيحة.
ولئن باتت اذاعة القرآن الكريم تشكل بؤرة اشعاع للثقافة الاسلامية الأصيلة والمستنيرة وتساند المصريين الذين يتطلعون لغد افضل فان ثمة حاجة لتأمل الدور الثقافي لهذه الاذاعة الرائدة حقا واستعادة "صفحات جميلة كتبتها في الحياة المصرية والعربية.
واللافت بقدر ماهو دال ان احد اكبر واعظم الشعراء المصريين وهو الشاعر الراحل محمود حسن اسماعيل كان اول من تولى مسؤولية اذاعة القرآن الكريم عند تأسيسها وهو ايضا الذي سعى بدأب لجمع تسجيلات الشيخ محمد رفعت في التلاوة العطرة وحفظها فيما شب هذا الشاعر المبدع على حفظ القرآن الكريم.
والشاعر الكبير محمود حسن اسماعيل الذي ولد في الثاني من يوليو عام 1910 وتخرج من كلية دار العلوم عام 1936 وقضي في الخامس والعشرين من شهر أبريل عام 1977 تولى ايضا منصب رئيس لجنة النصوص بالاذاعة المصرية وكان شعره الفريد موضوعا لعدة رسائل جامعية.
وفيما تظهر استطلاعات الرأي ان اذاعة القرآن الكريم من اكثر الاذاعات التي تحظى باقبال المستمعين وخاصة في شهر رمضان فمن حسن الطالع ان هذه الاذاعة الرائدة تهتم ايضا بقضايا المرأة والطفولة والشباب والمعاملات والأحوال الشخصية وابراز السلوكيات الايجابية النابعة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ساعية باخلاص لتحقيق هدفها السامي وهو تعريف المستمع بصحيح الدين.
وإلى جانب تقديم المصحف المجود بأصوات اعلام التلاوة تقدم اذاعة القرآن الكريم من القاهرة اعلام المبتهلين وبرامج تفسير القرآن فضلا عن الفتاوى والسنة النبوية الشريفة واحاديث لشيوخ وعلماء الأزهر فيما بات ارسالها على مدار الساعة منذ الحادي والثلاثين من مايو عام 1994 ويغطي اليوم كله.
وهذه الاذاعة الرائدة حريصة على ربط مواضيع برامجها بالواقع الاجتماعي المتغير والرد على اسئلة المستمعين مع تزويدهم بكل ماهو مفيد من الفكر الاسلامي المستنير والمضمون الحضاري لهذا الدين العظيم ومواجهة الأفكار الهدامة والمتطرفة.
ومن هنا فهي تعكس ثقل مصر في مجال الثقافة الاسلامية بقدر ماتعبر عن دورها الحضاري فيما كان الدكتور عبد الحليم محمود الامام الأكبر الراحل وشيخ الجامع الأزهر قد وصف يوم بدء ارسال محطة اذاعة القرآن الكريم من القاهرة "باليوم المشهود"مؤكدا على انه كان يسمع القرآن المرتل في كل شارع يمر به يومئذ.
ومن نافلة القول ان اذاعة القرآن الكريم تعتمد على كثير من علماء الأزهر الشريف في برامجها كما انه غني عن البيان التأكيد على اهمية الدور الثقافي للأزهر في الحياة المصرية.
حقا من الذي يمتلك فطرة نقية وذائقة سليمة ولايعشق اصوات مقرئين مصريين مثل محمد رفعت ومصطفى اسماعيل والشعشاعي والحصري وعبد الباسط والمنشاوي والبنا ؟! ..اصوات كأنها الحان من السماء لأهل الأرض" وخيوط من وجد وبهجة تحمل رسالة السماء للأرض وصفحة خالدة في قصة شعب مؤمن ومنتصر للحياة الكريمة والجميلة.