مآساة "الروهينجا" تبرهن على خطورة غياب "ثقافة التسامح وقبول الآخر"
السبت 02/يوليو/2016 - 10:41 ص
أميرة سليمان
طباعة
تبرهن مآساة الأقلية المسلمة في ميانمار والمعروفة "بالروهينجا" على خطورة غياب "ثقافة التسامح وقبول الآخر"، فيما تحول أكثر من مليون إنسان فى هذه الدولة الواقعة جنوب شرق آسيا لأمثولة المستضعفين فى الأرض.
وكان الأزهر الشريف قد أدان مؤخرا ماقامت به جماعة بوذية متطرفة من تدمير مسجد ومدرسة للمسلمين الروهينجا بمقاطعة باغو وسط ميانمار وما أعقب ذلك من أعمال عنف وانتهاكات ضد هذه الأقلية المسلمة، فيما دعا المجتمع الدولي للتحرك العاجل لوقف هذه الجرائم.
ولئن صح القول إن الإرهاب يتغذى ويستفيد من جذور المظالم التاريخية والآنية فإن مظلومية الروهينجا تجمع مابين التاريخ والحاضر حتى باتت عنوانا لمآساة متعددة الألوان والأبعاد مابين قتل وتعذيب وإقصاء وحرمان من الجنسية والحقوق السياسية .
واتفقت العديد من المراجع والطروحات على أن معاناة الروهينجا بدأت منذ نحو 7 عقود فهناك اتفاق أيضا على أن هذه المعاناة بلغت ذروتها في الأعوام الأربعة الأخيرة حتى باتوا من أكبر المجموعات "عديمة الجنسية" على مستوى العالم، فيما تتواتر تقارير مؤكدة على أن الممارسات القمعية وعمليات التهجير القسري لهذه الطائفة استمرت خلال شهر رمضان الحالي.
ولاريب أن هذه المآساة تضع الضمير العالمي على المحك بقدر مايعني إزالة المظالم التي تحيق بأكثر من مليون إنسان سد الذرائع أمام الإرهاب وتجفيف منبع من منابع شروره وحرمانه من المتاجرة بآلام بشر تحولوا لأمثولة لمعنى العذاب .
ومع أن الأمم المتحدة أمست تسلم بأن "الروهينجا" من أكثر الأقليات المضطهدة في العالم فإن السلطات في ميانمار لاتتورع عن أبعادهم عن بلادهم في قوارب خشبية مهترئة تستحق وصفها "بقوارب الموت" وذلك لإرضاء جماعات بوذية متطرفة في هذه الدولة .
وأكد الأزهر الشريف، في بيان صدر مؤخرا، على أن مايرتكب ضد المسلمين في ميانمار من انتهاكات وأعمال عنف تسببت في مقتل وتشريد عشرات الآلاف من الأبرياء "يمثل انتهاكا صارخا لجميع المواثيق والأعراف الدولية".
ومشكلة المسلمين فى ميانمار أو "الروهينجا" الذين يقدر عددهم فى حده الأدنى بنحو 1,3 مليون نسمة أنهم يواجهون حالة إنكار رسمى لوجودهم فى بلادهم وهذه الإشكالية الوجودية تتجلى على مستوى الأقوال والأفعال معا حيث لاتتورع حتى قيادات روحية بوذية عن تأجيج ثقافة الإنكار لأى وجود للروهينجا بين الأقليات فى هذا البلد.
ومن هنا لم يكن من الغريب في ظل حالة الإنكار لوجود بشر لهم حقوقهم المفترضة أن تتدنى أوضاعهم الاقتصادية، فيما حرموا من حرية الحركة والتنقل داخل ميانمار حتى بعد فوز حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية الذي تتزعمه أونج سان سوتشي في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في شهر نوفمبر الماضي.
وجسد قرار حرمان الروهينجا المسلمين من المشاركة في العملية الانتخابية الأخيرة خطورة استغلال الدين في السياسة لأن هذا القرار صدر تحت وطأة ضغوط قيادات بوذية متعصبة، فيما تسعى أغلب الأحزاب والقوى السياسية لاسترضاء هذه القيادات المؤثرة على جموع الناخبين في ميانمار، كما أنه من المثير للتأمل أن تلك القيادات البوذية المتعصبة تستغل فظائع ترتكبها جماعات إرهابية تتستر بشعارات دينية في العالم العربي لتخويف المواطنين في هذا البلد من أي وجود لمسلمين .
ومآساة الروهينجا تجاوزت التهميش إلى إنكار الوجود وكان من المثير للسخرية أن يأتي قرار حرمان الروهينجا من المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة رغم أنهم بأي معيار عادل يشكلون مكونا من مكونات المجتمع المتعدد الأعراق واللغات في ميانمار، بينما يتحدث الخطاب الرسمي في هذه الدولة ذات الأغلبية البوذية التي يتجاوز عدد سكانها 55 مليون نسمة عن دعم الإصلاح وتعزيز المصالحة الوطنية والاتجاه بقوة نحو الديمقراطية الليبرالية والاقتصاد المختلط.
وبقدر ماتعبر مآساة المسلمين فى ميانمار عن مآساة من العيار الثقيل وتشكل اختبارا لمصداقية النظام العالمى وصدقية شعارات حقوق الإنسان فإنها تكشف عن ثقافة تسود على المستوى الرسمى فى هذا البلد ترفض التنوع وتنكفىء على نظريات للنقاء العرقى المزعوم بما يعيد للأذهان نظريات عرفتها دول مثل ألمانيا واليابان فى أيام كالحة أفضت لحرب عالمية أزهقت أرواح ملايين البشر وانتهت بهزيمة النخب العنصرية التى تبنت هذه النظريات المشؤومة.
فالدم الذى يدق النوافذ ويصفع العيون فى ميانمار يعبر بلغة الموت عن إشكالية ثقافية ترتبط بقبح التعصب فى ظل حالة التعتيم والغموض بهذه الدولة الآسيوية التى كانت تحمل من قبل اسم "بورما"، فيما ذهبت تقديرات معلنة إلى أن عدد الضحايا من الروهينجا في موجة عنف عاتية من موجات التطهير العرقي تعرضوا لها منذ نحو أربعة أعوام وصل إلى 70 ألف شخص.
وكان من اللافت حينئذ بقدر ماهو باعث على الدهشة والاستنكار أن يعلن ثين سين، الذي كان يشغل منصب رئيس ميانمار، أن حل أزمة الروهينجا يكمن فى ترحيلهم لدولة أخرى أو إقامة مخيمات لاجئين تأويهم، فيما يروج نظام الحكم فى هذه الدولة أن أبناء الروهينجا هم من المهاجرين حديثا من الهند وبنجلاديش مع أن الأمم المتحدة دحضت مثل هذه المزاعم.
وكان يانجي لي المقرر المعني بحقوق الإنسان في ميانمار قد أخطر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أنه ليس للروهينجا سوى خيارين إما البقاء في ميانمار حيث الموت أو الفرار لبلدان أخرى.
وفي ظل وضع كهذا كان من الطبيعي أن ينضم أبناء الروهينجا لما يعرف عالميا "بلاجئي القوارب" وأن يجوبوا البحار والمحيطات مثلهم مثل بقية المعذبين في الأرض بحثا عن ملاذ آمن غير أنهم كغيرهم أيضا وجدوا أنفسهم ضحايا لتجار البشر ومهربي اللاجئين المتربحين من عذابات البؤساء.
وتفيد تقارير عديدة أن الكثير من لاجئي القوارب المنتمين للروهينجا تحولوا إلى عبيد وعاملين بالسخرة في بلدان كتايلاند وباتوا أقرب لسلعة يتاجر بها سماسرة حسب مستويات العرض والطلب في أسواق عالم يتشدق من حين لآخر بحقوق الإنسان.
والمؤسف حقا أن "عمليات غسيل الأدمغة" المستمرة منذ أمد طويل فى ميانمار وعلى تعاقب الأنظمة الحاكمة أسفرت عن قبول شعبى شبه عام للموقف الرسمى فى هذه الدولة الرافض والمنكر لوجود أقلية من المسلمين تستحق حقوق المواطنة.
وفي شهر مارس الماضي تولى هتين كياو من حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية منصب رئيس ميانمار وتحدث عن أهمية الالتزام الدستوري بالقيم الديمقراطية الحديثة، غير أن هذا الإعلان لم ينعكس بصورة إيجابية حتى الآن على أوضاع طائفة الروهينجا المسلمة.
والبوذية ذاتها كمعتقد تتسم بالتسامح والرفق وتتوافق مع حقوق الإنسان كما تؤكد اونج سان سوتشي زعيمة الحزب الحاكم في ميانمار والتي كانت تتبنى خطابا يدافع عن الحرية والديمقراطية أثناء قيادتها للمعارضة وحصلت على جائزة نوبل للسلام، غير أنها لم تفعل في الواقع مايمكن أن يعتد به لحماية هذه الطائفة المعذبة في بلادها .
فأونج سان سوتشي التي لم تتول منصب الرئاسة لأن لديها أطفالا يحملون جنسية أجنبية،غير أنها الشخصية الأقوى سياسيا لزعامتها للحزب الحاكم حاليا لم تتبن بعد مواقف علنية دفاعا عن العدالة وحقوق الإنسان للمسلمين فى بلادها وهو مايفسره محللون بحسابات السياسة وقلقها من تراجع شعبيتها حال اتخاذها مواقف صريحة وعلنية تتحدى القيادات البوذية المتعصبة وتنحاز لهؤلاء المستضعفين والمضطهدين لحد إنكار وجودهم.
وفى خروج صارخ على الإطار التسامحى لمنظومة القيم البوذية - يقود رهبان بوذيون من حين لآخر مسيرات حاشدة فى مدن مثل مندلاى ثانى أكبر مدن ميانمار دعما لحملة طرد المسلمين خارج هذه الدولة.
وفى كتاب صدر بالإنجليزية بعنوان "السيدة والطاووس:حياة اونج سان سوتشي" يتناول المؤلف بيتر بوفام بعمق التراث النضالى لشعب ميانمار فى مواجهة الاستبداد الذى أزهق أرواح الآلاف من أبناء هذا الشعب مسلطا المزيد من الأضواء الكاشفة على شخصية "المناضلة اونج سان سوتشي الحائزة على جائزة نوبل للسلام تقديرا لشجاعتها ودفاعها الجسور عن الديمقراطية".
وإذا كان هذا الكتاب كجهد ثقافى غربى قد تعرض لأوضاع الأقليات فى ميانمار فإنه من الواضح أن هذه الأقليات وخاصة أقلية الروهينجا المسلمة تدفع الثمن الفادح لممارسات جماعات تتستر بشعارات دينية مثل الجماعات البوذية المتطرفة في ميانمار التي تعمد للتلاعب والمناورة وبث الفتن بين أبناء الشعب الواحد كورقة تحقق لها ماتتصوره من مكاسب.
وتصطف الأقلية المسلمة إلى جانب الحرية والديمقراطية وكانت مؤيدة لمواقف اونج سان سوتشي رغم أنها لم تفعل الكثير لنصرتهم، فيما كان هؤلاء المسلمون قد قاوموا ببسالة الاحتلال البريطاني لبلادهم ميانمار أو بورما في السابق بين عامي 1886 و1948 وقدموا آلاف الشهداء .
وفى عام 1988 أمرت الطغمة الحاكمة في ميانمار حينئذ قواتها بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين مما أدى لمقتل الآلاف من المدنيين العزل، كما اختفى الآلاف فى غياب السجون والمعتقلات ومعسكرات العمل الإجبارى.
وثمة تقديرات تذهب خلافا للتقديرات الرسمية في ميانمار إلى أن عدد المسلمين في هذه الدولة يتراوح مابين 5 ملايين و10 ملايين نسمة مقابل 40 مليون بوذى.
وعلى مستوى الدوائر والنخب الثقافية فى الغرب يمكن القول إن ردود الأفعال حيال التطهير العرقي والمذابح التى يتعرض لها المسلمون فى ميانمار لم تصل بعد إلى الحد الأدنى من المستوى المأمول ومازالت بعيدة عن التحرك الفاعل والإجراءات الناجزة التى يمكن أن تساعد فى وضع حد لهذه المآساة.
ومشكلة الروهينجا مزمنة فمنذ إعلان استقلال بورما فى عام 1948 لم يعترف الدستور بأولئك المسلمين بدعوى أن أجدادهم لم يكونوا من أبناء البلد الأصليين ومنذ ذلك الحين لم تتعامل معهم السلطة أو الأغلبية البوذية كمواطنين.
وهكذا ظل أبناء الروهينجا طوال الوقت عرضة للاضطهاد والإقصاء ومهددين بالطرد إلى ماوراء الحدود واستمروا عرضة لممارسات التطهير العرقى وطرد منهم إلى الجارة بنجلاديش دفعات على فترات متفاوتة تراوحت بين 150 ألف نسمة ونصف مليون نسمة.
وشجعت تلك الحملات غلاة البوذيين للاعتداء على ممتلكاتهم وإحراق بيوتهم وزراعاتهم وممارسة مختلف صور العنف الجسدى بحقهم حتى أن أبناء الروهينجا منعوا كثيرا من الانتقال من قرية لآخرى وحظر عليهم دخول العاصمة رانجون .
فالأصل هو اضطهادهم والتنكيل بهم لمجرد أنهم مسلمون غير مرغوب فى وجودهم وحين يرتكب أحدهم أى خطأ فإن الجميع يتعرضون لأقصى العقوبات.
وتذهب بعض المصادر والإحالات التاريخية إلى أن أصول مسلمى بورما ترجع للجزيرة العربية حيث هاجر الأجداد للصين وإندونيسيا ومنطقة جنوب شرق آسيا، فيما أشار بيتر بوفام فى كتاب "السيدة والطاووس" إلى أن مسلمى ميانمار جاء أغلبهم من البنغال عندما كانت بورما والبنغال معا جزءا من الإمبراطورية البريطانية.
وتحظى ميانمار بحكم موقعها بأهمية جغرافية - سياسية وهى اتحاد الصين والهند اللتين تقدمان لها الكثير من المساعدات بما فى ذلك مشاريع البنية الأساسية، كما يوضح كتاب "عندما تلتقى الصين والهند:بورما وتقاطعات الطرق الجديدة فى آسيا" بقلم ثانت مينتو.
ويبدو أن مآساة الروهينجا تشير لغياب فادح لثقافة حقوق الإنسان فى منطقة جنوب شرق آسيا على وجه العموم، فيما تعبر عن خطورة سيادة ثقافة الاستبداد والتعصب وسطوة النمط الأحادى.
وفيما وصفت الأمم المتحدة هذه الطائفة المسلمة بأنها "أقلية دينية مضطهدة جاءت من غرب ميانمار" فإن منظمة التعاون الإسلامى التى تضم فى عضويتها 57 دولة لم تتخذ بعد الإجراءات العملية التى كانت قد أعلنت عن أنها ستتخذها لحشد الدعم لمسلمى ميانمار وهو مايلقى مرة أخرى بظلال سلبية على مدى فعالية هذه المنظمة على الأقل فى ذهن رجل الشارع العربى والإسلامى.
ولن يكون من المفيد ولا من الواقعى التساؤل عن دور مجلس الأمن الدولى والأمم المتحدة ولا الفصل السابع الشهير للمنظمة الدولية حيال مايحدث لمسلمى ميانمار لأن غياب المصالح الملحة للقوى المهيمنة على النظام العالمى القائم حتى الآن على الأقل فى هذه القضية يجعل مثل هذه التساؤلات غير ذى معنى.
غير أن الإنسانية كلها بالمنظور الأخلاقى والسياسى ودروس التاريخ معا قد تدفع ثمنا غاليا حال انتظار يتامى النظام العالمى لعدالة مفترضة!..فهل يطول انتظار الروهينجا للعدالة وتستمر المآساة في ظل غياب ثقافة التسامح وقبول الآخر ؟!.
وكان الأزهر الشريف قد أدان مؤخرا ماقامت به جماعة بوذية متطرفة من تدمير مسجد ومدرسة للمسلمين الروهينجا بمقاطعة باغو وسط ميانمار وما أعقب ذلك من أعمال عنف وانتهاكات ضد هذه الأقلية المسلمة، فيما دعا المجتمع الدولي للتحرك العاجل لوقف هذه الجرائم.
ولئن صح القول إن الإرهاب يتغذى ويستفيد من جذور المظالم التاريخية والآنية فإن مظلومية الروهينجا تجمع مابين التاريخ والحاضر حتى باتت عنوانا لمآساة متعددة الألوان والأبعاد مابين قتل وتعذيب وإقصاء وحرمان من الجنسية والحقوق السياسية .
واتفقت العديد من المراجع والطروحات على أن معاناة الروهينجا بدأت منذ نحو 7 عقود فهناك اتفاق أيضا على أن هذه المعاناة بلغت ذروتها في الأعوام الأربعة الأخيرة حتى باتوا من أكبر المجموعات "عديمة الجنسية" على مستوى العالم، فيما تتواتر تقارير مؤكدة على أن الممارسات القمعية وعمليات التهجير القسري لهذه الطائفة استمرت خلال شهر رمضان الحالي.
ولاريب أن هذه المآساة تضع الضمير العالمي على المحك بقدر مايعني إزالة المظالم التي تحيق بأكثر من مليون إنسان سد الذرائع أمام الإرهاب وتجفيف منبع من منابع شروره وحرمانه من المتاجرة بآلام بشر تحولوا لأمثولة لمعنى العذاب .
ومع أن الأمم المتحدة أمست تسلم بأن "الروهينجا" من أكثر الأقليات المضطهدة في العالم فإن السلطات في ميانمار لاتتورع عن أبعادهم عن بلادهم في قوارب خشبية مهترئة تستحق وصفها "بقوارب الموت" وذلك لإرضاء جماعات بوذية متطرفة في هذه الدولة .
وأكد الأزهر الشريف، في بيان صدر مؤخرا، على أن مايرتكب ضد المسلمين في ميانمار من انتهاكات وأعمال عنف تسببت في مقتل وتشريد عشرات الآلاف من الأبرياء "يمثل انتهاكا صارخا لجميع المواثيق والأعراف الدولية".
ومشكلة المسلمين فى ميانمار أو "الروهينجا" الذين يقدر عددهم فى حده الأدنى بنحو 1,3 مليون نسمة أنهم يواجهون حالة إنكار رسمى لوجودهم فى بلادهم وهذه الإشكالية الوجودية تتجلى على مستوى الأقوال والأفعال معا حيث لاتتورع حتى قيادات روحية بوذية عن تأجيج ثقافة الإنكار لأى وجود للروهينجا بين الأقليات فى هذا البلد.
ومن هنا لم يكن من الغريب في ظل حالة الإنكار لوجود بشر لهم حقوقهم المفترضة أن تتدنى أوضاعهم الاقتصادية، فيما حرموا من حرية الحركة والتنقل داخل ميانمار حتى بعد فوز حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية الذي تتزعمه أونج سان سوتشي في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في شهر نوفمبر الماضي.
وجسد قرار حرمان الروهينجا المسلمين من المشاركة في العملية الانتخابية الأخيرة خطورة استغلال الدين في السياسة لأن هذا القرار صدر تحت وطأة ضغوط قيادات بوذية متعصبة، فيما تسعى أغلب الأحزاب والقوى السياسية لاسترضاء هذه القيادات المؤثرة على جموع الناخبين في ميانمار، كما أنه من المثير للتأمل أن تلك القيادات البوذية المتعصبة تستغل فظائع ترتكبها جماعات إرهابية تتستر بشعارات دينية في العالم العربي لتخويف المواطنين في هذا البلد من أي وجود لمسلمين .
ومآساة الروهينجا تجاوزت التهميش إلى إنكار الوجود وكان من المثير للسخرية أن يأتي قرار حرمان الروهينجا من المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة رغم أنهم بأي معيار عادل يشكلون مكونا من مكونات المجتمع المتعدد الأعراق واللغات في ميانمار، بينما يتحدث الخطاب الرسمي في هذه الدولة ذات الأغلبية البوذية التي يتجاوز عدد سكانها 55 مليون نسمة عن دعم الإصلاح وتعزيز المصالحة الوطنية والاتجاه بقوة نحو الديمقراطية الليبرالية والاقتصاد المختلط.
وبقدر ماتعبر مآساة المسلمين فى ميانمار عن مآساة من العيار الثقيل وتشكل اختبارا لمصداقية النظام العالمى وصدقية شعارات حقوق الإنسان فإنها تكشف عن ثقافة تسود على المستوى الرسمى فى هذا البلد ترفض التنوع وتنكفىء على نظريات للنقاء العرقى المزعوم بما يعيد للأذهان نظريات عرفتها دول مثل ألمانيا واليابان فى أيام كالحة أفضت لحرب عالمية أزهقت أرواح ملايين البشر وانتهت بهزيمة النخب العنصرية التى تبنت هذه النظريات المشؤومة.
فالدم الذى يدق النوافذ ويصفع العيون فى ميانمار يعبر بلغة الموت عن إشكالية ثقافية ترتبط بقبح التعصب فى ظل حالة التعتيم والغموض بهذه الدولة الآسيوية التى كانت تحمل من قبل اسم "بورما"، فيما ذهبت تقديرات معلنة إلى أن عدد الضحايا من الروهينجا في موجة عنف عاتية من موجات التطهير العرقي تعرضوا لها منذ نحو أربعة أعوام وصل إلى 70 ألف شخص.
وكان من اللافت حينئذ بقدر ماهو باعث على الدهشة والاستنكار أن يعلن ثين سين، الذي كان يشغل منصب رئيس ميانمار، أن حل أزمة الروهينجا يكمن فى ترحيلهم لدولة أخرى أو إقامة مخيمات لاجئين تأويهم، فيما يروج نظام الحكم فى هذه الدولة أن أبناء الروهينجا هم من المهاجرين حديثا من الهند وبنجلاديش مع أن الأمم المتحدة دحضت مثل هذه المزاعم.
وكان يانجي لي المقرر المعني بحقوق الإنسان في ميانمار قد أخطر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أنه ليس للروهينجا سوى خيارين إما البقاء في ميانمار حيث الموت أو الفرار لبلدان أخرى.
وفي ظل وضع كهذا كان من الطبيعي أن ينضم أبناء الروهينجا لما يعرف عالميا "بلاجئي القوارب" وأن يجوبوا البحار والمحيطات مثلهم مثل بقية المعذبين في الأرض بحثا عن ملاذ آمن غير أنهم كغيرهم أيضا وجدوا أنفسهم ضحايا لتجار البشر ومهربي اللاجئين المتربحين من عذابات البؤساء.
وتفيد تقارير عديدة أن الكثير من لاجئي القوارب المنتمين للروهينجا تحولوا إلى عبيد وعاملين بالسخرة في بلدان كتايلاند وباتوا أقرب لسلعة يتاجر بها سماسرة حسب مستويات العرض والطلب في أسواق عالم يتشدق من حين لآخر بحقوق الإنسان.
والمؤسف حقا أن "عمليات غسيل الأدمغة" المستمرة منذ أمد طويل فى ميانمار وعلى تعاقب الأنظمة الحاكمة أسفرت عن قبول شعبى شبه عام للموقف الرسمى فى هذه الدولة الرافض والمنكر لوجود أقلية من المسلمين تستحق حقوق المواطنة.
وفي شهر مارس الماضي تولى هتين كياو من حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية منصب رئيس ميانمار وتحدث عن أهمية الالتزام الدستوري بالقيم الديمقراطية الحديثة، غير أن هذا الإعلان لم ينعكس بصورة إيجابية حتى الآن على أوضاع طائفة الروهينجا المسلمة.
والبوذية ذاتها كمعتقد تتسم بالتسامح والرفق وتتوافق مع حقوق الإنسان كما تؤكد اونج سان سوتشي زعيمة الحزب الحاكم في ميانمار والتي كانت تتبنى خطابا يدافع عن الحرية والديمقراطية أثناء قيادتها للمعارضة وحصلت على جائزة نوبل للسلام، غير أنها لم تفعل في الواقع مايمكن أن يعتد به لحماية هذه الطائفة المعذبة في بلادها .
فأونج سان سوتشي التي لم تتول منصب الرئاسة لأن لديها أطفالا يحملون جنسية أجنبية،غير أنها الشخصية الأقوى سياسيا لزعامتها للحزب الحاكم حاليا لم تتبن بعد مواقف علنية دفاعا عن العدالة وحقوق الإنسان للمسلمين فى بلادها وهو مايفسره محللون بحسابات السياسة وقلقها من تراجع شعبيتها حال اتخاذها مواقف صريحة وعلنية تتحدى القيادات البوذية المتعصبة وتنحاز لهؤلاء المستضعفين والمضطهدين لحد إنكار وجودهم.
وفى خروج صارخ على الإطار التسامحى لمنظومة القيم البوذية - يقود رهبان بوذيون من حين لآخر مسيرات حاشدة فى مدن مثل مندلاى ثانى أكبر مدن ميانمار دعما لحملة طرد المسلمين خارج هذه الدولة.
وفى كتاب صدر بالإنجليزية بعنوان "السيدة والطاووس:حياة اونج سان سوتشي" يتناول المؤلف بيتر بوفام بعمق التراث النضالى لشعب ميانمار فى مواجهة الاستبداد الذى أزهق أرواح الآلاف من أبناء هذا الشعب مسلطا المزيد من الأضواء الكاشفة على شخصية "المناضلة اونج سان سوتشي الحائزة على جائزة نوبل للسلام تقديرا لشجاعتها ودفاعها الجسور عن الديمقراطية".
وإذا كان هذا الكتاب كجهد ثقافى غربى قد تعرض لأوضاع الأقليات فى ميانمار فإنه من الواضح أن هذه الأقليات وخاصة أقلية الروهينجا المسلمة تدفع الثمن الفادح لممارسات جماعات تتستر بشعارات دينية مثل الجماعات البوذية المتطرفة في ميانمار التي تعمد للتلاعب والمناورة وبث الفتن بين أبناء الشعب الواحد كورقة تحقق لها ماتتصوره من مكاسب.
وتصطف الأقلية المسلمة إلى جانب الحرية والديمقراطية وكانت مؤيدة لمواقف اونج سان سوتشي رغم أنها لم تفعل الكثير لنصرتهم، فيما كان هؤلاء المسلمون قد قاوموا ببسالة الاحتلال البريطاني لبلادهم ميانمار أو بورما في السابق بين عامي 1886 و1948 وقدموا آلاف الشهداء .
وفى عام 1988 أمرت الطغمة الحاكمة في ميانمار حينئذ قواتها بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين مما أدى لمقتل الآلاف من المدنيين العزل، كما اختفى الآلاف فى غياب السجون والمعتقلات ومعسكرات العمل الإجبارى.
وثمة تقديرات تذهب خلافا للتقديرات الرسمية في ميانمار إلى أن عدد المسلمين في هذه الدولة يتراوح مابين 5 ملايين و10 ملايين نسمة مقابل 40 مليون بوذى.
وعلى مستوى الدوائر والنخب الثقافية فى الغرب يمكن القول إن ردود الأفعال حيال التطهير العرقي والمذابح التى يتعرض لها المسلمون فى ميانمار لم تصل بعد إلى الحد الأدنى من المستوى المأمول ومازالت بعيدة عن التحرك الفاعل والإجراءات الناجزة التى يمكن أن تساعد فى وضع حد لهذه المآساة.
ومشكلة الروهينجا مزمنة فمنذ إعلان استقلال بورما فى عام 1948 لم يعترف الدستور بأولئك المسلمين بدعوى أن أجدادهم لم يكونوا من أبناء البلد الأصليين ومنذ ذلك الحين لم تتعامل معهم السلطة أو الأغلبية البوذية كمواطنين.
وهكذا ظل أبناء الروهينجا طوال الوقت عرضة للاضطهاد والإقصاء ومهددين بالطرد إلى ماوراء الحدود واستمروا عرضة لممارسات التطهير العرقى وطرد منهم إلى الجارة بنجلاديش دفعات على فترات متفاوتة تراوحت بين 150 ألف نسمة ونصف مليون نسمة.
وشجعت تلك الحملات غلاة البوذيين للاعتداء على ممتلكاتهم وإحراق بيوتهم وزراعاتهم وممارسة مختلف صور العنف الجسدى بحقهم حتى أن أبناء الروهينجا منعوا كثيرا من الانتقال من قرية لآخرى وحظر عليهم دخول العاصمة رانجون .
فالأصل هو اضطهادهم والتنكيل بهم لمجرد أنهم مسلمون غير مرغوب فى وجودهم وحين يرتكب أحدهم أى خطأ فإن الجميع يتعرضون لأقصى العقوبات.
وتذهب بعض المصادر والإحالات التاريخية إلى أن أصول مسلمى بورما ترجع للجزيرة العربية حيث هاجر الأجداد للصين وإندونيسيا ومنطقة جنوب شرق آسيا، فيما أشار بيتر بوفام فى كتاب "السيدة والطاووس" إلى أن مسلمى ميانمار جاء أغلبهم من البنغال عندما كانت بورما والبنغال معا جزءا من الإمبراطورية البريطانية.
وتحظى ميانمار بحكم موقعها بأهمية جغرافية - سياسية وهى اتحاد الصين والهند اللتين تقدمان لها الكثير من المساعدات بما فى ذلك مشاريع البنية الأساسية، كما يوضح كتاب "عندما تلتقى الصين والهند:بورما وتقاطعات الطرق الجديدة فى آسيا" بقلم ثانت مينتو.
ويبدو أن مآساة الروهينجا تشير لغياب فادح لثقافة حقوق الإنسان فى منطقة جنوب شرق آسيا على وجه العموم، فيما تعبر عن خطورة سيادة ثقافة الاستبداد والتعصب وسطوة النمط الأحادى.
وفيما وصفت الأمم المتحدة هذه الطائفة المسلمة بأنها "أقلية دينية مضطهدة جاءت من غرب ميانمار" فإن منظمة التعاون الإسلامى التى تضم فى عضويتها 57 دولة لم تتخذ بعد الإجراءات العملية التى كانت قد أعلنت عن أنها ستتخذها لحشد الدعم لمسلمى ميانمار وهو مايلقى مرة أخرى بظلال سلبية على مدى فعالية هذه المنظمة على الأقل فى ذهن رجل الشارع العربى والإسلامى.
ولن يكون من المفيد ولا من الواقعى التساؤل عن دور مجلس الأمن الدولى والأمم المتحدة ولا الفصل السابع الشهير للمنظمة الدولية حيال مايحدث لمسلمى ميانمار لأن غياب المصالح الملحة للقوى المهيمنة على النظام العالمى القائم حتى الآن على الأقل فى هذه القضية يجعل مثل هذه التساؤلات غير ذى معنى.
غير أن الإنسانية كلها بالمنظور الأخلاقى والسياسى ودروس التاريخ معا قد تدفع ثمنا غاليا حال انتظار يتامى النظام العالمى لعدالة مفترضة!..فهل يطول انتظار الروهينجا للعدالة وتستمر المآساة في ظل غياب ثقافة التسامح وقبول الآخر ؟!.