مواجهة دراماتيكية لا تنسى بين ألمانيا الغربية وفرنسا في نصف نهائي 1982
الثلاثاء 05/يوليو/2016 - 05:01 م
كان ملعب "رامون سانشيز بيزخوان" في اشبيلية مسرحا للمواجهة القوية والدراماتيكية بين المانيا الغربية وفرنسا ضمن نصف النهائي لمونديال 1982، والتي سجلت من خلالها الاولى اسمها باحرف من ذهب في سجلات نهائيات كأس العالم منذ انطلاقها عام 1930.
حفلت المواجهة الحدث بكل شيء في عالم المستديرة: اهداف استعراضية، التحامات بدنية قاسية، عودة دراماتيكية واحتكام المنتخبين إلى ركلات ترجيحية لتحديد هوية الفائز.
بلغت الاثارة والتشويق قمتهما، وكان الفرنسيون على بعد 20 دقيقة من بلوغ المباراة النهائية للمرة الاولى في تاريخهم لانهم كانوا متقدمين 3-1، لكن الالة الهجومية الالمانية تحركت بقوة بعد دخول نجمها كارل هاينتس رومينيغه في الشوط الاضافي الاول برغم اصابته، فقاد منتخب بلاده الى ادراك التعادل والاحتكام الى ركلات الترجيح التي ابتسمت لهم.
وقال مهندس الهجمات الفرنسية وصاحب هدف فرنسا الثالث ألان جيريس في تلك الأمسية: "إنه جرح لن يندمل أبدا".
وقال أسطورة فرنسا ميشال بلاتيني خلال استذكاره موقعة أشبيلية: "بالنسبة لي، ليس هنالك من فيلم سينمائي أو حدث بامكانهما أن يعيدا ما خالجنا من مشاعر. شهدنا مواجهة محتدمة وقوية لا مثيل لها".
كان الالمان في اوج عطاءاتهم وخسارتهم المفاجئة امام الجزائر 1-2 في اولى مباريات المونديال كانت بمثابة الدرس الذي تعلموا من خلاله عدم الاستهانة بالخصوم، فتغلبوا على تشيلي 4-1، والنمسا 1-صفر في الدور الاول، وتعادلوا مع انكلترا صفر-صفر وفازوا على اسبانيا 2-1 في الثاني.
بدورها استهلت فرنسا مشوارها في البطولة بخسارة امام انكلترا 1-3، تخطت الكويت بسهولة 4-1، وتعادلت مع تشيكوسلوفاكيا 1-1 في الدور الاول، وحجزت بطاقتها الى نصف النهائي بفوزين على النمسا 1-صفر وايرلندا الشمالية 4-1.
وكانت المرة الثانية التي تتأهل فيها فرنسا الى نصف النهائي بعد مونديال 1958، عندما منيت بخسارة قاسية امام البرازيل 2-5.
وكان الامتحان عسيرا بالنسبة الى الالمان والفرنسيين في نصف النهائي، لانهما كانا بين افضل المنتخبات المتأهلة الى دور الاربعة (مباراة نصف النهائي الثانية جمعت بين ايطاليا وبولندا).
وصرح مدرب فرنسا ميشال هيدالغو صبيحة المباراة: "سيكون من الخطأ ان يكتفي اللاعبون ويفرحوا ببلوغهم دور الاربعة، فالامل لا يزال قائما لتخطي هذا الدور".
ولم يواجه هيدالغو اي مشكلة بخصوص تشكيلته التي ابانت عن انسجام كبير في صفوفها. في المقابل، واجه مدرب المانيا يوب درفال مشكلتين اساسيتين تمثلتا في اصابة نجميه هانزي مولر ورومينيغه.
لم يتأخر الالمان في ارباك دفاع الفرنسيين وكاد بيار ليتبارسكي يفتتح التسجيل في الدقيقة 15 من تسديدة قوية صدتها عارضة مرمى الحارس جان لوك ايتوري.
وبعد ثلاث دقائق انسل بول برايتنر في وسط الملعب ولحق به بلاتيني، لكن الاول نجح في الانفراد بايتوري والتسديد، بيد ان الاخير حول كرته فتهيأت امام ليتبارسكي سددها من 16 مترا داخل الشباك (17).
واندفعت فرنسا نحو مرمى هارالد شوماخر، ومرر بلاتيني كرة رأسية الى دومينيك روشتو الذي تعرض الى عرقلة من المدافع برند فورستر فلم يتردد الحكم الهولندي تشارلز كورفر في الاعلان عن ركلة جزاء انبرى لها بلاتيني بنجاح (26).
وتكافأ اللعب بين المنتخبين بعد ذلك، وكانت اخطر فرصة في الدقيقة 40 لمصلحة الفرنسيين، لكن شوماخر ابعد الكرة بقبضتي يديه من امام رأس المهاجم ديدييه سيكس، ومثله فعل ايتوري امام المهاجم كلاوس فيشر في الدقيقة الاخيرة من الشوط الاول.
وقام هيدالغو بتغيير اضطراري في الدقيقة 50 بعد اصابة برنار جنجيني، فأشرك باتريك باتيستون الذي لم يلعب أكثر من 8 دقائق، لانه خلال هجمة لمنتخب بلاده تلقى كرة بينية وانفرد بشوماخر وسدد باتجاه المرمى، لكن الاخير صدمه بعنف عمدا، فوقع على الارض دون ان يحرك ساكنا في الوقت الذي لامست فيه الكرة القائم.
واغمي على باتيستون ولم يحرك ساكنا، فظن زملاؤه بانه توفي وصرخ بلاتيني طالبا النجدة، في الوقت الذي نهض فيه شوماخر ولم يكترث بما فعل وراح يلاعب الكرة. واضطر هيدالغو الى القيام بالتغيير الاضطراري الثاني فأدخل كريستيان لوبيز.
وروى باتيستون غداة المباراة "كنت باتجاه المرمى وكان (اولي) شتيليكه ورائي وشوماخر امامي، وقلت في نفسي اذا سددت الكرة ساقطة سأسجل، كنت في كامل لياقتي وشعرت بانني قادر على التسجيل، لكني لا أعرف ماذا حصل بعد ذلك".
واعتبر بلاتيني في معرض حديثه عن حادثة باتيستون أن "شوماخر ارتكب خطأ فادحا بحق الأخير، لكنني أتذكر أنني كنا نخوض واحدة من أروع المباريات على امتداد مسيرتنا، حيث أن الحماسة كانت في اوجها. يا لها من مواجهة".
وتحكمت فرنسا في مجريات اللعب، قبل ان تتحرك المانيا في الدقائق العشر الاخيرة. وابعد ايتوري تسديدة قوية للمدافع بيتر بريغل، قبل ان تنقذ العارضة الالمان من هدف محقق في الدقيقة الاخيرة من تسديدة قوية لايمانويل اموروس.
واهدر فيشر فرصة ذهبية في الوقت بدل الضائع من انفراد بالحارس ايتوري.
وكانت بداية الشوط الاضافي الاول رائعة بالنسبة الى الفرنسيين، لانهم تقدموا بهدف رائع من تمريرة عرضية لجيريس تابعها ماريوس تريزور على الطاير في سقف المرمى (92).
واضافت فرنسا الهدف الثالث في الدقيقة 98 وكان صانعه سيكس ايضا حيث مرر الكرة الى جيريس سددها من 20 مترا لامست القائم وعانقت الشباك.
وظن الجميع ان الفرنسيين حسموا اللقاء في مصلحتهم قبل 20 دقيقة من النهاية، لكن حصل ما لم يكن في الحسبان، فقد نسي الفرنسيون اصرار الالمان وسهلوا مهمتهم بمتابعة الهجوم.
وقال تريزور "كان علينا تهدئة اللعب وعدم المجازفة والاستمرار في الهجوم".
دخل رومينيغه المصاب، فتحول كل شيء بالنسبة للالمان، لان دخوله كان مؤثرا ونجح في تقليص الفارق بتسجيله الهدف الثاني بعد 5 دقائق من نزوله ارض الملعب اثر تلقيه تمريرة من ليتبارسكي (103).
وتهاون الفرنسيون في الدفاع، واستغل ليتبارسكي الامر ومرر كرة عرضية داخل المنطقة هيأها هروبيش برأسه الى فيشر الذي تابعها بتسديدة اكروباتية داخل الشباك معلنا هدف التعادل (108).
لم يصدق بلاتيني وزملاؤه ما حصل، لكنها الحقيقة فالالمان لم يستسلموا وقاوموا حتى الصافرة النهائية ونجحوا في انتزاع تعادل ثمين خولهم الاحتكام الى ركلات الترجيح التي منحتهم بطاقة المرور الى المباراة النهائية التي خسروها امام ايطاليا 1-3.
وسنحت الفرصة لفرنسا في ركلات الترجيح لحسم النتيجة في مصلحتها بعدما اهدر شتيليكه ركلة ترجيحية 3-2، لكن شوماخر انقذ الموقف بتصديه لركلة سيكس فانتهت السلسلة الاولى من الركلات بالتعادل 4-4.
وكان لزاما على المنتخبين الاحتكام الى سلسلة ثانية مع تعيين لاعبين جدد للتسديد، فكان بوسيس اول المسددين لفرنسا: "اقترحت ان اسدد ركلة الترجيح السادسة، كنت أعتقد اني سأسجل". لكن العكس هو الذي حصل لان بوسيس لم يركز وسدد في اتجاه شوماخر الذي تصدى لكرته.
وكان تأهل المانيا رهن بتسجيل هروبيش للركلة التالية وقد نجح الاخير في ذلك ومنح البطاقة لمنتخب بلاده.
وتحولت فرحة الفرنسيين، الذين كانوا قاب قوسين أو أدنى من بلوغ النهائي، الى دموع والاكيد انهم لن ينسوا ما حصل مثلما ذكر جيريس.
سقط الديوك وبقي الحلم يؤرقهم كون هذا الجيل المذهل من اللاعبين (بلاتيني- جيريس- تريزور- سيكس--) فشل في بلوغ نهائي كأس العالم ومنح فرنسا باكورة ألقابها في المسابقة الأسمى عالميا، قبل أن يعوض الإخفاق بحصده لقب بطولة أمم أوروبا 1984 على أرضه وأمام جماهيره.
ما برحت هزيمة العام 1982 تقض مضجع الفرنسيين قبيل مواجتهم الألمان في نصف نهائي كأس اوروبا 2016، لكنهم عازمون على تخطي مسلسل النتائج السلبية أمام جيرانهم واستعادة بريقهم في عالم المستديرة عقب سلسلة إخفاقات نتجت عن رحيل جيل عظيم بقيادة زين الدين زيدان.