مشاعر متناقضة تنتاب كل من يعيش فى عالمنا من أقصاه إلى أدناه، مشاعر سعيدة وعكسها حزينة، يوم أن تأتى مناسبة عيد الأم فى الحادى والعشرين من مارس من كل عام، فتلك اللحظات السعيدة التى يعيشها الأبناء فى حضرة أمهاتهم يحتفلون بها فى عيدها ويقدمون لها الغالى والنفيس، تعبيرًا رمزيًا عن عظمة وجود الأم فى حياتنا؛ تجد فريقًا أخر يعيد المشاهد التى مرت فى هذه المناسبة فى وجود أمه قبل رحيلها، ويتذكر كيف كان يسير هذا اليوم وهل بالفعل تمكن من إسعاد أمه أم فشل فى ذلك.
وتبدأ معركة داخلية لا تنتهى إلا بإشارة من الجائز أن تكون ربانية بأنك فعلا كنت تسعدها أو العكس وتتصارع داخل نفسك حتى تدخل فى دوامة الحياة ومتطلباتها وتنسى، فنعمة النسيان من أفضل نعم الله سبحانه وتعالى علينا، ولكن لن تنسى أبدًا أمك مهما مر على رحيلها من سنوات لأنها ببساطة كانت أيقونة الحياة، ومن لم يشعر بذلك فليعرض نفسه على طبيب فورًا لأنه بكل بساطة فقد أفضل مشاعر إنسانية فى الوجود تلك التى تتمثل فى الوقوف أمام هذه السيدة منحنيًا لتقبل يدها أو قدميها إن شئت فلما لا والجنة تحت أقدامها، فلكل أم سواء كانت تعيش فى عالمنا أو رحلت إلى دار الحق كل عام وأنتى بخير إن كنتى فى دنيانا، وكل عام وأنتى فى جنة الخلد إن كنتى قد رحلتى عنا.
مرت 5 سنوات ولم احتفل بعيد الأم منذ أن رحلت أمى عن عالمنا، ولكنى اتذكر الهدايا البسيطة التى كنت أقدمها لها أحيانًا فى هذا اليوم، والتى كانت فى مفهوم الهدايا لا شىء يذكر على الإطلاق، ولكنى كنت أشاهد فى عينيها فرحة وكأنى ملكتها العالم بأسره، وكانت تحتضننى قائلة جملتها الشهيرة "ربنا يرزقك ويوقفك يا ابنى"، منذ ذلك التاريخ لم أشعر بهذا اليوم عيدًا بالنسبة لى فهو يمثل لى آلام 5 سنوات مرت دون رؤيتها فى عالمنا الغريب، ولأن مناسبة عيد الأم تنقسم فى هذا العالم إلى فريقين أصبحت انتمى للفريق الثانى، إلا أننى فى قرارة نفسى أشعر بوجود أمى معى فى يوم عيدها وكأنها تنتظر قدومى لمشاهدة هديتى التى كانت لا تمثل لها أى قيمة على الإطلاق حتى وإن لم أشتريها، فهديتها الكبرى كانت فى رؤيتى ورؤية أشقائى بجانبها، وكم أتذكر لحظات وداع أشقائى قبل سفرهم والتى كانت تحاول أن تتماسك فيها أمامهم وفور سفرهم تنهار فى بكاء مستمر أجلس بجوارها بالساعات فى محاولة منى أن أخفف عنها ولكن قلبها الذى كان يعتصر ألما لا يعرف أن يخفى مشاعره، فهى كالعادة كانت تخفى مشاعرها الحزينة وتحاول أن تبدو متماسكة باعتبار أنها سنة الحياة، مشاعر غزيرة يفتقدها الإنسان فى حالات فقدان الأم، فأنت تفتقد إلى السند وتفتقد إلى الحنية والدعاء واللهفة والشوق والحضن والدفء وعددّ كما شئت.
منذ أن فقدتك يا أمى شعرت بأنى فقدت كل شىء فى الحياة، ولما لا وأنتى كنتى كل شىء بالفعل، هنا أتوقف وأقول أن الأم أيقونة الحياة الفعلية وبدونها لن تشعر بهذه الحياة، لكل شاب أتمنى أن تحظى برضاء أمك وأن تحاول إسعادها فى هذا اليوم بأى شىء فصدقنى حتى ولو لم تجلب لها هدية فكلمة "كل عام وأنتى تنيرى لى حياتى"، كافية لأن تكسب رضاها الذى تعيش به ويساعدك فيما تتخبطك به الحياة، فلو فقدتها ستفقد ما كان يكرمك الله من أجلها.