رغم وجود العديد من المدن التاريخية بمصر والدول العربية إلا أن مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة تبقي علي مدار تاريخها ذات طابع خاص فهي إحدي ثلاث مدن لم تتوقف بها الحياة منذ بدء الحضارة الإنسانية ورغم عدم وجود الكثير من الآثار الظاهرة كما في القاهرة والجيزة وأسوان إلا ان البحيرة عمومًا تتميز عن غيرها بثقافة الإنسان فقصدتها العائلة المقدسة والسيد المسيح عليه السلام في رحلة العائلة المقدسة والتي شرفت مدينة وادي النظرون بزيارتها، وال بيت النبي محمدا صلي الله عليه وسلم في العصر الأموي وأشهر المؤرخين كابن بطوطة وهيرودوت وغيرهم.
فالإنسان بالبحيرة هو الأثر الباقي علي مدي عمر الحضارة الإنسانية وتوحيده وثق أنها أحد بدايات التوحيد في الحضارات القديمة، ويكفي أن نقول أن محافظة البحيرة خرجت للعالم ليس فقط حجر رشيد ومقاومة المحتلين في حملة فريز، حيث كانت البحيرة تحمل علي عاتقها منفردة الدفاع عن مصر وتمكنت من إلحاق أكثر الهزائم ذلًا للحملات الانجليزية علي مصر، بمساعدة نساءها وأطفالها، بل كانت لها صولات وجولات ضد الاحتلال ففي دمنهور قتل أكثر من 3 الاف مناضلًا مصريًا خالصًا في مواجهه غير متكافئة مع الحملة الفرنسية، وفي شيراخيت كانت معارك عده جسدت خلالها الأجسام البحراوية عظمة الصمود المصري.
وتحفل محافظة البحيرة بالعديد من الأسماء والأماكن التي لا يصدق أحدًا انها بالبحيرة فيكفيها أنها مدينة النبي إدريس عليه السلام كما يقول عدد من الباحثين وعلي رأسهم الكاتب والمؤلف كامل رحومة صاحب كتاب المقاهي الثقافية في العالم، بالإضافة الي كونها مدينة الاله حورس في الحضارة الفرعونية، وبها أول ميناء ونظام جمارك كامل موثق بحجر كانوب الذي لا يقل أهمية عن حجر رشيد، ومقبرة أبن النفيس مكتشف الدورة الدموية الصغري في مدينة الرحمانية،وينسب لدمنهور أنها اول مدينة صكت بها العملة وكما يقول القطب الصوفي عبد اللطيف أبو خزيمة أن دمنهور خصت بأكثر من 55 مقامًا لأولياء الصالحين لتحتل المرتبة الرابعة في مصر بعد القاهرة وأسوان والمنيا في عدد الأولياء ولها تسمية خاصة بين أهل التصوف فهي بلد" أهل المبجلين" لاحتواها علي عدد كبير من مقابر ال البيت والصحابة.
ويكفي أن نقول أن إقليم البحيرة قدم لمصر أكثر من ثلث كتابها ومفكريها فمنها الشيخ الخراشي أو أئمة الازهر ومنها الشيخ محمد عبده رائد التنوير إلي جانب الشيخ الدمنهور وشلتوت وانتهاءً بعظماء العصر الحديث المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة القائد العسكري المحنك والدكتور أحمد زويل واسرة نجيب محفوظ الحاصلان علي جائزتي نوبل في الاداب والكيمياء والدكتور عبد الوهاب المسيري والاديب توفيق الحكيم ومحمد عبد الحليم عبد الله ومحمود سامي البارودي والكثير من الأسماء التي تم توثيقها في مجلد كامل.
إلا ان من بين تلك الأسماء يظل اسم " عبد المعطي المسيري" له طابعه الخاصة، فالشاعر القهوجي الذي حول مقهاه الي منتدي ثقافي استقبل الحيكم والعقاد والرئيس الراحل محمد أنور السادات وكان وجيه أباظه يستخدمه كغرفة عمليات خلال بعد النكسة ليشحذ الجهود للمهجهود الحربي والمقاومة،ويكفي أن نقول أن يوميات نائب في الأرياف للكاتب الكبير توفيق الحكيم كتبت علي رصيف المقهي الذي ظل عامرًا قرابة 70 عامًا قبل أن تغلق مؤخرًا.