معادلة سياسية جعلت "عباس حلمي الثاني" حاكماً مخلوعاً ومنفياً
السبت 05/مايو/2018 - 02:18 ص
وسيم عفيفي
طباعة
"إني أتمنى مخلصا أن تضع الأمة نصب عينيها وهي تبذل الجهد والحياة، ما كنت دائما أتمسك به من مبادئ (حب الوطن ، واحترام القانون)".
بهذه الكلمات اختتم الخديوي عباس حلمي الثاني مذكراته التي حملت عنوان " عهدي " والتي كتبها في 4 سنوات و كشف فيها ظروف توليه الحكم واعترافه بأخطائه التي لم يبررها وإنصافه لنفسه بدون مبالغة بعدما أساء الكل له ولحكمه الذي دام لمدة 22 عاما ، وبدأ حكمه في 8 يناير من عام 1892 م
بهذه الكلمات اختتم الخديوي عباس حلمي الثاني مذكراته التي حملت عنوان " عهدي " والتي كتبها في 4 سنوات و كشف فيها ظروف توليه الحكم واعترافه بأخطائه التي لم يبررها وإنصافه لنفسه بدون مبالغة بعدما أساء الكل له ولحكمه الذي دام لمدة 22 عاما ، وبدأ حكمه في 8 يناير من عام 1892 م
عباس حلمي الثاني شاباً
ولد عباس حلمي في 14 يوليو 1873 بالإسكندرية ، وتربى في كنف والده وعلى يد رجال الدولة المعدودين والمغمورين بالحظوة ومنهم أحمد مختار باشا والذي تعلم على يديه اللغتين التركية والإنجليزية، بالإضافة لتعلمه العربية في مدرسة بجوار قصر عابدين، إلى أن التحق بمدارس سويسرا عام 1883 وظل بها 4 سنوات لتنقله إلى الدراسة الأكاديمية.
ضريح الخديوي توفيق
جاء يوم 7 يناير عام 1892 ومع بدايته مات الخديوي توفيق وكان عباس حلمي الثاني لا زال في سويسرا، فيضع الإمبراطور جوزيف " إمبراطور النمسا " سفينته في خدمته لتصل إلى مصر ومن ثم يتولى الحكم.
ما لبثت المشاكل السياسية أن ألمّت بتوليه الحكم ، فإنه لم يبلغ سن الرشد حتى يتولى الحكم ، فكان طبيعيا أن يؤجل تنصيبه حاكما إلى 14 يوليو من عام 1892 ، ويتم تشكيل مجلة وصاية ، لكن انجلترا رفضت ذلك لأن مجلس الوصاية كان يعني أن الباب العالي سيفرض سيطرته على مصر وما كان لكرومر أن يقبل بذلك.
ما لبثت المشاكل السياسية أن ألمّت بتوليه الحكم ، فإنه لم يبلغ سن الرشد حتى يتولى الحكم ، فكان طبيعيا أن يؤجل تنصيبه حاكما إلى 14 يوليو من عام 1892 ، ويتم تشكيل مجلة وصاية ، لكن انجلترا رفضت ذلك لأن مجلس الوصاية كان يعني أن الباب العالي سيفرض سيطرته على مصر وما كان لكرومر أن يقبل بذلك.
حُل الموقف باقتراح أحد العلماء أن يحسب سن الأمير وفقاً للتقويم الهجري، ومن هنا اتخذت بريطانيا فرصة صغر سن عباس حلمي الثاني لتجعله ذريعة للبقاء في مصر والعربدة فيها، ووصل المشير أحمد أيوب باشا إلى مصر في 14 أبريل 1892 حاملا فرمان تولي عباس حلمي الثاني .
مذكرات عباس حلمي الثاني
طبقا لما جاء في مذكرات عباس حلمي الثاني، كان الفرمان الذي يحمله مطابقاً لفرمان 17 أغسطس عام 1879 الصادر لوالده الخديوي محمد توفيق فيما عدا نقطة واحدة وهي أن عين أملاك مصر وفقاً للفرمان الصادر إلى محمد علي في يونيو عام 1841، منتزعاً منها جيوب شبه جزيرة سيناء بما في ذلك العقبة والطور التي كانت قد ضمت إلى الإدارة المصرية في عهد الخديوي إسماعيل وبهذا تصبح حدود مصر ممتدة من العريش إلى السويس.
تصدت إنجلترا للعثمانيين لمصلحتها، فعدل السلطان عن قراره في إبريل عام 1892م، ثم كان الاحتكاك الطفيف بينه وبين الإنجليز في يناير عام 1893 عندما أصدر قرار بإقالة مصطفى فهمي باشا وتولى حسين فخري و اعتبر كرومر هذا القرار أمرا خطير للغاية ، وأرسلت بريطانيا مذكرة بهذا المعنى.
تصدت إنجلترا للعثمانيين لمصلحتها، فعدل السلطان عن قراره في إبريل عام 1892م، ثم كان الاحتكاك الطفيف بينه وبين الإنجليز في يناير عام 1893 عندما أصدر قرار بإقالة مصطفى فهمي باشا وتولى حسين فخري و اعتبر كرومر هذا القرار أمرا خطير للغاية ، وأرسلت بريطانيا مذكرة بهذا المعنى.
مصطفى باشا فهمي - اللورد كرومر
أرسل "كرومر" قوات بريطانية حاصرت المطبعة لمنع نشر مراسيم تشكيل الوزارة وقدم إنذارا إلى عباس وأرسل الخديوي رسالة إلى كرومر يوضح فيها أنه يرغب رغبة شديدة في أن يوجه عنايته لإيجاد أصدق العلاقات الودية مع إنجلترا.
ظلت المناورات بين عباس حلمي الثاني وبين الإنجليز وكرومر على قدم وساق، وكانت الصفوف الوطنية تدعمه وتسنده برغم أنه لم يكن له سلطة فعلية على الجيش الذي يتحكم فيه كرومر ، لكن عباس حلمي الثاني لم يتوقف عن سياساته المتحدية للانجليز، كون أنه طالب مجلس الشورى برفض الزيادة التي طالب بها الاعتماد المخصص للجيش البريطاني، كما طالب بتخفيض الضرائب على الأطيان وأراد أن يعمم التعليم، وغيرها من القرارات التي أغضبت الاحتلال، مما جعل محبة عباس حلمي تزداد فى قلوب المصريين.
ظلت المناورات بين عباس حلمي الثاني وبين الإنجليز وكرومر على قدم وساق، وكانت الصفوف الوطنية تدعمه وتسنده برغم أنه لم يكن له سلطة فعلية على الجيش الذي يتحكم فيه كرومر ، لكن عباس حلمي الثاني لم يتوقف عن سياساته المتحدية للانجليز، كون أنه طالب مجلس الشورى برفض الزيادة التي طالب بها الاعتماد المخصص للجيش البريطاني، كما طالب بتخفيض الضرائب على الأطيان وأراد أن يعمم التعليم، وغيرها من القرارات التي أغضبت الاحتلال، مما جعل محبة عباس حلمي تزداد فى قلوب المصريين.
عباس حلمي الثاني
عند زيارته للسودان في 15 من يناير عام 1894 قام بعمل زيارة إلى مدينة أسوان، وأبدى أثناء جلسته مع عدد من الضباط، ملاحظات حول عدم كفاءة الجيش البريطاني، هذا الحديث الذي نقله المندوب السامي إلى لندن تسبب فى إثارة جدل واسع فقامت انجلترا بتوجيه تهديد صريح بخلع الخديوي.
اللورد كرومر
طالب اللورد كرومر المندوب السامي، عباس حلمي بإصدار أمر عسكري يثنى فيه على الجيش البريطاني ويوضح الموقف تبريرا ويحضر حفل له، كما طالبته إنجلترا بتغيير الوزارة الحالية بزعامة نوبار باشا، وما لبثت أن تخلت الصفوف الوطنية عن عباس حلمي الثاني بعد أن ساهم في تشكيل بوادر نهوضها، ووقعت أحداث جسام بمصر في عهده ، فكانت واقعة دنشواي ثم أزمة قاسم أمين ، ثم مشاكل السودان.
وجه عباس حلمي الثاني على عملة مصرية
أكبر مشكلة شخصية تعرض لها عباس حلمي الثاني كانت عملية اغتياله وتصفيته جسديا ولكن تلك المحاولة فشلت، ففي 21 مايو 1914 م، استقل يخت المحروسة فى رحلة للخارج، وكان هذا آخر عهده فى مصر، وحين زار تركيا فى ٢٥ مايو، وبينما كان خارجا من الباب العالي فى اسطنبول قام الشاب المصري محمود مظهر مقيم هناك بإطلاق الرصاص عليه فأصابه إصابات بالغة.
تسبب هذا الحادث فى تأخير عودته لمصر، حيث اندلعت الحرب العالمية الأولى، وأطلق البوليس النار على هذا الشاب فأرداه قتيلاً، وثارت شكوك البعض في أن تكون محاولة الاغتيال بإيعاز من الصدر الأعظم نفسه الذي قيل إنه تطلع لأن يكون خديوي على مصر، وطار النبأ إلى مصر وفرح الناس بنجاة الخديوي.
تسبب هذا الحادث فى تأخير عودته لمصر، حيث اندلعت الحرب العالمية الأولى، وأطلق البوليس النار على هذا الشاب فأرداه قتيلاً، وثارت شكوك البعض في أن تكون محاولة الاغتيال بإيعاز من الصدر الأعظم نفسه الذي قيل إنه تطلع لأن يكون خديوي على مصر، وطار النبأ إلى مصر وفرح الناس بنجاة الخديوي.
خبر خلع عباس حلمي الثاني في جريدة الأهرام
وبعدما تلقى الخديوي العلاج اعتزم العودة إلى مصر، وكلف حسين رشدي باشا ليقوم بالترتيبات اللازمة لعودته، غير أن مفاجأة كانت بانتظاره وخيبت آماله وهى أن الإنجليز قد رأوا أن يتم تأجيل هذه العودة وطلبوا منه أن يغادر الآستانة، قاصداً إيطاليا للعيش مؤقتاً هناك وضرب الإنجليز ضربتهم أثناء وجوده بالخارج مع بوادر نشوب الحرب العالمية الأولى وخلعوه وطلبوا منه عدم العودة ونصبوا عمه حسين كامل سلطانًا على مصر، وصدر القرار بعزله.
قبر عباس حلمي الثاني
حلل المؤرخون نهاية عباس كما جاء في كتاب الرافعي، حيث قال "لعب عباس على حسابات خاطئة، إذ رأى أن تركيا تعادى روسيا حليفة إنجلترا وأنه لو انتصر الأتراك فى الحرب فسيعود مع الأتراك إلى القاهرة رافعًا رايات النصر، ولكن بعد أربع سنوات احتل الإنجليز الشام وخسر الأتراك الحرب وتصدعت دولة الخلافة فخاب أمله وحلمه الذي انتظره حتى وفاته عام 1944 م.