"رغم وفاته منذ 157 سنة" هذا الشيخ له قصة في حياة "محمد صلاح"
الأحد 13/مايو/2018 - 11:27 م
وسيم عفيفي
طباعة
كان العام 1784 م هو بداية العلاقات بين مصر وروسيا عقب قيام الإمبراطورة يكاترينا الثانية بإصدار مرسوم تعيين "كندراتي فون تونوس" قنصلاً من الإمبراطورية في مصر، وساهم تونوس في تشييد العلاقات المصرية الروسية التي سرعان ما طورها الدبلوماسي ألكسي لاكوفسكي، وظلت العلاقات الروسية المصرية أحد أهم الثنائيات التي تتحكم في مستقبل الشرق الأوسط إلى الآن.
لم يهتم يوماً أي مصري بأخبار روسيا منذ وفاة جمال عبد الناصر، على اعتبار أن ناصر هو الحليف للسوفيت، غير أن أوسع اهتمام من المصريين بروسيا كان يوم 8 أكتوبر سنة 2017 م، والذي أعاد مصر للمشاركة في بطولة كأس العالم بعد غياب دام 28 سنة، وذلك بهدفين مقابل هدف في مباراة مصر والكونغو، أحرزهما محمد صلاح وذلك في الجولة الخامسة من منافسات المجموعة الخامسة بالتصفيات الإفريقية المؤهلة لكأس العالم.
بعد الفوز الذي حققته مصر بالهدفين اللذين أحرزهما محمد صلاح، ظهرت روسيا في الثقافة المصرية مرة أخرى، غير أن المسألة وإن ابتعدت قليلاً عن الرياضة سنجد مفارقة تاريخية تخص محمد صلاح نفسه والذي صار أهم لاعبي العالم.
محمد صلاح - محمد عياد الطنطاوي
كانت المفارقة في الصدف القدرية التي جمعت اللاعب محمد صلاح، بالشيخ محمد عياد الطنطاوي أحد أهم وأبرز رموز الفكر الإسلامي والإنساني في التاريخ الحديث، والذي ساهم في نهوض روسيا.
قرية نجريج هي مسقط الرجلين "محمد صلاح و محمد عياد الطنطاوي"، وتقديراً من مصر للشيخ محمد عياد الطنطاوي تأسست مدرسة في قريته على اسمه تعلم فيها اللاعب محمد صلاح.
كتاب الشيخ محمد عياد الطنطاوي عن روسيا
يزخر ملف اللاعب محمد صلاح بالإنجازات الكروية عالمياً، أما على المستوى الوطني فلن يأتي الكلام عن دور مصر في مونديال روسيا إلا وسيتم ذكر اسم محمد صلاح، الأمر نفسه حدث على يد الشيخ محمد عياد الطنطاوي لكن بصورة مختلفة، حيث أن عياد الطنطاوي هو الذي عرف الشرق الأوسط على تفاصيل روسيا التاريخية والسياسية والجغرافية، كما ساهم في معرفة روسيا باللغة العربية واللهجات المصرية.
قبر الشيخ محمد عياد الطنطاوي في روسيا
وإذا كانت مصر بشكل عامٍ قد فرحت في شهر أكتوبر بسبب تأهلها، فإن قرية نجريج خصوصاً كانت سعيدة سنة 2017 م بسبب أن ابنها حقق لمصر السعادة، لكن نفس القرية في شهر أكتوبر من العام 1861 م، كانت حزينة حيث وصلها خبر وفاة الشيخ محمد عياد الطنطاوي، وكان الحزن أكثر أنه لن يُدْفَن في بلده، حيث رأت روسيا دفنه بمقابر بولكوفو الواقع بالقرب من سانت بطرسبرغ، ويدخل قبره في عداد الآثار التاريخية والثقافية في روسيا والتي تعتبر مصانة من قبل الدولة.
محمد عياد الطنطاوي .. مسيرة عالم
الشيخ محمد عياد الطنطاوي
كان الشيخ محمد عياد الطنطاوي من مواليد عام 1810 م، لأسرة تجارية تعمل في الأقمشة والصابون والبن فضلاً عن الخردوات والبقالة.
ويذكر كتاب حياة الشيخ محمد عياد الطنطاوي، لمؤلفه "اغناطيوس كراتشكوفسكى"، أن محمد عياد طنطاوي بدأ مسيرته في التعليم بالتردد على الكتاتيب في طنطا، ثم حفظ القرآن الكريم والتحق بعدها في الأزهر، وحفظ متونًا كثيرة كمتن المنهج في علم الفقه، وألفية بن مالك، ولما بلغ العاشرة بدأ في دراسة الشروح والتعاليق على المتون التي حفظها على يدي الشيخ "محمد الكومي" والشيخ "محمد أبو النجا"، ولما بلغ الثالثة عشرة رحل مع عمه إلى القاهرة، وما لبث أن تبعه أبوه.
ويذكر كتاب حياة الشيخ محمد عياد الطنطاوي، لمؤلفه "اغناطيوس كراتشكوفسكى"، أن محمد عياد طنطاوي بدأ مسيرته في التعليم بالتردد على الكتاتيب في طنطا، ثم حفظ القرآن الكريم والتحق بعدها في الأزهر، وحفظ متونًا كثيرة كمتن المنهج في علم الفقه، وألفية بن مالك، ولما بلغ العاشرة بدأ في دراسة الشروح والتعاليق على المتون التي حفظها على يدي الشيخ "محمد الكومي" والشيخ "محمد أبو النجا"، ولما بلغ الثالثة عشرة رحل مع عمه إلى القاهرة، وما لبث أن تبعه أبوه.
غلاف كتاب حياة الشيخ محمد عياد الطنطاوى
تلقى محمد عياد الطنطاوي العلم الشرعي على يد شيخ الأزهر إبراهيم الباجوري، حيث تلقى على يديه الشروح العديدة في العقائد والفقه والنحو والمنطق، والذي صار شيخًا للأزهر فيما بعد، كما تعلم على يدي الشيخ حسن العطار، وبعد مضي خمس سنوات في القاهرة توفي أبوه وكانت أسرته في أحوال مادية صعبة، فترك محمد عياد الطنطاوي الدراسة في الأزهر، ورجع إلى طنطا ليعمل في التجارة من أجل سد احتياجات أسرته، ثم تلقى بعض العلوم على يد الشيخ مصطفى القناوي شيخ المسجد البدوي الذي أعطاه إجازة تدريس الحديث من الكتب الستة، إضافة إلى موطأ مالك عام 1828م.
غلاف كتاب من تراث الشيخ محمد عياد الطنطاوي
عقب عودته للأزهر تم تعيينه مدرساً، لكن مرتب الوظيفة لم يكن يكفي احتياجات أسرته، فبحث عن عمل آخر ففضل أن يعمل محررًا ومصححًا في المطابع، لكن القانون كان يمنع الجمع بين عملين فقرر العمل على تدريس اللغة العربية وآدابها للأجانب، فعمل في المدرسة الإنجليزية في القاهرة مدة، ثم اتسع نطاق حلقة تلاميذه اتساعًا غيّر مجرى حياته في المستقبل.
صلة محمد عياد الطنطاوي بدولة روسيا
من كلام محمد عياد الطنطاوي عن روسيا
في مصر أواخر عصر محمد علي ، كان الطنطاوي معلما للمستشرقين وكان من بين تلاميذه أيضًا من المستشرقين الشباب روسيان، هما “موخين” و”فرين”، وكانا تِربين تخرجا في مدرسة واحدة، وخلف أحدهما الآخر في القاهرة، أما موخين فقد تخرج في قسم التاريخ والآداب الشرقية بجامعة بطرسبرج، وكان يعمل مترجمًا في القنصلية العامة الروسية في مصر، وهناك تلقى دروسًا على يد الطنطاوي في العربية، ودرس الشعر العربي، واقتنى مجموعة من المخطوطات، وأخرى من الآثار المصرية القديمة.
مخطوط من كتاب الشيخ محمد عياد الطنطاوي
وقد خلف فرين زميله موخين في القاهرة، وهو ابن جوزيف فرين مؤسس المتحف الآسيوي في بطرسبرج، ورث عن أبيه حب الاستشراق، ومن ثَم قام هو الآخر بتزويد المتحف بمخطوطات ونقود قديمة جمعها خلال رحلة عمله، وقد تتلمذ فرين هو الآخر على يد الطنطاوي.
مخطوط كتاب عياد الطنطاوي عن روسيا بخط يده
كان لهذين التلميذين أثرهما في قرار الطنطاوي بالرحيل إلى روسيا، يقول الطنطاوي عن ذلك: “إن طلبهما كان أول دافع لسفري إلى روسيا”، وكان معلم اللغة العربية بالقسم التعليمي التابع لوزارة الخارجية الروسية قد ترك عمله، فكلف وزير الخارجية الروسي قنصله العام في الإسكندرية بالبحث عن معلم مناسب من علماء العرب، وقد وقع اختيار القنصل عليه، وقد حث محمد علي باشا والي مصر الطنطاوي على تعلم اللغة الروسية وإتقانها.
من أدعية الشيخ عياد الطنطاوي لروسيا
غادر الطنطاوي القاهرة عام 1840، وكان السفر عن طريق النيل إلى الإسكندرية، ومن هناك ركب الباخرة، وقد وصل إلى أوديسا على ساحل البحر الأسود يرافقه تلميذه السابق موخين، ومن هناك غادر إلى كييف، ثم واصل رحلته بعد ذلك ليصل إلى بطرسبرج في 29 يونيو من ذلك العام.
كان رحيله إلى روسيا حدثًا كبيرًا ليس في حياته فحسب، بل وفي الاستشراف الروسي أيضًا، حتى إن الصحافة الروسية أعارته انتباهًا كبيرًا، وقد سبقه خبر وصوله إلى بطرسبرج.
بدأ الطنطاوي عمله بإلقاء محاضراته في كلية اللغات الشرقية في أوائل أغسطس من ذلك العام، وظل يعمل في التدريس خمسة عشر عامًا لم يغادر فيها روسيا منذ قدومه إليها إلا مرة واحدة عام 1844، زار خلالها القاهرة وطنطا واهتم بجمع المخطوطات الشرقية، وقد امتدت مدة إقامته سليمًا معافى في روسيا عشر سنوات فقط، تخللتها حرب القرم التي قطعت صلته بمصر، وبعدها دخل في رحلة مرض، ظل يعاني منه وهو في عمله خمس سنوات، أقعده بعدها عن الحركة.
وقد خلف الشيخ الطنطاوي في قسم اللغات الشرقية سلفه ديمانج الذي ولد عام 1789، وهو تلميذ سلفستر دي ساسي المستشرق الشهير، وكان أول أستاذ للغة العربية في دار المعلمين من عام 1816، ثم في الجامعة من عام 1819، أما الشيخ الطنطاوي فقد ظل يعمل بالتدريس بالقسم التعليمي خلفاً له، ثم عمل أستاذًا بالجامعة عام 1847 بعد تقاعد سيمكوفسكي.
كان رحيله إلى روسيا حدثًا كبيرًا ليس في حياته فحسب، بل وفي الاستشراف الروسي أيضًا، حتى إن الصحافة الروسية أعارته انتباهًا كبيرًا، وقد سبقه خبر وصوله إلى بطرسبرج.
بدأ الطنطاوي عمله بإلقاء محاضراته في كلية اللغات الشرقية في أوائل أغسطس من ذلك العام، وظل يعمل في التدريس خمسة عشر عامًا لم يغادر فيها روسيا منذ قدومه إليها إلا مرة واحدة عام 1844، زار خلالها القاهرة وطنطا واهتم بجمع المخطوطات الشرقية، وقد امتدت مدة إقامته سليمًا معافى في روسيا عشر سنوات فقط، تخللتها حرب القرم التي قطعت صلته بمصر، وبعدها دخل في رحلة مرض، ظل يعاني منه وهو في عمله خمس سنوات، أقعده بعدها عن الحركة.
وقد خلف الشيخ الطنطاوي في قسم اللغات الشرقية سلفه ديمانج الذي ولد عام 1789، وهو تلميذ سلفستر دي ساسي المستشرق الشهير، وكان أول أستاذ للغة العربية في دار المعلمين من عام 1816، ثم في الجامعة من عام 1819، أما الشيخ الطنطاوي فقد ظل يعمل بالتدريس بالقسم التعليمي خلفاً له، ثم عمل أستاذًا بالجامعة عام 1847 بعد تقاعد سيمكوفسكي.
من رسائل عياد الطنطاوي لأصدقاءه في روسيا
جمع الطنطاوي في تدريسه بين الطرق العملية والنظرية، فمن جهة كان يدرّس قواعد اللغة، ويشرح أمثال لقمان، ويقرأ قطعًا من مؤلفات تاريخية، ومن مقامات الحريري، كما كان يدرّس الترجمة من الروسية إلى العربية، والخطوط الشرقية، وقراءة المخطوطات، والمحادثة باللغة العربية، وزاد على ذلك عام 1855 تدريس تاريخ العرب.
وقد نال الشيخ الطنطاوي عددًا من الألقاب والأوسمة، منها: الشكر القيصري عام 1850 لجهوده في التدريس لطلاب جامعة بطرسبرج، وميدالية من ملك ڤورتمبرگ على قصيدة له باللغة العربية، وخاتم مرصّع بالجواهر من ولي العهد القيصري شكرًا على جهوده في تزيين الغرفة التركية في قصر تسارسكي سيلو.
دام عمله في بطرسبرج خمسة عشر عامًا أي حتى عام 1855، وأرهقت فيها صحته بعد افتتاح كلية اللغات الشرقية، وظلت الجامعة ترفض تعيين أحد بديلاً له رغم مرضه، إلى أن استعفي من الخدمة في 31 يناير عام 1861، ثم ما لبث أن تُوفّي في 29 أكتوبر من نفس العام.
وقد نال الشيخ الطنطاوي عددًا من الألقاب والأوسمة، منها: الشكر القيصري عام 1850 لجهوده في التدريس لطلاب جامعة بطرسبرج، وميدالية من ملك ڤورتمبرگ على قصيدة له باللغة العربية، وخاتم مرصّع بالجواهر من ولي العهد القيصري شكرًا على جهوده في تزيين الغرفة التركية في قصر تسارسكي سيلو.
دام عمله في بطرسبرج خمسة عشر عامًا أي حتى عام 1855، وأرهقت فيها صحته بعد افتتاح كلية اللغات الشرقية، وظلت الجامعة ترفض تعيين أحد بديلاً له رغم مرضه، إلى أن استعفي من الخدمة في 31 يناير عام 1861، ثم ما لبث أن تُوفّي في 29 أكتوبر من نفس العام.