"إيقاع رقم صفر" تجربة لتجريد الإنسان من رداء الأخلاق
الثلاثاء 15/مايو/2018 - 11:56 م
مريم مرتضى
طباعة
ماذا لو كان بإمكانك أن تفعل كل ما يحلو لك دون رادع أو حساب؟، هل ستتحكم بك شهوتك للعنف ضد الأخرين؟، أو ستأخذك الرحمة؟، أقيمت الكثير من التجارب الاجتماعية والنفسية الخاصة بالنفس البشرية حول العالم، وقد كشفت تلك التجارب عن مفاجأة صادمة حول إمكانية تحول الأسوياء منا لإرهابيين يشيعون الذعر بين الناس ويستبيحون القتل والذبح والتعذيب دون تراجع أو تردد، وأظهرت التجارب أن الجميع مرضى نفسيين باختلاف النسب، وأن الكثير مننا يتبع الرحمة فقط لأنه لم تأتي أمامه فرصة للقسوة.
تجربة "إيقاع رقم صفر"
لعل أهم تلك التجارب تجربة "الإيقاع رقم صفر" التي ولدت من رحم الفن حين قررت فنانة العروض الصربية "مارينا أبراموفيتش" عام 1974، استخدام فنها لتقوم بجولة داخل الذات البشرية، والبحث في دواخل البشر، وإثبات نظرية أن الجميع شرفاء حتى تأتي الراقصة، رغم أنها تعرضت لموجة انتقادات شديدة موجهة تحديدًا لفن الأداء الذي اعتمد على التفاعل بين الفنان والجمهور، حيث وصفه المُنتفدين بمحاولة لجذب الاهتمام، ولكنها لم تستمع لهم وقررت إقامة عرضها «إيقاع صفر»، بطريقة مختلفة تحث المشاهدين على التفاعل، وتغوص في نفوسهم المشوهة، وتختبر حدود خيالهم.
تفاصيل التجربة
حددت مارينا أبراموفيتش البالغة من العمر آنذاك ثماني وعشرون عامًا، زمن عرضها الذي أقيم بأحد المعارض لـ6 ساعات متتالية، وقاما بتحجيم دورها داخل نطاق السلبية، حيث قررت ألا تُقدم على أي حركة، أو فعل طوال العرض، وفي نفس الوقت تترك مساحة الإبداع لجمهورها الذي تركت له طاولة عريضة بالقرب منها، يوجد عليها ما يقارب من اثنين وسبعين أداة، داعية الجمهور لاستخدامهم على النحو الذي يفضلونه، وتنوعت الأدوات ما بين الخبز، الريش، السلاسل الحديدية، العسل، شراب العنب، المقصات، الورد، السكاكين، المياة، بإلاضافة إلى مُسدس بداخله طلقة وحيدة.
بدء التجربة
مع الساعات الأولى لتجربتها تمتع الجمهور بهدوء نسبي يشوبه الحذر حاولوا فيه الاقتراب من مارينا أو تقبيلها، وساد التوتر الأجواء، غير أن بقاء مارينا إبراموفيتش في تلك الحالة السلبية، قد بدأ في إغراء عقول الجماهير من حاضري المعرض حيث بدأوا في تحريكها من مكانها كالدمية، ووضعوها على الطاولة بسكين بين قدميها، ثم تقيديها بالسلاسل، وصولًا إلى تمزيق ملابسها، وتمزيق جسدها بأشواك الورود وجرحها بالسكاكين ثم تذوقوا دمائها السائلة، ضمن سلسله كبيرة من مختلف ألوان العنف الصادم التي استخدمها الجمهور الذي حضر المعرض.
أقصى درجات العنف
ولم تتوقف التجربة عند ذلك الحد، بل كادت "أبراموفيتش" أن تفقد حياتها وهي في لحظة استسلام تام للجماهير، حيث أقدم أحدهم على حشو المسدس بالرصاصة الوحيدة وقام بتوجيهه إلى رأسها، ولكن تدخل بعض الحضور ومنعوه، واستمر اللعب بمارينا كالدمية طوال الساعات الستة، حتى أعلن مسئول المعرض عن نهاية العرض، لتبدأ الفنانة الجريحة في القيام بالحركات الإرادية الأولى لها منذ ساعات، ومع انتهاء العرض فر الجميع هاربين من أمامها بمجرد خروجها من حالة الاستسلام، ولم تحدث أي مواجهة حقيقية بينها وبين الجماهير الذين عذبوها أبدًا.
وظهرت بعد تلك التجربة في عدة مؤتمرات صحفية وأوضحت من خلالها، كم كانت قاسية، ووصفتها بالأصعب طوال مشوارها الفني، موضحةً أن صعوبتها ليست فقط في الأذى المادي الذي تعرضت له، ولكنها الأصعب لأنها قامت بتعرية الإنسان أمام نفسه، وجردته من رداء الشرف والأخلاق المزعوم الذي يرتديه أمام الناس.