"زرياب" الطائر الأسود.. طور الموسيقى والغناء وعلم الناس الأناقة والإتيكيت
الثلاثاء 29/مايو/2018 - 03:10 م
مريم مرتضى
طباعة
قصة فنان تستحق التفتيش في تفاصيلها، ذلك الفتى الذي كان مُلهمًا لأبناء عصره حينما أخذ عوده ورحل عن بغداد خوفًا من التهديد بالقتل، وتنقل بعدها في البلاد إلى أن طابت له بلاد الأندلس، التي كانت آنذاك منارة للحضارة والثقافة والعلم، إنه الفنان "زرياب" ذلك الفنان الذي لم يأت التاريخ العربي على سيرة فنان مثلما أتى على سيرته، الموسيقي الذي طور من الفنون وكتب "النوتات" وأزاد في العود وترًا خامسًا، وافتتح معهدًا لتعليم الغناء، وتجاوز عصره الذهبي ليصل إلى حد تأثيره على أنماط الناس الإجتماعية والصحية، وتأثرهم به على مستوى الأكل والملبس، فقد كان زرياب أستاذًا أيضًا في الإتيكيت والأناقة، وأصبح في حياته ذو جاه ومال ومكانة جاوزت الفقهاء والقضاة.
غيرة وتهديد بالقتل
وُلد "أبو الحسن علي بن نافع" الملقب بـ "زرياب" الذي يعني طائر الأسود بديع الصوت، في عام 789م، ببغداد، وقد كان تلميذًا عند الموسيقي الكبير "أبو إسحاق الموصلي"، وقد قال الدكتور "الطاهر مكي" في كتابه "الحضارة العربية في إسبانيا" أنه: "في حضرة الخليفة الرشيد فاق الموسيقي الفتى كل ما يمكن أن يتوقع منه، حتى إن أستاذه غار منه وحسده، وتحركت في أعماقه نوازع الشر، فطلب إليه أن يرحل بعيدًا عن بلاط الخلافة، وأن يمضي إلى الغرب يلتمس حظه هناك، وخشي الطالب على حياته من أستاذه إن واصل الإقامة في بغداد فعزم على الرحيل".
رحلة العمر إلى قرطبة
في رحلة الهروب من بغداد مر زرياب بعدد من البلدان العربية، واستطاع في تلك الرحلة أن يُكرس حضوره الفني حتى اختار أن يكتب إلى "الحكم بن هشام" أمير قُرطبة عاصمة الأندلس، برغبته في الوصول إليه فأوفد إليه رسولاً مُرحبًا بمقدمه وفي طريقه بلغه أن الحكم قد مات فشعر بالإحباط، وهم بالرجوع إلا أن مندوب الحكم أشار عليه بإكمال الرحلة وأن يقصد إبنه الأمير "عبدالرحمن الأوسط" ففعل، وكانت المفاجأة أن الأمير المولع بالفن والثقافة خرج بنفسه، وحاشيته لاستقبال زرياب وعائلته، ويقول مكي: "ركب الأمير بنفسه وخرج من المدينة لإستقباله وغمره بالهدايا وأمر له في الشهر بـ 200 دينار راتب شهري، وأن يُصرف لأبنائه الأربعة الذين قدموا معه 20 دينار لكل واحد منهم، وأهداه من بيت وبستان بقيمة ما يقرب من 40 ألف دينار"، وكان وصوله إلى قرطبة في عام 822م.
وُلد "أبو الحسن علي بن نافع" الملقب بـ "زرياب" الذي يعني طائر الأسود بديع الصوت، في عام 789م، ببغداد، وقد كان تلميذًا عند الموسيقي الكبير "أبو إسحاق الموصلي"، وقد قال الدكتور "الطاهر مكي" في كتابه "الحضارة العربية في إسبانيا" أنه: "في حضرة الخليفة الرشيد فاق الموسيقي الفتى كل ما يمكن أن يتوقع منه، حتى إن أستاذه غار منه وحسده، وتحركت في أعماقه نوازع الشر، فطلب إليه أن يرحل بعيدًا عن بلاط الخلافة، وأن يمضي إلى الغرب يلتمس حظه هناك، وخشي الطالب على حياته من أستاذه إن واصل الإقامة في بغداد فعزم على الرحيل".
رحلة العمر إلى قرطبة
في رحلة الهروب من بغداد مر زرياب بعدد من البلدان العربية، واستطاع في تلك الرحلة أن يُكرس حضوره الفني حتى اختار أن يكتب إلى "الحكم بن هشام" أمير قُرطبة عاصمة الأندلس، برغبته في الوصول إليه فأوفد إليه رسولاً مُرحبًا بمقدمه وفي طريقه بلغه أن الحكم قد مات فشعر بالإحباط، وهم بالرجوع إلا أن مندوب الحكم أشار عليه بإكمال الرحلة وأن يقصد إبنه الأمير "عبدالرحمن الأوسط" ففعل، وكانت المفاجأة أن الأمير المولع بالفن والثقافة خرج بنفسه، وحاشيته لاستقبال زرياب وعائلته، ويقول مكي: "ركب الأمير بنفسه وخرج من المدينة لإستقباله وغمره بالهدايا وأمر له في الشهر بـ 200 دينار راتب شهري، وأن يُصرف لأبنائه الأربعة الذين قدموا معه 20 دينار لكل واحد منهم، وأهداه من بيت وبستان بقيمة ما يقرب من 40 ألف دينار"، وكان وصوله إلى قرطبة في عام 822م.
نشاطه الفني
مزج زرياب بين الفن العباسي والأندلسي، وأنشأ معهدًا للموسيقى يُصنف بأنه أول معهد للفن بالعالم، واستقطب هواة الغناء من المشرق والمغرب، وأضاف للعود وترًا خامسًا، واستخدم ريشة نسر للعزف بها على العود عوضًا عن الأخشاب، وجدد اللون الموسيقي للغناء في الأندلس خاصة أنه يرتكز على ثقافة موسيقية استمدها من بغداد وبداياته مع أستاذه الموصلي، وأجرى اختبارات للفنانين وتعليم أكاديمي وفق مناهج وأصول معرفية، وأوفد إلى الأندلس عدد من النساء لتعلم الموسيقى، وقد كان منارة ثقافية إلى أن توفي في عام 857 م.
مزج زرياب بين الفن العباسي والأندلسي، وأنشأ معهدًا للموسيقى يُصنف بأنه أول معهد للفن بالعالم، واستقطب هواة الغناء من المشرق والمغرب، وأضاف للعود وترًا خامسًا، واستخدم ريشة نسر للعزف بها على العود عوضًا عن الأخشاب، وجدد اللون الموسيقي للغناء في الأندلس خاصة أنه يرتكز على ثقافة موسيقية استمدها من بغداد وبداياته مع أستاذه الموصلي، وأجرى اختبارات للفنانين وتعليم أكاديمي وفق مناهج وأصول معرفية، وأوفد إلى الأندلس عدد من النساء لتعلم الموسيقى، وقد كان منارة ثقافية إلى أن توفي في عام 857 م.
فنان الأناقة والإتيكيت
الحالة النفسية والمعنوية التي عاشها زرياب في الأندلس انعكست على الدولة بأكملها بشكل إيجابي، وتذكر المراجع أن زرياب لم يكن فنه مقصورًا على الموسيقى بل كان فنانًا أعم وأشمل وتأثيره امتد ليشمل أنماط الحياة الاجتماعية للناس، فإهتم بالأناقة والإتيكيت وأشاعها بين الناس، وعلّمهم الشُرب في الأواني الزجاجية بدلاً من الأدوات المصنوعة من الذهب والفضة، ونقل إليهم طرق تسريح الشعر للرجال والنساء وتنظيف الأسنان بمادة أشبه بالمعجون، وقرر لهم لبس ثياب مصنوعة من مواد مختلفة وذلك لارتدائها في فصول مختلفة من السنة، وكذلك اهتم بسفرة الطعام وغيّر طريقة تقديمهم للمأكولات حتى يقال إنه نصحهم بالبدء بتناول الحساء "الشوربة" أولاً ثم الدخول إلى الأطباق الأكثر تعقيدًا مثل اللحوم، والختام بالفطائر المحلاة بالعسل والمحشوة باللوز، وأقبل الناس عليه مفتونين به.
الحالة النفسية والمعنوية التي عاشها زرياب في الأندلس انعكست على الدولة بأكملها بشكل إيجابي، وتذكر المراجع أن زرياب لم يكن فنه مقصورًا على الموسيقى بل كان فنانًا أعم وأشمل وتأثيره امتد ليشمل أنماط الحياة الاجتماعية للناس، فإهتم بالأناقة والإتيكيت وأشاعها بين الناس، وعلّمهم الشُرب في الأواني الزجاجية بدلاً من الأدوات المصنوعة من الذهب والفضة، ونقل إليهم طرق تسريح الشعر للرجال والنساء وتنظيف الأسنان بمادة أشبه بالمعجون، وقرر لهم لبس ثياب مصنوعة من مواد مختلفة وذلك لارتدائها في فصول مختلفة من السنة، وكذلك اهتم بسفرة الطعام وغيّر طريقة تقديمهم للمأكولات حتى يقال إنه نصحهم بالبدء بتناول الحساء "الشوربة" أولاً ثم الدخول إلى الأطباق الأكثر تعقيدًا مثل اللحوم، والختام بالفطائر المحلاة بالعسل والمحشوة باللوز، وأقبل الناس عليه مفتونين به.