المسنون المقيمون في الشوارع.. بين غياب الدولة وتنكر المجتمع
الإثنين 22/أكتوبر/2018 - 04:40 م
شيماء اليوسف - تصوير : كريم سيد
طباعة
يعتبر المسنون المقيمون في الشوارع هو المشهد الأشهر عند ذهابك لعملك أو جامعتك أو بيتك، في البدء كانوا ظاهرة حتى ازدادوا يوما تلو الآخر، كأنهم أكواخ من العبث البشري عديمة الإنسانية، تختلف وجوههم وأعمارهم وحالتهم حتى أسباب تشردهم تختلف فمنهم من يتسول والبعض الأخر متشرد وغيرهم بلا سكن وبلا أسرة، كما أنك تجد في بينهم أشخاص كانت تعيش في مركز إيواء أو أديرة للمسنين لكنهم رفضوها وهرعوا هربا إلى الشارع.
يعتمد المسنون المقيمون في الشوارع على التسول كمصدر للرزق حيث يجلبون من خلاله لقمة العيش، يستخدمون الكباري للنوم والشوارع العامة والخرابات هروبا من برد الشتاء وليلها الجارح القاسي، قصص كثيرة تروى بخصوص المسنين الذين أهانوا شيخوختهم وأرواحهم تتعلق بين جفني الموت، لقد تكدست المحاكم بقضايا عقوق الوالدين والاعتداء على المسنين، السؤال الذي يفرض نفسه، ألا يخجل المرء من نفسه عندما يشكوه أبويه في المحكمة؟
المسنين المقيمين في الشوارع
يعتبر بعض المسنين المقيمين في الشوارع أن أديرة المسنين ومراكز الإيواء سجن لعين رماهم أبنائهم في ظلماته، يشعرون لا محالة بالقهر والظلم وقلة الإحسان يغمرهم الوجع من طرف فلذات كبدهم، وكثيرا من نسمع عن أرامة توفت وحيدة بدون وجود احد جوارها فاشتم جيرانها رائحتها وقاموا بإخراجها ودفنها، في موقف مخزي، وهناك العديد من المسنات اللواتي يعشن بمفردهن وحيدات ويمتن أيضا وحيدات.
المسنين المقيمين في الشوارع وتنكر المجتمع
المسنين المقيمين في الشوارع
كانت تلك السيدة التي أخذت من الشارع مسكنا ومأوى مثلت واحدة من المسنين الذين يقيمون في الشوارع، حيث كان لديها ابن واحد بعد وفاة زوجها رفضت أن تتزوج بغير وعاشت تربي أبنها فقط، وتتولى رعايته وتدليله حتى أدخلته الجامعة وهي أيضا لازال عمرها يتقدم سنوات تلو الأخرى، وحالتها الصحية تتدهور من حين إلى الأخر حتى كادت أن تتدهور تماما.
تخرج ابن السيدة المسنة من الجامعة وخطط للهجرة تاركا والدته التي قضت بزهرة عمرها من أجله وسافر إلى الخارج وتركها وحيدة لا أحد يعولها ولا يهتم بأمرها رغم المحاولات العديدة التي مارستها من أجل بقائه بجانبها ولكنها فشلت في إقناعه، ثم غادر.. تدهورت حالتها الصحية أكثر من الأول، وكانت لها جارة تقوم بخدمتها من الحين للحين الأخر حتى تعرضت لظروف خاصة أجبرتها على السفر وترك جارتها المسنة تتعلق في أحبال الموت.
طلبت المرأة المسنة من جارتها ألا تتركها وحيدة في البيت بل تتصل بأخيها فتتركها معه قبل سفرها، ثم قامت الجارة بالاتصال باخ المرأة المسنة العجوز وأخبرته بحالتها الصحية السيئة حتى يعطف ويشفق عليها ويأخذها في منزله حتى وفاتها المنية، لكن زوجة الأخ رفضت الاعتناء بها، وبعد أن أخذتها الجارة في سيارتها لمنزله طرودا من أمام المنزل فعادت بها مرة أخرى، ومن قهر المرأة على حالها ماتت.
أصبح المسنين الذين يقيمون في الشوارع محظوظين بعد أن فقدوا قيمتهم ومكانتهم في عائلتهم، ثم وجدوا فش الشارع ضالتهم، حيث احتضنتهم الأرصفة، بقسوة شتائها وسخونة صيفها، وإن كانت الظاهرة منتشرة في مجمل بقاع العالم فهذا لا يعنينا فالمشهد الحضاري الذي يتواجد في الشارع يلوث بالكاد سمعة التاريخ، ولابد من وضع حلول لهذه المشكلة.
يعاني المسنين المقيمين في الشوارع من العديد من الأمراض المزمنة التي قد تعرضهم للموت في أي لحظة، إلى جانب الهرم السكاني الذي تتغير تركيبته بارتفاع عدد المسنين والمتقاعدين، وتبرز من هذه الظواهر إشكالية التغطية الاجتماعية، لاسيما نظام التقاعد والتغطية على الأمراض.
ويقترح العديد من الباحثين المهتمين بدراسة حالات المسنين المقيمين في الشوارع، قيام المستثمرين ورجال الأعمال بإنشاء مراكز إيواء على خلفية أرباح مشاريع تدر عوائد مادية من خلال التبرعات والإسهامات وتوفر دور إقامة للمسنين سواء بشكل مؤقت أو بشكل دائم.