تمر الأعوام وتتغير السنين، ووننسى من ننسى ونتذكر من نتذكر، في تلك الحياة المستمرة، لكن أبطال صنعوا النصر، وحققوا المستحيل، ظلوا حافرين أسمائهم بأحرف من نور على رمال أبت أن تنصاع لغير أصحابها، لا يكتب لهم النسيان، ولا يعرف التاريخ طي صفحته عنهم، ولم يسطع الموت أن يعيقهم عن التقدم في الحياة، لأن الله وعدهم بالبقاء أحياءً تأتيهم أرزاقهم بجواره، منعماً عليهم بالمن والكرم ومجالسة أنبيائه وأصفيائه من خلقه، نظراً لما قدموه من تضحية بالنفس في سبيله وفي سبيل أوطانهم.
هذا هو حال شهدائنا في أكتوبر، الذين لا يوجد بلدة في رباع مصر المحروسة، إلا وتضاء بهم الليالي المظلمة، نظراً لما أنعموا به على أبناء هذا الشعب من نعم ستظل باقية أبد الدهر، بأن حرروا الأرض وحفظوا العرض، وأقاموا العزة وأرجعوا الكرامة في ست ساعات من مغتصب صهيوني غادر، ظن العالم أن هذا المغتصب وحصونة مستحيلة أبيت على العالم، غير مدركين بأن أبناء مصر حذفوا المستحيل من قاموسهم منذ فجر التاريخ.
والأقصر حالها كحال جميع محافظات مصر، قدمت خيرة شبابها فداءً لعودة أرض سيناء الغالية، فيروز مصر وأرض الله المختارة ليكلم فيها كليمه موسى عليه السلام.
ومن هذا المنطلق قام حق المواطن بزيارة الأستاذ عبد الغفور عبدالله الباحث الأثرى بمركز الطود بالأقصر، وباح بالكثير والكثير لنا عن شهداء النصر من كل ربوع وقرى الأقصر، وسرد لنا عن أبطال وأبطال وقصص وروايات لم نسمع بها من قبل عن أولئك الشهداء، مطالباً أهمية أن تدشن المحافظة في كل مركز لها نصباً تذكارياً بأسماء هؤلاء الشهداء، حتى يتعلم أبنائنا قيمة التضحية والشهداة في سبيل الأوطان.
وذكر عبد الغفور ، أن الأقصر قدمت 160 شهيداً و52 مصاباً في حرب أكتوبر من العام 1973، بحيث كان لمركز إسنا النصيب الأكبر من الشهداء بـ50 شهيداً و 17 مصاباً، تلاه مركز أرمنت بـ 36 شهيداً و 9 مصابين، وقدمت الطود 25 شهيداً و 9 مصابين، في حين قدم مركز الأقصر 19 شهيداً و6 مصابين، ومركز القرنة قدم 14 شهيداً و 5 مصابين، ومركز البياضية 11 شهيداً و6 مصابين، بخلاف 5 شهداء من مركز الزينية.
وتأتي أسماء الشهداء على سبيل الذكر لا الحصر، في مقدمتها أسد سيناء _ كما لقبته وكالات الأنباء الألمانية،لشهيد سيد زكريا، الذي أفصح عنها جندي إسرائيلي للسفير المصري بألمانيا، بعد تسليمه له متعلقات شهيدنا الباسل، الذي يصفه الجندي الإسرائيلي بأنه المقاتل الفذ مؤكداً على قتاله حتى الموت، وقتله 22 جندياً إسرائيليا بمفرده، موضحاً أنه ظل محتفظاً بمتعلقات هذا الشهيد حتى العام 1996 تقديراً لبطولته الفذة، معترفاً أنه أقدم على دفنه بنفسه بعد قتله، مطلقاً 21 رصاصة في الهواء تحية لروحه.
ويحكي عبد الغفور ، قصة أحد المفقودين في حرب أكتوبر، وبالتحديد في السويس، وهو الشهيد بدوي حسن علي المقش، من مواليد نجع أبو بكر بالطود، الذي كان معاقاً في النطق، ولكن الله عوضه عن هذا بمهارات خاصة في ميكانيكا السيارات، ليلتحق بالقوات المسلحة المصرية في العام 1972، ليظل عاماً يفترض أن يتم إستبعاده من الجيش نظراً لعدم اهليته بفقده وسيلة التواصل لأنه أصم، حتى تم استبعاده بعد عام، ولكن الله عز وجل كان كاتباً له الشهادة رغم كل هذا، فذهب للعمل مع أخوته في السويس، لتصيبهم غارة إسرائيلية أثناء عملهم بفك ماكينة خلط للأسفلت عند منطقة عُبيد عند الكيلو 96 على طريق السويس، لينجو الجميع، ويفقد هو حتى يتم تبيلغ أهله بأنه فقيد حرب أكتوبر.
ويتابع أن في تاريخ أمتنا المصرية والأقصرية بشكل خاص، ومنهم على سبيل الذكر لا الحصر، الشهيد أحمد مرتضى الطيري، والذي استشهد في السابع من اكتوبر لعام 1973 على البر الغربي لقناة السويس، والشهيد خيري محمد سيد خليل الدبابي، والرائد رأفت محمد علي عبد الحكيم، والشهيد كامل النوبي حسين طه مراد، والأخوان عبد الباري أحمد جاد عمران، وصلاح أحمد جاد عمران، وفي أرمنت تأتي أسماء شهداء مثل سعد عزيز محارب، ميخائيل عباس بولس، مجلي محمد عبد المنعم، وشفيق يونس مليكه، وأحمد سيد أحمد سيد، وإيليا حكيم ميخائيل، وفاروق فهمي سدراك، وبدري عبد العزيز، وعبد الرحمن محمد أبو الحجاج، وموريس رزق الله إبراهيم، وسيد احمد حسن، وأبو المجد محمود محمد حسن، ومحمد أحمد محمد قناوي، وعثمان مكي محمد، ومحمد أحمد حسين أحمد، وعبد الصبور محمد جلالين، وأحمد محمد الأمير، ومحمد دسوقي بغدادي.
وفي الرزيقات يظهر اسم عبد الرازق عبد الله الفرشوطي جلياً -ابن عم عضو مجلس النواب عن دائرة ارمنت أحمد حسن الفرشوطى والذي استشهد في السادس من أكتوبر وأطلقت الدولة اسم المدرسة الإبتدائية بالرزيقات على اسم تكريماً لدوره في الحرب، وكذلك أمين جاد عوض.
ويستمر أبناء الوطن فى تقديم كل غالى ونفيس حتى أرواحهم التى أغلى ما يتملكون فداء له، واقفين في وجهه ومعه الزمن من الإندثار والطي، حافرين أسمائهم على عنوان التاريخ بأنهم من صنعوا هذا التاريخ ونبقى نحن فقط كاتبيه.