كانت ولا تزال القضية رقم 173 لسنة 2011، والمعروفة إعلامياً بالتمويل الأجنبي، الشغل الشاغل لسائر جمعيات ومنظمات المجتمع المدني، لما تضمنته من أرقام ضخمة لم يتخيلها أبرز المتشائمين.

على الرغم من ملايين الدولارات التي حصل عليها حقوقيين كُثر داخل مصر، إلا أنها لم تقترن يوماً بالشفافية أو بمشاريع مُعلنة ومنفذة على أرض الواقع، ولم يصدر بها بيانات أو تقارير من جانب المنظمات الحاصلة على التمويلات.

كما أن الجهات المانحة للتمويلات ظلت سرية وغير معروفة للجميع طيلة 35 سنة ماضية هي سنوات عمل المنظمات الحقوقية داخل مصر، حتى كشف الحجاب عنها القضاء المصري في القضية المنظورة أمامه، وأطلقها للرأي العام للتعرف عليها.

والملاحظ أن القسم المشترك في معظم التمويلات الأجنبية التي ضمتها القضية، هو الصندوق الوطني للديمقراطية "NED" التابع للكونجرس الأمريكي والمعروف بأنه يقع تحت سيطرة المخابرات الأمريكية.

كان مركز الأندلس لدراسات التسامح الذي يديره أحمد سميح أول الواقعين تحت طائلة القانون، وتبين من حساب أحمد سميح الشخصي أن المركز يتعامل مع البنك التجاري الدولي والبنك العربي الإفريقي وبنك HsBC، وقام بتأسيس المركز وآخرين وأن الأول له حق التعامل على الحساب وتلقى خلال فترة الفحص من أول يوليو 2007 حتى 31 أغسطس 2011 عن طريق البنك التجاري الدولي مبلغ خمسون ألف ومائتين وسبعة وعشرون يورو ومبلغ سبعمائة وسبعة وسبعون ألف وأربعمائة وواحد وثمانون يورو عن طريق البنك العربي الإفريقي ومبلغ 143 ألف يورو عن طريق بنك hsbc، كما أنه تلقى على حسابه الشخصي عدد 2 تحويل على البنك العربي الإفريقي بمبلغي 435 دولار، 12656 جنيه إسترليني وأن المدعو سميح قام بفتح حساب بالبنك جهة عمله باسم مركز الأندلس ودراسات مكافحة العنف بتاريخ 21 أغسطس 2006 باعتبارها شركة مدنية لا تهدف للربح وقد ورد لهذا الحساب منذ فتحه حتى تاريخ التحقيق عدد 9 تحويلات خارجية بلغت 83203 دولار، 117866 يورو، 6317 إسترليني بإجمالى 1246824 جنيه مصري.

وتبين قيام المدعو سميح بفتح حساب بالبنك جهة عمله باسم مركز الأندلس بتاريخ 11 أكتوبر 2005 وأن المركز تلقى تحويلات خارجية قدرها 700 تحويلا بلغت قيمتها 1273293 دولار أمريكي، كما تلقى عدد 25 تحويلا بلغت جملتها 487828 يورو، وعدد خمسة تحويلات بالجنيه الإسترليني بلغت 11930 جنيه إسترليني.

وتلاه الدكتور، سعد الدين إبراهيم، الأستاذ بالجامعة الأمريكية، الذي لا تخلو أي قضية أجنبي من إسمه، فكانت أولى القضايا التى اتهم فيها سعد الدين إبراهيم، مؤسس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، والتى كشفت عنها نيابة أمن الدولة عام 2000، تتضمن اتهامه بتلقى 350 ألف دولار أمريكى بدون إذن مسبق من الجهات الحكومية، بالإضافة إلى أن المحكمة وجهت له تهم الحصول على منح أجنبية من الاتحاد الأوروبي بطريق التحايل.

وتم اتهام إبراهيم بترويج ونشر أخبار كاذبة فى الخارج ضمن برنامج للاتحاد الأوروبي، وأعربت الولايات المتحدة الأمريكية، وقتها، عن قلقها بسبب اعتقال إبراهيم، بسبب قضايا التمويل الأجنبي، بل وهددت بوقف المساعدات الأمريكية لمصر، واعتبرت القبض عليه تعديًا على مواطن أمريكي نظراً لأنه يحمل الجنسية الأمريكية.

وعاد اسم سعد الدين إبراهيم مجددًا إلى ملف قضايا التمويل الأجنبي فى القضية المنظورة أمام القضاء حاليًا بتهمة تلقى 75 ألف دولار.

ومن أشهر الذين تضمنتهم القضية حافظ أبو سعدة عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، ورئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أعرق المنظمات المصرية وأقدمها، والذي يعمل هو وزوجته نهاد أبو القمصان فى مجال المجتمع المدني، حيث كشفت وثائق تم تسريبها عن طريق "موقع ويكيليكس" تلقى أبو سعدة تمويلات بشكل غير مباشر من برنامج مبادرة الشراكة الشرق أوسطية، الذي أطلقه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بعد أحداث 11 سبتمبر ويخضع للخارجية الأمريكية.

وبرنامج مبادرة الشراكة الشرق أوسطية، هو أحد الأذرع التمويلية لوزارة الخارجية الأمريكية، وتأسست فى 12 ديسمبر 2002 "للتواصل المباشر مع الناس والاستثمار فى شعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، وتقول المبادرة على موقعها إنها قدمت أكثر من 530 مليون دولار فى المنطقة العربية فى أكثر من 17 دولة.

لم تقتصر التمويلات الأجنبية لحافظ أبو سعدة على الجهات الأمريكية المانحة فقط، وبحسب ويكيليكس فإن حافظ أبو سعدة تواصل مع السفارة الهولندية فى مصر وأجرى مناقشات بهدف الحصول على تمويلات لمراقبة الانتخابات البرلمانية.

وتضمنت القضية أيضاً الناشط الحقوقي جمال عيد، مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان، والذي قالت التحقيقات أنه حصل على تمويل أجنبي قدره مليون و200 ألف دولار، من صندوق الـ"NED" ، في الخفاء ودون الإعلان عن مشروع محدد لهذا التمويل.