باشرت إندونيسيا إنشاء عاصمتها الجديدة حيث تمضي في طريقها لاستكمال المرحلة الأولى من تطوير المدينة بحلول عام 2024 بتمويل حكومي، وفقاً لما ذكره المسؤول الأعلى المشرف على المشروع.
و سيأتي 80% من تمويل المشروع الذي يبلغ تكلفته 34 مليار دولار من القطاع الخاص، بحسب ما صرح المسؤول الإندونيسي، بامبانغ سوسانتونو في مقابلة على هامش قمة المدن العالمية في سنغافورة. وقال إن المناقشات مع المستثمرين جارية، ومن المرجّح أن تدرس إندونيسيا إصدار سندات لاحقاً.
قال سوسانتونو: "في هذه المرحلة، ليس هناك تأخير. ونحن نمضي على الطريق الصحيح، أكثر من ذي قبل، لأن الهدف والتوجيه من الرئيس، هو أنه يريد أن نحتفل بيوم استقلالنا في "نوسانتارا" في أغسطس 2024". وأوضح أن المرحلة الأولى من المشروع، التي تبلغ تكلفتها حوالي 50 تريليون روبية (3.4 مليار دولار)، سيتم تمويلها بالكامل من ميزانية الدولة 2022-2024.
هذا الإنفاق المطلوب لنقل مقر الحكومة الإندونيسية من العاصمة الحالية جاكرتا يتم تنفيذه في الوقت الذي يتوقع البنك المركزي الإندونيسي نمواً اقتصادياً أبطأ هذا العام. لكن المخاوف من الازدحام والاكتظاظ في جاكرتا، إلى جانب حقيقة أن تصبح المدينة مغمورة بالمياه، كلها عوامل تدفع الرئيس الإندونيسي، جوكو ويدودو، المعروف باسم جوكووي، إلى المضي قُدُماً في الخطة.
ينطوي ذلك أيضاً على فوائد سياسية واقتصادية محتملة، إذ إن القيام بالمهمة الضخمة المتمثلة في نقل العاصمة إلى ناحية نائية من جزيرة بورنيو المغطاة بالغابات سيشكّل سمة مميزة لإرث جوكووي السياسي، على الرغم من أن فكرة نقل العاصمة نشأت منذ عهد سوكارنو، وهو أول زعيم للبلاد. الأهم من ذلك، تعكس هذه الخطوة طموحات إندونيسيا في أن تكون قوة اقتصادية قادرة أيضاً على توزيع الثروة بشكل أفضل بين مواطنيها البالغ عددهم 267 مليون نسمة.
تابع سوسانتونو، بالقول: "نريد أن نكون مجتمعاً ذا دخل مرتفع، ويجب أن يبدأ التحول، ولابد أن يبدأ الآن. لقد حان الوقت لنا أيضاً لمحاولة إعادة توزيع النمو الاقتصادي وستكون ذكرى نوسانتارا هي المحفز لنا".
تمثل مسألة تعزيز المساواة الاقتصادية والشمولية جزءاً من هدف الحكومة للحفاظ على "مصداقيتها" البيئية والاجتماعية والحوكمة، نظراً للتركيز المتزايد في هذا المجال بين المستثمرين، بحسب سوسانتونو، وهو مهندس مدني تحوَّل إلى اقتصادي، وشغل سابقاً منصب نائب رئيس بنك التنمية الآسيوي.
لفت سوسانتونو إلى أن المرحلة الأولى من "نوسانتارا" ستتألف إلى حدٍّ كبير من مبانٍ حكومية، بالإضافة إلى مدارس ومستشفيات ومرافق ترفيهية، مثل مراكز التسوق. بدأ العمل بالفعل، بما في ذلك تهيئة الأرض وإنشاء طرق وصول للعمال، والهدف هو أن يكون حوالي 1.7 مليون إلى 1.9 مليون شخص مقيمين في "نوسانتارا" بحلول عام 2045.
وقال سوسانتونو إنه من أجل تحقيق هذه الغاية، فإن الكثافة الحضرية هي أحد الاعتبارات المهمة في أعقاب جائحة "كوفيد - 19". فقد أجبر الفيروس المخططين في جميع أنحاء العالم على إعادة التفكير في الحلول الحضرية، بدءاً من الحاجة إلى مساكن خارجية إلى التهوية داخل المبنى. ولا تزال مخاوف ما قبل الجائحة، مثل تغير المناخ قائمة. ووسط انتقادات بأن تطوير "نوسانتارا" يمكن أن يهدد واحدة من أقدم الغابات المطيرة في العالم في بورنيو، قالت السلطات سابقاً إن المدينة تستمد كل طاقتها من مصادر متجددة، وتخصص 10% من مساحتها لإنتاج الغذاء وتضمن دعماً لـ80% من التنقل من خلال المواصلات العامة أو ركوب الدراجات أو المشي.
أوضح سوسانتونو أنه لتحقيق تلك الأهداف طويلة الأجل، ستعتمد إندونيسيا بشكل كبير على جمع الأموال من القطاع الخاص والمجتمع. وكشفت السلطات الإندونيسية في مارس الماضي، عن أن جهود جمع التمويل للعاصمة الجديدة تلقت ضربة بعد انسحاب ماسايوشي سون، مؤسس "سوفت بنك غروب" (.SoftBank Group Corp). وأضاف أنه لا يزال هناك اهتمام بين مجموعة من الشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة الحجم، دون الخوض في تفاصيل. كانت إندونيسيا تغري المستثمرين الأجانب، من المملكة العربية السعودية إلى الصين، ففي الشهر الماضي عرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن تستثمر السكك الحديدية الروسية في "نوسانتارا".
قال سوسانتونو إن إندونيسيا تعتزم طلب المستثمرين بالإفصاح عن اهتمامهم بالمشروع في سبتمبر، منوّهاً بالقول: "حتى نعرف بالضبط من هو الجاد حقاً".
وفي حين أن التمويل هو أحد التحديات، فإن التحدي الآخر هو امتلاك الإرادة السياسية لإكمال مثل هذا المشروع الضخم طويل الأجل. وبالنظر إلى أن فترة الرئيس جوكووي ستنتهي في عام 2024، مع إجراء انتخابات رئاسية في ذلك العام، فقد أبدى المتشككون قلقهم من أن الزعيم الجديد قد يوقف خطط الانتقال إلى العاصمة الجديدة. وقال سوسانتونو إنه من أجل تشجيع الانتقال إلى العاصمة الجديدة، ستفرض إندونيسيا ضرائب دخل أقل لسكان "نوسانتارا" وإعفاءً ضريبياً خاصاً للشركات التي تنقل مقارها هناك.