إنسانية وانتماء سطرت تاريخ بهاء طاهر
إن الإنسانية سمة يتسم بها بنو آدم
وتجعلهم مختلفون عن غيرهم من الكائنات التي خلقها الله، وهناك جوانب شتى في حياة
الإنسان قد تبرز هذه السمة النبيلة ومنها شعور الإنسان بالانتماء والمسئولية تجاه
وطنه وقومه وأهله دون أي شروط.
وهناك العديد من النماذج الذين أبرزوا سمة الإنسانية بشكلٍ كبيرٍ في مسيرة حياتهم تحت ظروف قاسية مروا بها كالغربة والاضطهاد، مما يجعل أقوامهم يقدرون ما قاموا به ويضعونهم كرمزًا للبطولة.
وهذا ما حدث مع المؤلف الروائي والقاص
والمترجم المصري بهاء طاهر الذي ولد في 13 يناير عام 1935م بمحافظة الجيزة،
والحاصل على الشهادة الجامعية من كلية الآداب قسم التاريخ عام 1956م من جامعة
القاهرة، كما حصل على دبلوم الدراسات العليا في الإعلام شعبة الإذاعة والتلفزيون
سنة 1974م، وقد وفاته المنية يوم الخميس 27 أكتوبر 2022 بعد صراعٍ طويلٍ مع المرض.
وكانت حياة الكاتب الكبير بهاء طاهر
زاخرة بالمواقف الانسانية والانتماء للوطن، فقد منع الكتابة في عهد الرئيس محمد
أنور السادات عام 1975 مما اضطره لمغادرة البلاد حيث سافر إلى إفريقيا وآسيا إلى
أن استقر به المطاف في سويسرا وتحديدًا في جنيف من عام 1981 حتى عام 1995 حيث عمل
مترجمًا بالمقر الاوروبي للأمم المتحدة.
وأثناء غربته 20 عاماً وهي فترة ليست
بالقصيرة فإنه لما ينسى وطنه وقضايا أمته العربية، حيث قرر طاهر العودة إلى حضن
الوطن بعد سن التقاعد وعاود الكتابة، وكان أول ما كتبه بعد رجوعه إلى مصر عمله
القصصي الرائع "الحب في المنفى" والذي أشاد بهذا العمل الروائي والكاتب
الدكتور علي الراعي قائلًا إنها رواية كاملة الأوصاف.
وفي ديسمبر 2013م قرر طاهر أن يتيح
لأبناء مسقط رأسه في الأقصر الفرصة للاطلاع على ما توصل إليه العقل البشري من
إبداعات وكذلك مشاركة أفكارهم وآرائهم، حيث تبرع بقطعة أرض يمتلكها عن أهله
بالأقصر إلى الدولة من أجل إقامة قصر ثقافي لخدمة قضايا الثقافة والمثقفين في
الأقصر والذي افتتحه وزير الثقافة الأسبق الدكتور صابر عرب ومحافظ الأقصر اللواء
طارق سعد الدين وأطلقوا عليه " قصر ثقافة بهاء طاهر".
كما أهتم قصر ثقافة بهاء طاهر بتثقيف
كل طوائف المجتمع، حيث يقدم القصر العديد من الفعاليات الثقافية والفنية لأبناء
المحافظة لرفع الوعي والدعوة إلى التفتح، كما يشهد العديد من الانشطة التي تكشف عن
مواهب المحافظة.
وظهر هذا الجانب الإنساني جليًا في
كتابات طاهر حيث سرد فصولًا من تاريخ وطنه بأحداثه السياسية والاجتماعية
والاقتصادية عبر مؤلفاته المختلفة ففي مجموعته القصصية الأولى "الخطوبة"
تناول قصة الإنسان الذي يحاول التعبير عن نفسه فيواجه القمع ليرصد من خلال هذه
القصة "القمع" كإحدى السمات السائدة في حقبة الستينيات التي ينتمي إليها،
وأتبعها بالمجموعة القصصية "بالأمس حلمت بك" وفيها سلط الضوء على معاناة
العرب في الغرب من عنصرية وإحساس بالوحدة والغربة.
وفي إحدى الأحاديث عن كتاباته أوضح
قائلاً "وقد لاحظ المتابعون أن الكتابات التي كتبتها عن الغرب لم يكن فيها
هذا الانسحاق او الانبهار بالتجربة الغربية وأيضًا لم يكن فيها أي نوع من
الاستعلاء على التجربة الغربية وإنما تجربة إنسان عاش حياة عادية في مجتمع رأى من
خلاله ماله وما عليه وعبر عن ذلك بصدق وأمانة في كتاباته".
ومن أشهر عباراته "لست ممن
يعتقدون أن الجوائز تعطي قيمة كبيرة لفائز، إلا إذا كانت أعماله تعطيه هذه
القيمة" وهذه العبارة كانت قد ختم بها كلمته من فوق خشبه المسرح الصغير بدار
الأوبرا المصرية عقب تسلمه جائزة ملتقى القاهرة الدولي للرواية في دورته السادسة
عام 2015.
ومن أعمال طاهر أيضًا أنا الملك جئت،
شرق النخيل، قالت ضحى، ذهبت إلى شلال، خالتي صفية والدير، أبناء رفاعة، نقطة
النور، واحة الغروب، لم أعرف أن الطواويس تطير، وله عشر مسرحيات مصرية.
والجدير بالذكر أن الكاتب بهاء طاهر
حاز على العديد من الجوائز منها جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة 1998، وجائزة
جوزيبي اكيربي الإيطالية سنة 2000 عن خالتي صفية والدير، وجائزة آلزياتور
الإيطالية لعام 2008 عن الحب في المنفى، كما حصل على الجائزة العالمية للرواية
العربية عن روايته واحة الغروب.
ونعت وزيرة الثقافة نيفين الكيلاني
الأديب بهاء طاهر عبر صفحتها الرسمية "معبرة عن حزنها الشديد لفقدان كاتب
عظيم من رهيب الكُتّاب الكبار، جادت به أرض مصر ليثري الإبداع والمكتبة العربية
بعشرات من الروايات والدراسات".
وأضافت "أنه كان يمتلك قلمًا يفيض
عزوبة وإنسانية".