تتوالى الهزات الأرضية منذ يوم الاثنين الماضي على بعض البلدان كجنوبي تركيا وسوريا ولبنان وقبرص والأردن والعراق ومصر ومؤخرًا فلسطين، والتي بلغت إحدى هزاتها قوة ٧.٩ درجة على مقياس ريختر، وذلك يوم الاثنين في تمام الساعة ٤:١٧ صباحًا، وهي قوة لم يسبق أن سمعها العالم مذ عشرات السنين، ما أسفرت عن ٢٣ مليون متضررًا بتركيا وسوريا بين قتيل وجريح ومُشرد.
كثرة وقوع الزلازل في الآونة الأخيرة شئٌ يدعو الإنسان إلى التفكر، والتأمل في الحكمة من تتابع هذه الزلازل؛ هل هذا تحذير من الله لعباده ؟
إن الله سبحانه وتعالى حكيم في جميع أفعاله، ومن حكمة الله سبحانه أنه يسوق الآيات إلى عباده ليذكرهم ويخوفهم بها، ومن هذه الآيات الزلازل؛ حيث أنها بيان لقدرة الله وعظمته، وإظهار ضعف العباد وعجزهم، وتذكيرًا لهم خاصةً العاصين بربهم ليتوبوا ويؤوبوا إليه، وقد تأتي الآيات إهلاكًا للظالمين بذنوبهم وعصيانهم كما حدث في الأمم السابقة.
قال ابن تيمية: "والزلازل من الآيات التي يخوف الله بها عباده، كما يخوفهم بالكسوف وغيره من الآيات".
كما قال ابن القيم: "ومن تأثير معاصي الله في الأرض، ما يحل بها من الخسف والزلازل".
وذكر ابن أبي الدنيا عن أنس بن مالك: أنه دخل على عائشة، هو ورجل آخر، فقال لها الرجل: "يا أم المؤمنين حدثينا عن الزلزلة"، فقالت: "إذا استباحوا الزنا، وشربوا الخمر، وضربوا بالمعازف، غار الله عزوجل في سمائه، فقال للأرض تزلزلي بهم، فإن تابوا ونزعوا، وإلا هدمها عليهم"، قال: "يا أم المؤمنين، أعذاباً لهم؟"، قالت: "بلى، موعظةً ورحمةً للمؤمنين، ونكالاً وعذاباً وسخطاً على الكافرين"، فقال أنس: "ما سمعت حديثًا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا أشد فرحًا به مني بهذا الحديث".
وهناك حديثًا مرسلًا ذكره ابن أبي الدنيا أيضًا: «إن الأرض تزلزلت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضع يده عليها، ثم قال: اسكني، فإنه لم يأن لك بعد، ثم التفت إلى أصحابه، فقال: إن ربكم ليستعتبكم فأعتبوه».
وجَرت سنة الله تعالى أنه إذا كثر الخبث، ولم تقم شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن العذاب إذا نزل عم الجميع.
ففي الصحيحين عن زينب بنت جحش، أن النبي صلَّى الله عليه وسلم، دخل عليها فزِعًا يقول: «لا إِله إِلا اللَّه، ويلٌ للعرب مِنْ شرٍّ قد اقترب، فُتِحَ اليوم مِنْ ردم يأْجوج، ومأْجوج مثل هذا، وحلّق بِإِصبعه، وبالتي تليها» فقالت زينب: فقلت: يا رسول اللَّه أنهْلِك؛ وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إِذا كَثُرَ الخبث»
وفي مسند أحمد وغيره عن أبي بكر الصديق: أنه خطب فقال: "يا أيها الناس؛ إنكم تقرؤون هذه الآية، وتضعونها على غير ما وضعها الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر بينهم فلم ينكروه، يوشك أن يعمهم الله بعقابه".
ومن الملفت للنظر، وقت حدوث الزلزال فهو وقت يكثر فيه النِيَّام، كما يكثر فيه أصحاب المعاصي والفجور، وأن عذاب الله قد يأتي بغتة فقد قال الله تعالى :﴿ أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [يوسف: ١٠٧]، ﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف: ٩٧ - ١٠٠].
وإذا نظرنا إلى هذه الآيات الكونية من جهة أخرى نرى أنها دليل على حب الله تعالى ورحمته، فقد قال تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ {آل عمران:٣٠}، فبين أن تحذيره لهم من العقاب دليل على رأفته بهم، فلولا حب الله لعباده لكان أهلكهم جميعًا واستبدلهم مصداقًا لقوله تعالى {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [فاطر: ١٦-١٧].
كما أن حدوث مثل هذه الفواجع ابتلاء من الله لعباده والابتلاء رحمة ودليل لحب الله؛ فإذا حمد العبد ربه ورضيَّ بقضاءه، كَّفر الله له عن سيئاته ونال أجرًا عظيمًا ورفعة في الدرجات، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً ، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً).