ترجع كلمة حصانة من الناحية اللغوية في أصلها إلى فعل حَصُنَ، أي منع، والحصن كل
موضع حصين لا يوصل إلى ما في جوفه، والجمع حصون. و من هنا جاءت الحصانة IMMUNITY، بمعنى جعل المتمتع بها في حالة تمنع التعرض إليه، أو مقاضاته
لأسباب ينظمها القانون الوطني فيما يتعلق بمن يتمتع بالحصانة القضائية .
إن أداء رسالة القضاء في إعلاء كلمة القانون وإقرار العدل لا يتأتى إلا باستقلال القضاء
وتقرير ضمانات حقيقية لهذا الاستقلال، و يتطلب فوق ذلك توافر صفات وفضائل معينة في
القاضي إلا أن استقلال القاضي لا يعني عدم المساءلة إذا ما أخل بواجبات وظيفته ومقتضياتها وتقاليدها.
و قد تعـددت اتجاهـات الفقه في تعريف الحصانة القضائية بـين خلـط وتضـييق وتوسيع،
كمـا وردت أحكامها في قوانين مختلفة تبعا لتنوع جهات القضاء، حيث تفرد بعض الفقه
و ادعى شبهة الإجماع على تعريف الحصانة القضائية بأنها تعني مبدأ عدم قـابليتهم للعـزل ،
وقـد خلـط هـذا التعريـف بـين الحصـانة القضـائية في قـانون الإجـراءات الجزائيـة ومبـدأ
عـدم قابليـة القاضـي للعـزل، وإن اشـتركا في كونهما ضمانة من ضمانات القضاة، إلا أن تباينهما واضح و جلي، فالحصانة قيـد قـانوني مؤقـت يحـول دون تحريـك الـدعوى العموميـة إلا بعـد الحصـول على إذن، أما مبدأ عدم القابلية للعزل فيعني عدم جواز فصل القاضـي أو وقفـه عـن العمـل أو إحالتـه إلى التقاعـد أو نقلــه إلى وظيفــة غــير قضــائية إلا في الأحــوال الــتي نــص عليهــا القــانون، و القوانين المنظمة للقضاة تفرق بين أحكام الحصانة القضائية وهذا المبدأ و تفرد لكل منهما موادا خاصة به.
و على ذلك يمكن تعريف الحصانة القضائية بأنها حمايـة قانونيـة مقـررة لأعضـاء السـلطة
القضـائية تمنـع اتخــاذ إجــراءات التتبع ، وتحــول دون رفــع الــدعوى العموميــة علــيهم إلا بعــد الحصــول علــى إذن.
وتكفـل جل القوانين لأعضـاء السـلطة القضـائية حصـانة تقيـد صـلاحية النيابة العمومية في
رفعـه للـدعاوى العمومية و مباشرتها ، و ليس ذلك من الامتياز الشخصي و إعطاء بعض
الأفراد أفضلية عن الآخرين، بل فرضها القانون صونا لمصالح معينة ولاعتبارات متداخلة
جديرة بالمراعاة ، فالحصانة القضائية تنطوي على توفير للسلطة القضائية ورعاية
لأعضائها حمـاة العدالـة، ممـا يعـود أثره إلى تحقيق ثقة المتقاضين و اطمئنانهم على
دعواهم، إذ الحصانة تبقي القضاة في مـأمن مـن الادعـاءات الكيدية و تحمي إرادتهم من
الضغط و التوجيه و كل ذلك يضمن العدل و يصون الحقوق في المجتمع.
أولا : الحصانة القضائية حماية لاستقلال القضاء وصيانة لكرامة أعضائه : يعتـبر الفصـل
بـين السـلطات في الدولـة مـن المبـادئ المسـتقرة فقهـا وقانونـا ؛ لمـا فيـه مـن ضـمان
للحريـة وتأكيـد لمشـروعية الدولـة وبعـد عـن الاسـتبداد بالإضـافة إلى الميـزات الـتي
يحققهـا تقسـيم العمـل مـن إجـادة وسـرعة في الإنجـاز، فـلا يخضـع القضـاة في ممارسـتهم
لعملهـم لسـيطرة أيـة سـلطة كانـت تشـريعية أو تنفيذية ، بـل غـايتهم تحقيـق الحـق والعـدل
خاضـعين للقـانون ولضـمائرهم فحسـب ، ومسـتقلين عـن أي جهة ، فلا قضاء بغير استقلال
ولا عدل بغير قضاء ، فالعدالة قرينة استقلال القضاء دائما.
والحصـانة القضـائية تـدعم هـذا الاسـتقلال، وتـوفر التـوقير الـلازم لأعضـاء هـذه السـلطة
ممـا يحفـظ هيبتهم وكرامتهم من الاعتداء عليها، فـلا يسـتطيع القاضـي بغـير هـذه الحصـانة
أن يعلـي كلمـة القـانون في مواجهة الدولة و المجتمع ليحق الحق و يحمي العدالة.
كمـا أن في حمايـة القضـاة احترامـا للسـلطة الـتي ينتمـون لهـا وصـيانة لكرامتهـا وضـمانا
لهيبتهـا نظرا لطبيعة الواجبات التي انيطت بهذه السلطة، و لأهمية دورهم في المجتمع،
فطبيعــة العمــل القضـائي ومـا يتصـف بـه مـن خطـورة وجـلال يـبرر تمييـز القضـاة عـن
غـيرهم مـن مـوظفي الدولـة فيمـا يتعلـق بـالإجراءات الجزائيـة الـتي قـد تتخـذ ضـدهم ، وقـد قيـل بحـق أنـه كلمـا ارتقـت الأمـة في نظـام الحكـم كانت الضمانات القضائية عندها كافية وإلى الكمال أقرب.
ثانيا : الحصانة القضائية ضمان للعدل و الحق و الحرية للمتقاضين و المجتمع: إن هـذه
الحصـانة بجانـب غيرهـا مـن الضـمانات القضـائية الأخـرى مقـررة للحفـاظ علـى اسـتقلال
القاضي وصون كرامته، وذلك بدوره يشيع في صـدور المتقاضـين الثقـة والطمأنينـة ، إذ تبعـد هـذه الحصـانة القضـاة عـن الأهـواء والمـؤثرات عنـد فصـلهم في الـدعاوى، حيـث
يكـون القضـاة مطمئنـين علـى مراكـزهم خاصة في الـدعاوى التي تتعلـق بأعمــال الحكومــة أو أصــحاب النفــوذ في الدولة، فالمســاس بــأمن القاضــي عرقلــة لأدائــه وظيفتــه مما ينعكس أثره على استقرار المجتمع و امن أفراده تحقيقا للمصلحة العامة، فهـي
في حقيقتهــا ضــمان لحقوق المجتمع و حرية الأشخاص فيه ، لان تحقيق العدالة و توفير
القضاء النزيه غاية المجتمع و حماية لمصالحه الأساسية.
ثالثا : تفادي الادعاءات الكيدية : تحمي الحصانة رجـال القضـاء مـن الادعاءات الكيدية
الـتي تعـوق حسـن سـير عملهـم فيتمكن القاضي من ممارسة عمله في حرز من أي اتهام
مغرض أو قبض جائر أو دعـوى متسـرعة في غـير محلها، فالقاضـي بحكم عمله يـوازن
بـين مصالح متعارضة ويفصل في خصومات ويثبت الحق لأهلـه فيرضى عليه خصم
ويسـخط آخـر ، ممـا يجعلـه عرضـة للكيد والعـداء والانتقـام ، فيتصـنع ذو الأغـراض العدائيـة الـدعاوى والتهم ضد القاضـي محـاولا التشكيك في نزاهته و إهانـة كرامتـه، طالبـا تحريـك الـدعوى العموميـة ضده والتحقيق معه ؛ لما في الإجراءات الجزائية من شدة ومساس بالحريات قد تضـر هيبـة القضاء وتشفي غليل أصحاب النفوس السقيمة.
لذا قطع القانون السبيل عليهم وحرص علـى حمايـة أعضـاء السـلطة القضـائية وتأكيـد كرامتهم، فتدخل وأضفى عليهم حصانة تضيق على الادعاءات الكيدية وتحفظ القضاة مــن تعسف البعض وانتقامهم.
رابعا: وقاية القضاة من التعسف و التأثير على قناعاتهم: فـلا تكـون إجـراءات الجزائيـة
سـبيلا لتهديد القضاة أو طريقة لضغط سلطات التحقيق على إراداتهم، فينأى القضاة بأنفسهم
عن الأهواء و المؤثرات ، وذلك مما يكفل حياد القضاء ونزاهته.
إذ بالحصـانة يقـيم القاضـي
ميـزان العدالـة والإنصـاف دون رهبـة أو ميـل أو انحـراف، فيكـون عقيدته وفقا للقانون
بكل حرية ودون ضغط أو إجبار يؤثر على إرادته.
و لقد نصت المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية التي اعتمدها مؤتمر الأمم
المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقود في ميلانو من 26 أوت إلى 6
ديسمبر 1985، و التي اعتمدت ونشرت علي الملأ بموجب قراري الجمعية العامة للأمم
المتحدة 40/32 المؤرخ في 29 نوفمبر 1985 و 40/14 المؤرخ في 13 ديسمبر 1985
" ينبغي أن يتمتع القضاة بالحصانة الشخصية ضد أي دعاوى مدنية بالتعويض النقدي عما يصدر عنهم أثناء ممارسة مهامهم القضائية من أفعال غير سليمة أو تقصير، وذلك دون إخلال بأي إجراء تأديبي أو بأي حق في الاستئناف أو في الحصول على تعويض من الدولة، وفقا للقانون الوطني.
كما نصت المادة 15 من الاتفاق بشان امتيازات المحكمة الجنائية الدولية و حصاناتها"
يتمتع القضاة و المدعي العام و نواب المدعي العام و المسجل عند مباشرتهم أعمال المحكمة
أو فيما يتعلق بهذه الأعمال بالامتيازات و الحصانات الممنوحة لرؤساء البعثات الديبلوماسية.
و يواصلون بعد انتهاء مدة ولايتهم التمتع بالحصانة من الإجراءات القانونية من أي نوع
فيمن يتعلق بما يكون قد صدر عنهم من أقوال أو كتابات أو أفعال بصفتهم الرسمية.
و قد نصت اغلب الدول في قوانينها على الحصانة القضائية من بينها مصر و الأردن
و الكويت و المملكة العربية السعودية و لبنان و الإمارات العربية المتحدة و قطر و فرنسا
و بريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية.
الحصانة القضائية نوع من أنواع الحصانات والضمانات التي تهدف إلى حماية العمل ومن يقوم به من سلطان أي سلطة أخرى تتدخل في شأن القضاة.
ولكي يتضح أنّ الحصانة القضائية ما هي إلا نوع من أنواع الحصانات ننظر في لفظ ( حصانة ) أولاً ، فنقول إن لفظ ( حصانة ) بدخول ( ال ) التعريف عليه أضحى مستغرقاً لجنس الحصانة ؛ القضائية وغيرها ، كالدبلوماسيّة والبرلمانية ، فكلّها أنواع لجنس الحصانة ، ولذا ففي اللغة العربية تُعرف ( ال ) التعريف هذه بالجنسية.
ولبيان شمول الحصانة القضائية للعمل القضائي ومن يقوم به نعرض إلى قياس الحصانة القضائية على غيرها من الحصانات بجامع أن كلها أنواع لجنس الحصانة فنقول : إن من المتقرر – حسب الاتفاقيات الدولية كاتفاقية فيينا لعام 1961م - أن الحصانة الدبلوماسيّة تعني حصانة العمل الدبلوماسي بحيث لا يُتدخّل فيه ، وحصانة من يقوم به أيضاً بحيث يطبّق عليه النظام أو القانون بطريقة تضمن له أنّه لن يفرض عليه أحدٌ شيئاً فيُخلّ بعمله.
مما تقدم يتبيّن أن الحصانة القضائية تكون للعمل القضائي ومن يقوم به ، ولذا اتجهت كثير من الدول إلى استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التنظيمية والتنفيذية لتتحقق نزاهة القضاء، فلا يفرض شيء على القضاء أو يحابي أحدٌ ممن ينتمون إلى السلك القضائي أيّ سُلطة أخرى.
ومما يجدر التنبيه إليه أن الحصانة عموماً ؛ القضائية وغيرها لا تعني ألا يُطبّق النظام بحق من مُنح الحصانة ، بل يسري النظام عليه وعلى غيره ، وإنما المقصود أن لتطبيق النظام عليه إجراءات تضمن سلامة عمله الذي يقوم به.
ويرى بعض الكتاب لدينا في جمهورية مصر العربية، أن الحصانة القضائية تعني أن لا تتدخل أي سلطة في القضاء فحسب، أي أن الحصانة للقضاء وليست للقضاة، ويستدلون لذلك
حيث ان القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير القانون، تعني هذه الحصانة أن تكون حرمة شخص القاضي مصونة ولا يجوز اخضاعه لأية صورة من صور القبض أو الاعتقال أو التفتيش او الاتهام الا بادالة لاتقبل بها ثغره لاهدارها وهو ما قام به النائب العام حال رفضه اعداد كتاب بطلب رفع الحصانه دون سبب ولكن استغل رئيس مجلس الدولة في هذا التوقيت الضغط لتقديم الاستقاله تنكيلا بعضو جهة قضائية بحجم مجلس الدولة المصري وتاريخه المشرف، كذلك يتمتع المنزل الخاص الذي يقطنه بذات الحصانة والحماية، وكذلك الأمر أوراقه ومراسلاته وأمواله الرسمية بذات الحصانة.
يسأل اعضاء السلطة القضائية في كل من له ارتباط وظيفي بهذه السلطة عن الجرائم المقترفة في معرض مهامهم أو خارجها عن طريق التفتيش القضائي بمجلس الدولة تحقيقاً .
وهذه الحصانة ليست ضد القانون بل حصانة تحول دون تطبيق الجوانب الإجرائية، بمعنى أنها لا تنزع عن الفعل المرتكب صفة التجريم إذا ما توافرت أركانه، وإنما تحول فقط دون اتخاذ بعض الإجراءات الجنائية إلا وفق ضوابط معينة نص عليها المشرع ، وبالتالي لا تستطيع النيابة العامة التحقيق فيها إلا بعد الحصول على تصريح من جهة أخرى حددها القانون.
شبهة التمييز بين المواطنين ومخالفة مبدأ المساواة وقد آثار موضوع الحصانة الإجرائية جدلا، لا يزال قائما بين فقهاء القانون.
المسائلة أمام القانون، والذي يعد ركيزة السيادة حكم القانون وخضوع الجميع له على حد سواء ، بيد أن المدافعين من ة يرون فيها إجراء استثنائياً اكات ضرورة استقلالية السلطنين التشريعية والقضائية، والحرص على تهيئة البيئة الصالحة والملامة لنواب الأمة والقضاة للاضطلاع بواجباتهم دون حشية، وهذا يقتضي أن تحضر الحصانة في نطاقها الأصلي، وأن لا يسمح بالتوسع فيها على حساب القانون ومبادئ العدالة القائمة على المحاسبة والشفافية، وأن تخاط. الضوابط لتحقيق الغاية منها ولم يضع القانون أحدًا فوقه ولا يعلو على المحاسبة، حتى الذين منحهم حق الحصانة القضائية وضع شروط لزوالها عنهم، فلا يمكن لقاض أو مستشار أن يتخذ من الحصانة وسيلة للإفلات من العقوبة، فقد حدد حالتين لرفع الحصانة القضائية للتحقيق مع الشخصيات القضائية في أي اتهامات موجهة إليهم، ونذكر في التقرير هذه الحالات.
وقال الفقهاء، حالات زوال الحصانة القضائية وهى ورود تحريات مدعومة بقرائن مؤكدة على ارتكاب القاضي لجريمة، وعلى أثر ذلك يتم إخطار المجلس الأعلى للقضاء بمذكرة لرفع الحصانة عن القاضى، وبعد ذلك الحصول على إذن من النيابة العامة بالقبض على القاضى وفى هذه الحالة تعتبر من أقوى حالات التلبس، التى لا يتم فيها إخلاء سبيل المتهم ولا يكون هناك ثغرة قانونية يترتب عليها انهيار الاتهام"
-
قال الخبير القانوني احمد الجيزاوي، تعقيبا علي واقعة مقتل المذيعة شيماء جمال علي يد زوجها الذي يعمل بجهة قضائية – مجلس الدولة - واستصدرت النيابة العامة قرارا بضبطه واحضاره عقب رفع الحصانه بمعرفة الاجهزة المعنية ان حالات زوال الحصانة القضائية وهى ورود تحريات مدعومة بقرائن مؤكدة على ارتكاب القاضي لجريمة، وعلى أثر ذلك يتم إخطار المجلس الأعلى للقضاء بمذكرة لرفع الحصانة عن القاضى، وبعد ذلك الحصول على إذن من النيابة العامة بالقبض على القاضى وفى هذه الحالة تعتبر من أقوى حالات التلبس، التى لا يتم فيها إخلاء سبيل المتهم ولا يكون هناك ثغرة قانونية يترتب عليها انهيار الاتهام".