منازل لا يتعدى إرتفاعها عن الطابقين مبنية من الطوب اللبن البعض منها انهدم، وأخرى آيلة للسقوط أثر تشقق جدرانها بفعل عامل الزمن، تعتليها عشش خشبية وأتلال من القمامة والأتربة، يقطن بداخلها مئات من الأسر الكادحة، على مساحة تبلغ 10 أفدنة، مصنفة كمنطقة غير آمنة من الدرجة الثانية، تقع على أملاك وزارة الآثار وملاصقة للأهرامات، هذا هو حال منطقة «سن العجوز» التي لا تبعد سوى أمتار قليلة عن الأهرامات الثلاث وأبو الهول.

حالة من التناقض الشديد تشهدها عندما تطأ قدماك أرض المنطقة، ففي الوقت الذي تشهد فيه الساحة توافد العشرات من السياح على الأهرامات، يعيشون المئات من الأسر حالة الإنسان البدائي.

طرق غير مستوية يملئها رواث الخيول والجمال، روائح كريهة تنبعث من منازل مهدمة، وأتربة تتساقط بين الحين والآخر من أعلى العشش، مشاهد رصدتها عدسة «المواطن»، كلما تجولت داخل المنطقة لرصد حال الأهالي، الذين ظلوا طيلة الأعوام الماضية يعانوا من تجاهل الحكومة لهم.

200 مليون جنيه

في عام 2010 أكد محافظ الجيزة اللواء سيد عبدالعزيز آنذاك، على أهمية الاهتمام بملف المناطق العشوائية، وأشار إلى أن المحافظة صرفت مبلغ 100 مليون جنيه، لتطوير 25 منطقة عشوائية منها 14 منطقة غير آمنة وكان منها "سن العجوز" بحي الهرم، وساهمت وزارة السياحة بمبلغ 50 مليون جنيه، كما ساهمت وزارة الإسكان بـ25 مليون جنيه، أما الـ 25 مليون المتبقية أسهمت بها وزارة الثقافة.

وبحسب شهادات الأهالي أكدوا أن منذ عام 2010، لن يصل لهم مسئول واحد من قبل الدولة، كما لم تشهد المنطقة أي أعمال تطوير حتى الآن، جاء ذلك خلال جولة «المواطن» التى أجرتها للمنطقة لرصد حالة استياء الأهالي من تجاهل الحكومة لهم.

تاريخ المنطقة

وعن سبب تسمية المنطقة بهذا الاسم، روى عدد من الأهالي القدامى أن سبب التسمية تعود إلى أسطورة قديمة لإحدى السيدات «العجائز» التى كانت قد ألقت آخر سن لها بجوار أبو الهول، وكانت السيدة تمثل بركة المنطقة لطيبة أخلاقها وعطفها على الجميع.

وقالت فريدة طاهر، إحدى قاطنات المنطقة في العقد الخامس من عمرها، إن هذه السيدة تنتظر الحج لأكثر من عشرين عامًا وفي سنتها الأخيرة، وقبل أن تخلع سنها الأخيرة، قامت بالتقدم لقرعة الحج، وألقت بالسنة في الصحراء بجوار أبوالهول وبعدها بيوم تم قبولها في القرعة وسافرت وماتت بالحجاز.

ومنذ ذلك الحين والجميع يتبارك بهذه الواقعة والأطفال الصغار يقومون بإلقاء أسنانهم بجوار أبو الهول، والكبار يذهبون إلى هناك تبركًا بالسن العجوز ليطلبوا أمنياتهم.

حالة ذهول

هريدي مسعود_ خيال وأحد الأهالي المقميمن بالمنطقة، أصيب بحالة من الذهول حينما علم أن الصحافة قد اهتمت بما يعانون به من أعوام طوال، وبدأ مسعود فى سرد معاناته قائلًا:«ياااه.. أول مرة الصحافة تجي هنا وتسأل فينا، وينزل يصور مع أهالي ويشوف مشاكلهم، الكل بييجي المنطقة عشان يتفرج علينا يصورنا زي السياح، يصورنا كالأهرامات والخيول ولم يهتم أحد بنا وبمشاكلنا».

منازل آيلة للسقوط

وتابع: «مش عاوزين نمشي من مكانا بس عاوزين الحكومة تبني لينا البيوت هنا علشان إحنا بنستنى الموت كل لحظة، وبنصحى الصبح وبنلاقى التراب نزل علينا، وده بيخلي ولادي بيخافوا يقعدوا في البيت».

في السياق ذاته قال شعبان محفوظ_ خيال، إن أهالي سن العجوز يعتبرون أموات على قيد الحياة، لا توجد لنا أية خدمات جيدة، وكثير ما نعلم أن المحافظة قد خصصت لنا أموالًا لا نعلم أين تذهب.

وتابع: «مش عاوزين سكن خاص، كل اللي عاوزينه الحكومة تطور من المباني دي علشان كتير منها وقعت على ناس وماتت، وكتير زيهم خايفين يموتوا أحياء تحت الأنقاض».

مصدر الدخل

من جانبه، قال إسلام عسال_نحات، إن عددًا كبيرًا من شاب سن العجوز يعملون فى مجال نحت التماثيل لبيعها للسائحين، وهكذا هو مصدر دخل الشباب وآخرين يعتمدون على الخيول والجمال فى أكل العيش والبعض الآخر فى مرافقة الأجانب مستخدمين وسيلة الحنطور.

وتابع: «عدد كبير من الأهالي من الصعيد والمحافظات المختلفة حضروا من أجل لقمة العيش، وكل فرد اختار مصدر رزقه كما يشاء له وبقدر استطاعته».

رجال الأعمال

وأشار «عسال»، إلى أن المنطقة مطمع لرجال الأعمال لموقعها الممتار بجوار الأهرامات، وكثير من رجال الأعمال ما عرضوا لهم أموالًا مقابل أن يتركوا المكان ولكنهم رفضوا.

من جانبه قال صابر عبدالرازق_ خيال، إن سعر المتر يصل هنا لأكثر من 60 ألف جنيه، وكثير ما سمعنا عن مشاريع تطوير لينا وما بيحصلش، مؤكدًا أن الدولة حاولت أن تخرجهم من منازلهم ونقلهم إلى مكان آخر ولكنهم رفضوا.

واستطرد: «لو الحكومة حاولت تهجيرنا مش هنسكت هنعمل اعتصامات وهنغلق منطقة الأهرامات وهنوقف حال السياحة خالص».

موقع استراتيجي

كما قال فوزي جمال_ خيال، إن منطقة سن العجوز يعد موقعًا استراتيجيًا وحيويًا بحكم قربها من الأهرامات، مؤكدًا على أن أية معلومات بشأن تطوير المكان فهو مجرد إدعاءات الهدف منها الاستيلاء على قطعة الأرض فقط التي تتجاوز 15 فدانًا.

انقطاع المياه

وأضاف: «المنطقة يوجد بها مشكلة كبيرة وهي المياه فنظرًا لارتفاع الأرض وبناء البيوت على منطقة جبلية، تنقطع المياه لساعات طوال».