أكثر من 160 أسرة غلّفهم الحزن وعمهم البكاء على فلذات أكبادهم، الذين ظاهرًا لقوا حتفهم جزاء هجرة غير شرعية تجرمها الإنسانية قبل القوانين الوضعية، وباطنًا جاء موتهم نتيجة إهمال نظام بأكمله، عجز عن توفير حياة كريمة لهم وذويهم، وتسبب في ألم ملايين المصريين.
فهلا تساءلنا عن تفكير هذا الشباب في الهجرة والإقبال عليها بطرق غير قانونية، في الوقت الذي لا تغيب فيه عن كثيرين سبل توفير قيمة تذكرة الموت التي قبضتها منهم مافيا لا تقل خطورة عن مافيا الاتجار بالبشر؟
المدهش في الأمر والمثير للعجب، أن أصواتًا خرجت لتهاجم هذا الشباب وأدمغتهم بصفات الإجرامية والخيانة، وأن باستخدامهم هذه الطريقة يسيئون لمصر والمصريين، وأنهم شباب لمؤاخذة "شمال"، ونادوا بمحاكمة من نجوا من مركب الموت، ولم تتفكر تلكم الأصوات في أسباب هجرة الشباب ولو عبر هذه الرحلة المجهولة عواقبها.
هذا الشباب رأي آلاف المتخرجين في الكليات بأنواعها المختلفة، يجلسون على المقاهي حتى إنهم لم يجدوا مكانًا خاويًا لهم، رأوا طفلا يهاجر من أجل توفير قيمة فاتورة دواء لشقيقه المريض، رأوا أحداثًا دون الـ16 عامًا يُحكم عليهم بخمس سنوات سجنًا وغرامة 100 ألف جنيه لاعتراضهم على اتفاقية ترسيم الحدود، رأوا باحثين مصريين لم يجدوا من يحتضنهم، فأثبتوا كفاءاتهم خارج وطنهم.
هذا الشباب رأي ويرى كل يوم الموت يزحف إليهم إما عبر خروج قطار عن القضيب وإما انقلابه وهم يستقلونه نازحين من ديارهم بحثا عن لقمة عيش، رأوا اهتمامًا بمشروعات لا تُرى عوائدها إلا بعد عشرات السنين.
ولا يخفى على أحد مطالبة الكثيرين لجماعة الإخوان قبل حظرها قانونًا بالرحيل ونعتها بالفشل الذريع عقب انقلاب أتوبيس أسيوط وبه نحو 50 زهرة صعدت أرواحهم إلى رب البرية، وتسببت تعبيرة "ابن عامل النظافة لا يحق له الالتحاق بالقضاء" في الإطاحة بمحفوظ صابر من منصبه كوزير للعدل، قبل أن يلحقه نظيره الزند عبر زلة لسان لم يحسب لها جيدًا، وتكالبنا على إقالة "حنفي" التموين الذي طالما انتقدنا سياسته، وأظن أن إقالته ترتبط، في اعتقادي، بتآمر من له مصلحة للتخلص منه عبر إفساد القمح المحلى، للجوء للاستيراد والتنازل عن الزيرو إرجوت، وتغليف هذ التآمر بإقامة الوزير في فندق 5 نجوم، وكأننا استيقظنا من النوم على التكلفة الباهظة لتلك الإقامة، ومن أين يأتي بها!
كل ذلك يجب أن يدفع، لو ثمة عدالة في هذا البلد، لمثول كل من رئيس الوزراء، ووزير النقل، ووزيرة القوى العاملة والهجرة وكل مسؤول عن النقل البحري أمام القضاء بعد تجريدهم من مناصبهم، ليعتبر من يأتي خلفهم، ساعتها نعي من المسؤول عن مركب الموت!