رمضان البهي في موريتانيا حدث يلتحم ويتفاعل مع الثقافة والتقاليد
السبت 03/يونيو/2017 - 11:21 ص
لعل أهم ما ميز شهر رمضان في موريتانيا لهذا العام هو نجاح السلطات في تنظيم الإشراف الدعوي بعيدا عن الجماعات السياسية من خلال الإحياء الرمضاني الذي أعطى انطلاقته الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز من القصر الرئاسي في نواكشوط في أولى ليالي الشهر الفضيل.
والإحياء الرمضاني هو تقليد موريتاني يشمل إقامة موائد رمضان وندوات ينعشها علماء الدين والأطباء والمفكرين في مختلف محافظات البلاد طيلة الشهر الكريم ويتم نقلها على الهواء عبر 16 محطة إذاعية و6 قنوات تلفزيونية، ويشكل بداية قوية لعمل جاد رسمت له السلطات الموريتانية هذه المرة استيراتيجية ناجحة أفقدت الجماعات المستغلة للدين ذاك الفراغ الذي ظل لسنوات تنشط فيها جماعات خارجة على القانون وتتلقى دعمها المادي والمعنوي من خارج البلاد، ويستفيد الموريتانيون عبر ندوات الإحياء الرمضاني من الفقهاء وعلماء الدين وأساتذة الطب الذين يجيبون على الاستشكالات التي يقدمها المواطنون.
وتزامن الشهر الفضيل في موريتانيا هذا العام مع بدء العطلة الصيفية مما دفع العديد من المؤسسات التعليمية القومية والخاصة إلى تسريع وتيرة الامتحانات بسبب موجة الحر خصوصا في بعض المحافظات الزراعية الرعوية غير أن التطور الحاصل في الطاقة، وبدء موريتانيا تصدير الكهرباء إلى جيرانها خفف من تداعيات الحر عكس ما كان البلد يعيشه قبل سنوات قليلة عندما كان الميسوري الحال من سكان نواكشوط يلجؤون إلى استيراد مولدات بسبب الانقطاع المتكرر للطاقة الكهربائية.
ومع إطلالة الشهر الفضيل، سارعت الحكومة الموريتانية إلى توفير المواد الغذائية عبر افتتاح متاجر لتوفير المواد الغذائية المدعومة بأسعار مخفضة تتحمل الحكومة الفارق في السعر.
وتتوزع الوجبات الغذائية الرمضانية في موريتانيا ويقبل سكان نواكشوط على الأسواق الأساسية الخاصة بالحبوب خصوصا أسواق تفرغ زينة والميناء والسبخة.
وفيما ظل الموريتانيون يتفرجون على الأسماك التي تختزن بلادهم واحدا من أكبر الاحتياطات العربية منها عبر ساحلهم الممتد على سبعمائة كلم من الأطلسي إلا أن الموريتانيين يقبلون خلال رمضان هذا العام على الأسماك بشكل ملحوظ بعد أن وفرت السلطات عشرات آلاف الأطنان بشكل شبه مجاني ويصل سعر سبع كجم من الأسماك ما يعادل دولارا أمريكيا واحدا وهو أمر غير مسبوق تقول السلطات إنه يأتي ضمن تشجيع سكان المحافظات النائية على أكل السمك.
كما أن الإقبال على اللحوم الحمراء يتواصل ما رفع سعر كيلو لحوم الجمال التي قفزت من خمس دولارات إلى ست دولارات خلال الأسابيع الماضية، ويوظف الموريتانيون لحوم الجمال في شراب يسمى محليا "الزريق" وخليط من لبان الجمال والماء والسكر كما يستخدمون لحوم الجمال في تحضير مشروبات كالحريرة التي تشمل خضروات ورغم كل هذه المؤكولات إلا أن الشاي الموريتاني الذي يتناوله الموريتانيون طوال ساعات النهار يدخل في عادات السكان لدرجة أنه يصعب التخلي عنه حتى لدى المرضى الراقدين في المستشفيات.
ويجمع موريتانيون على أن الشاي الموريتاني هو المشروب الوحيد الذي لا يمكن الاستغناء عنه والذي يكاد يفسد الصوم لدى البعض فمن آلام الرأس والصداع إلى التقيؤ وأحيانا الغيبوبة التي يدخلها من أحجم عن تناول الشاي في أوقاته المألوفة.
وعلى الرغم من تأثيرات الشاي السلبية على الصيام فإنه بدون منازع المادة المفضلة الأولى التي يتم التركيز على تناولها مباشرة بعد الإفطار حيث يتجمع أفراد الأسرة حول مائدة الشاي وبذات الطريقة المألوفة في صنعه إلا أن المشاعر تختلف لتظهر "اشتياقا غير عادي" لشرب الشاي بعد ساعات صيام طويلة وكأن المرء لم يسبق له تناوله.
ولعل الملفت للنظر هو أن صنع وتداول كؤوس الشاي ينتشر بشكل أكبر في أوساط ذوي الدخل المنخفض أكثر من الأغنياء، وهنا يظهر أن الموريتاني الفقير أكثر تمسكا بخصوصيات الشاي من الموريتاني الغني هذا بالرغم من أن الفنادق الكبيرة في نواكشوط تتعاقد مع مختصين في صنع الشاي.
ورغم اندثار الكثير من العادات الرمضانية إلا أن الموريتانيون لا يزالون يقبلون على حلق رؤوس الأطفال خلال شهر رمضان ضمن تقليد يقول المسنون إنه تبركا في حين يكثر الموريتانيون من صلة الرحم وزيارة الأصدقاء في الشهر الكريم الذي يزداد فيه الاستهلاك كما يزداد التكافل الاجتماعي وتوفر عدة شركات في القطاع الخاص رواتب خاصة في رمضان ضمن هذا التكافل الاجتماعي الذي ينفرد به الشهر الفضيل في موريتانيا.