تاريخ العلاقات المصرية الأمريكية دليل على الاستقلالية والثبات أمام المواقف الصعبة
الأربعاء 23/أغسطس/2017 - 05:16 م
عواطف الوصيف
طباعة
تعد مصر نقطة محورية في منطقة الشرق الأوسط، وواحدة من أهم الدول في المنطقة العربية، تحرص مختلف الدول العظمى في العالم على توطيد علاقاتها معها كونها تعد مفتاح رئيسي لها لفتح كافة الأبواب المغلقة في المنطقة العربية.
تعد الولايات المتحدة، واحدة من أهم دول العالم، التي يستوجب لها أن تحرص على توطيد علاقاتها مع مختلف دول المنطقة العربية، حتى تتمكن على الأقل من الاستمرار في التمتع، بصفة السيادة وأنها صاحبة القدرة على حل مختلف الأزمات والمشكلات العربية، تلك الصورة التي رسمتها لنفسها على مدار تاريخها، وكان عليها أن تعي جيدًا أن مصر، هي الباب السحري الذي سيصل بها لتحقيق هذه الأهداف، لكن يبدو أن ذكاءها قد خانها هذه المرة.
أصدرت الولايات المتحدة، قرارات رسمية اليوم، تدل على أن تقديرها حول مصر وقيمتها لم يكن صحيحًا بالمرة، وقبل أن نتطرق عن قراراتها اليوم يستلزم الإشارة إلى لمحات تاريخية قديمة، ربما نتمكن من شرح تفاصيل حول تاريخ العلاقات المصرية الأمريكية.
علاقة عبد الناصر بواشنطن:
كانت العلاقات بين مصر وواشنطن، في ظل رئاسة جمال عبد الناصر متوترة بعض الشيء، فلم يحاول ناصر أن يقوم بأي زيارة رسمية لواشنطن، وذلك بسبب إصرار الولايات المتحدة استدراج مصر وجعلها مشاركة في حليف ضد الاتحاد السوفيتي، وكان سبب رفضه هو أن روسيا لم تحاول القدوم على أي خطوة عدائية ضد مصر، كما أن ذلك يعد دليلًا على أن ناصر، أبى أن يضحي باستقلال مصر، وأن تكون بلاده تابعًا لأحد.
السادات وتغير الاستراتيجية:
قرر السادات أن يحسن من علاقة مصر مع واشنطن، ولا يعني ذلك أنه حاول أن يكون تابعًا لأحد، لكنه تولى زمام الأمور والبلاد في أزمة نظرًا للحرب ومواجهة النكسة، وكان الرئيس أنور السادات في حاجة إلى العديد من الوساطات الدولية، التي تساعد على استرداد الأرض من تحت سيطرة المحتل الإسرائيلي.
كامب ديفيد:
كان للولايات المتحدة دورا بارزًا، في إتمام معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، فتحت رعاية الرئيس الأمريكى جيمى كارتر، وقعت المعاهدة مع كل من كارتر ورئيس الوزراء الإسرائيلى، مناحيم بيجن، عام 1979 والتي عملت إسرائيل على إثرها، على إرجاع الأراضي المصرية المحتلة إلى مصر.
استقرار الأوضاع:
ظلت الأوضاع مستقرة بين مصر والولايات المتحدة، في ظل رئاسة محمد حسني مبارك، لدرجة جعلت سفره لواشنطن شبه عادة سنوية، لتعزيز سبل التعاون وتوطيد العلاقات بين الجانبين، لذلك كان موقفها عام 2011 غريبًا بعض الشيء.
ثورة 2011:
فور قيام ثورة 25 يناير 2011 تحول موقف واشنطن حيث تخلى البيت الأبيض عن حليفه مبارك، وبدأت مرحلة جديدة من دعم الحكم الإسلامي فى مصر ودفع الإخوان المسلمين للوصول للرئاسة، ولم يتمكن الرئيس الإخوانى محمد مرسى من زيارة واشنطن، حيث لم تدم فترة حكمه سوى عامًا واحدًا وثار عليه الشعب المصرى مجددًا دفاعًا عن هويته التي حاول الإخوان تغييرها، إلا أنه حضر اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك.
وتحول الدعم الأمريكي للإخوان إلى حالة عداء تجاه الشعب المصرى عقب ثورة 30 يونيو، التى أطاحت بالجماعة الإرهابية وأجهضت مخطط واشنطن، حيث عاقبت الإدارة الأمريكية مصر على ثورتها بقطع المعونات العسكرية وتوتر فى العلاقات دام خلال السنوات الماضية، ولم يزر الرئيس عبدالفتاح السيسي واشنطن خلال السنوات الأخيرة لعهد أوباما، إلا أن نيويورك شهدت فى سبتمبر 2014 عقد قمة بينهما على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
بوادر جديدة مع ظهور السيسي:
بدت العلاقات المصرية الأمريكية، مع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكأنها تأخذ منحنى جديدًا، خاصة بعد تولي الرئيس دونالد ترامب، الذي بدأ داعمه للرئيس السيسي، معتبرًا إياه رمزًا من أهم رموز محاربة الإرهاب والتطرف، وأنه سيساعد وبشكل جدي في مواجهة العمليات التي يقوم بها جماعة الإخوان، التي من أهم أهدافها زعزعة الاستقرار، فقط لكونهم غير قادرين على قبول فكرة رفضهم، من قبل المحيطين بهم.
تصرف غريب:
أعلنت الإدارة الأمريكية قرارا، يعد غريبًا من نوعه، وهو تخفيض بعض المبالغ المخصصة في إطار برنامج المساعدات الأمريكية لمصر، سواء من خلال التخفيض المباشر لبعض مكونات الشق الاقتصادي من البرنامج، أو تأجيل صرف بعض مكونات الشق العسكري، والأغرب أنها السبب وراء اتخاذها لهذا القرار، هو أنها تعتبر أن مصر لا تحترم حقوق الإنسان، تلك الدولة التي اشتهرت بممارسة ابشع الإنتهاكات ضد معتقليها في غوانتانامو، وعدم إعطاء نسبة كبيرة من المواطنين حقوقهم، فقط كونهم يعتنقون العقيدة الإسلامية.
مصر مستقلة:
خرجت الخارجية المصرية، بموقفٍ يعد مشرفًا يؤكد أن مصر ستظل مستقلة، وأنها لا تنتظر معونات أو مساعدات من أي جهة أو دولة، فوفقًا للبيان الصادر عنها، مصر تعتبر هذا الإجراء يعكس سوء تقدير لطبيعة العلاقة الإستراتيجية التي تربط البلدين على مدار عقود طويلة، وإتباع نهج يفتقر للفهم الدقيق لأهمية دعم استقرار مصر ونجاح تجربتها، وحجم وطبيعة التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجه الشعب المصري، وخلط للأوراق بشكل قد تكون له تداعياته السلبية على تحقيق المصالح المشتركة المصرية الأمريكية.
علامات استفهام:
لا تزال النتائج تحيط بها العديد من علامات الاستفهام، ومن الصعب أن نخمن ما الذي ستصل إليه العلاقات المصرية الأمريكية، خاصة بعد إلغاء اللقاء الذي كان من المقرر أن يجمع بين وزير الخارجية سامح شكري، وكبير مستشاري دونالد ترامب، جاريد كوشنر، وهو ما يزال نقطة غامضة فيما إذا كان قرار الإلغاء نابعًا من مصر أم من الولايات المتحدة، وما يزيد الأمر غموضًا، هو البيان الصادر عن الرئاسة المصرية، والذي يؤكد أن الرئيس السيسي، من المنتظر أن يجري لقاء مع كوشنر اليوم.
ختامًا:
ربما يحيط بهذا الأمور غموضا والعديد من علامات الاستفهام، وبالتأكيد سنفكر في العديد من الاستنتاجات، لكن وما يعد مؤكدًا، هو أن مصر خرجت ببيانٍ لتعلن عن كلمتها وموقفها، وتؤكد أنها وشعبها وحكومتها سستظل تحافظ على استقلالها، وأننا لا ننتظر يد العون من أحد.