"الدولة العباسية والقدس" اضطرابات واستقرار عقب ثورة المبرقع

الجمعة 01/يونيو/2018 - 05:54 ص

وسيم عفيفي

جاء سقوط الدولة الأموية سنة 132ﻫ الموافق 749م، ومعه سقوطها بدأ تغير مستقبل القدس عندما تولى العباسيون الخلافة، وكانت فلسطين في العصر العباسي جندا تابعا لدمشق من الناحية الإدارية، وعين عليها أبو العباس يحيى بن جعفر الهاشمي حتى سنة 133ﻫ الموافق 750م.

مسجد الخلفاء العباسيين

اهتم العباسيون اهتماماً كبيراً بمدينة القدس، وتمثل هذا الاهتمام بشكل خاص صورة في عهد الخليفة العباسي الثاني أبو جعفر المنصور، حيث يذكر المسعودي في كتابه "مروج الذهب" أنه في سنة 141ﻫ الموافق 758م، زار المنصور مدينة القدس، فصلى فيه لنذر كان عليه وانصرف.
أظهر أبو جعفر المنصور رعاية تامة للمسجد الأقصى، خاصة بعد أن ضربه زلزال هدم بعض أقسامه، كما يذكر ذلك المقدسي في كتابه "أحسن التقاسيم"، أن الخليفة أمر ببناء المسجد وأروقته بطريقة أفضل مما كان عليه من قبل، وكان ذلك في سنة 154ﻫ الموافق 771م.

أبو جعفر المنصور وآله .. هكذا كان الحال

عملة من عهد أبي جعفر المنصور

مما يذكر عن أبي جعفر المنصور أيضاً في إجراء بعض التغييرات في المسجد الأقصى أنه حين كانت أبواب المسجد في زمن الأمويين ملبسة بصفائح من الذهب، والفضة، ولكن أبا جعفر المنصور أمر بقلعها، وصرفها دنانير تنفق على المسجد.

اهتم الخليفة العباسي المهدي بالقدس، فكانت سياسته ترضية سكان البلاد الإسلامية، ومن بينها بلاد الشام، فقام بزيارة إلى دمشق والقدس، وحاول تسوية الخلاف بين القبائل العربية في بادية الشام.

أما في خلافة المهدي، فقد حدث زلزال فوقع البناء الذي كان أمر به أبو جعفر المنصور، فأمر ببنائه من جديد، ومما زاد في أهمية القدس، العلاقات الدبلوماسية بين الخليفة العباسي هارون الرشيد وشارلمان ملك الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وكل ذلك يشير إلى مدى احترام المسلمين العالم والخليفة العباسي هارون الرشيد تجاه المسيحيين، وذلك بتوكيد الحرية الدينية للمسيحيين، وفسح المجال لرعاياهم في زيارة المدينة.

المأمون وقبة الصخرة .. إنجاز منسي

عملة من زمن المأمون

البناء الضخم لبناء قبة الصخرة هو الذي دفع بالخليفة المأمون، بأن يجعل فنانيه ورساميه، أن ينسب بناؤها إليه بدلا من الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وليس في شك أن باني هذه القبة هو عبد الملك بن مروان، ويؤيد ذلك الكتابة الكونية المنقوشة حول القبة المؤرخ إلى سنة 72ﻫ الموافق691م.
وقد تهدم، فرمم على عهد المأمون فغير الرسام المرمم اسم عبد الملك في النقش، وجعله "عبد الله" وأضاف إليه اسم المأمون، إلا أنه نسي تغيير التاريخ.

ثورة المبرقع المياني

الجيش العباسي في عهد المعتصم

ثار المبرقع اليماني في عهد الخليفة المعتصم، وسبب خروجه على الخلافة العباسية،حسب ما يرويه لنا الطبري: "أن الجند أراد النزول في داره "دار المبرقع"، وهو غائب عنها، وفيها إما زوجته أو أخته فمانعته ذلك، فضربها بسوط كان معه، فاتقته بذراعها، فأصاب السوط ذراعها فأثر بها وأرته الأثر الذي بذراعها من ضربه.

دينار المعتصم بالله

أخذ أبو حرب سيفه ومشى إلى الجندي وهو غار"غافل" فضربه به حتى قتله، وبعد ذلك هرب أبو حرب إلى أحد الجبال ولبس برقعا حتى لا يعرف، وأخذ يدعو إلى إقامة الحق والعدل، كما انه تبنى الدعوة لإعادة الحكم إلى بني أمية، وتبنى فكرة السفياني مما جلب له مزيدا من الأنصار والمؤيدين خارج نطاق فلسطين".

استجاب لأبي حرب عدد كبير من الفلاحين، وهم الفئة الأكثر تضرراً من سياسة الأتراك في الدولة العباسية، وكما حازت هذه الثورة على تأييد القبائل القيسية واليمانية في آن معاً، فساعدتها مجموعات من سكان دمشق وحمص وتدمر والأدرن، مما يعطي انطباعاً صادقاً، وهو أن مصير سكان بلاد الشام كان وما زال واحداً.

الصخرة المشرفة التي عرج منها النبي محمد إلى السماء

تأثرت القدس إيجابيا بثورة المبرقع، إذ رحب أهالي المدينة بمختلف فئاتهم الاجتماعية وديانتهم بمبادىء الحركة وقائدها خاصة أنه خفف عنهم الضرائب بما فيها الجزية.

وكما يذكر الباحث لؤي محمد أبو السعود فقد تراجع تأييد المبرقع بعد دخوله إلى المدينة، إذ بدأت تصدر عن أتباعه ممارسات كان منها نهب الكنائس والأديرة والمساجد؛ مما دفع بسكانها إلى الهرب منها، هذا بالإضافة إلى محاولات لحرق كنيسة القيامة، إلا أن بطريرك القدس يوحنا السادس دفع مبالغ مالية من أجل منع ذلك.
عندما تولى المعتصم الحكم كلف رجاء بن أيوب الحضاري القضاء على تمرد المبرقع، فالتقوا في الرملة، فقتل من أصحابه نحو عشرين ألفا، وأسر أبا حرب، وبذلك انتهت الثورة.