"معاناة "ابن النيل" مع مهنة "الصبر": بدفع إتاوات على الزريعة
تعد حرفة من الحرف الشعبية التي توارث محبتها الآباء عن الأجداد، ورغم المخاطر والتحديات التي يواجهها ممارسو المهنة فإن عشقهم للبحر والمهنة في ازدياد دائم، تعود الحرفة على الأقل إلى فترة العصر الحجري القديم التي بدأت قبل نحو 40.000 سنة مضت.
تعتبر أكثر أشكال الرياضيات التي تتطلب صبرًا طويلًا يقوم الصيادون باستخدام عصي بسيطة وتقليدية من الخيزران ويستخدم غيرهم قصبات قابلة للتمديد أو قصبات من 3 أجزاء وتكون مصنوعة إما من ألياف الزجاج أو من الكارتون، يستخدم سبيي مصنوع من النايلون أو خيط عبارة عن ضفيرة ومعدات إضافية تتطلب مهارات أكبر.
"على البحار" بن محافظة المنيا، انزلق من صعيد مصر، كى يعمل في مهنة عشقها من طفولته، يبلغ من العمر 67 عامًأ، سرد عبر تفاصيل يومه في عرض النيل ذهابا وإيابًا، يظهر عليه شقي الحياة عافر بين أضلعها طويلا كي يشق طريق رزقه ويحفر رحلة كفاح طويلة أراد من خلالها أن يتعلم خبايا مهنة عبر سنوات رُسِمت متاعبها على وجهه.
الرجل الستيني، يبدأ يومه بنشاط وعزيمة قوية، اعتاد الإستيقاظ مبكرا مع آذان الفجر، يناجي ربه في سجوده بان يرزقه برزق وفير من عنده، ويقرأ آيات من القرآن متوكلا على رب كريم عطّاء، يذهب مع ابنه الصغير الذي اراد أن يعلمه المهنة وأسرارها، يضيف:" جيت القاهرة سنة 1960 وبدأت رحلتي مع الصيد عمومًا.. بصحي الصبح بدري قبل الفجر يوميًا أقوم اتوضا وأنزل اصلى وبعدين اقرأ شوية قراءن عشان ربنا يفتح علينا وببدأ استعد للنزول مع ابني ".
"السنارة والقارب" أصدقاؤه المخلصون فهم لا يفارقوه أبدا طيلة عمله في البحر، بين الأمواج المختلفة وفي اصعب الظروف، كافح بين الجزر النيلية أعوامًا مديدة، عاش من خلالها في قاربه الصغير مع أولاده كى يورثهم المهنة وخباياها كى يبقي على كنف الحياة بسيرته وخبرته.
أحب المهنة منذ نعومة أظافره، يقول:"منذ الطفولة وأنا في المهنة دى بحبها وبعشق النيل بحاول أخد ولادي عشان يفهموها ويتعلموها مع الوقت.. بفضل في البحر اصطاد سمك بالشباك الكبيرة اللى هناك ده لحد آخر النهار وبروح على أذان العشاء".
وعن مشاكل المهنة قال "البحار": "النيل عيبه الوحيد انه مليان جزر كتير والمصيبة الأكبر إن في ناس بيعتبروا نفسهم صحابها بيفرضوا إتاوات علينا إحنا من وقت للتاني أوقات بتكون الضريبة غالية وأوقات بسيطة على حسب الرزق، بيسألوا الواحد فينا مكسبك كام ويحاول ياخذ منك النص وده مينفعش لانه بيكون تعب طول النهار وشقيان عليه ".
بنبرة يملؤها الحزن، وعينيه مليئة بالدموع، يتذكر فيها أوقات قضاها مع البحر ومعاناته الدائمة مع لقمة العيش، التي جار عليها الزمن، وأصبح حال الثروة السمكية لا يسر عدوا أو حبيبا، يضيف:"أصحاب المزارع بياخدوا فلوس تحت بند تنمية الثروة غير الإتاوة على الزريعة بالعافية وبيبعوها تاني ايه الفايدة.. بضطر أدفع عشان أعيش ويكمل يومي على خير، ساعات يا أستاذ بدفع 30 جنيه وساعات 100 جنيه والله على حسب أنا كسبت كام وطلعلى كام في يومي".
تاريخ طويل مع مهنة الصيد، يسردها "بن النيل"، يضيف:"عاصرت كل رؤساء الجمهوريات من أول جمال عبد لناصر لحد دلوقتي..النيل هو النيل لم يتغير بحب المية جدا.. والتعامل جوه بين الجزر أحضان المياة دفء وهدوء وراحة لا توصف".
يعيش الرجل الستيني بصعوبة بالغة بسبب معاناة المعيشة وحال الثروة السمكية، وغلاء الأسعار الذي ضرب الحالة الإقتصادية مؤخرا، فلم يعد مكسبه يجدى معه، أو يسد جوع أهل بيته، يستكمل:"بكسب 200 جنيه لما تكون الدنيا هادية وجميلة.. بتوصل أوقات لـ 500 جنيه بالمصاريف.. وكله على الله.. ساعات بفضل في المركب لما الجو حلو ويبقي كويس لكن لو الجو برد أوى في الشتاء بروح البيت وبنزل الشغل بتاعى الصبح عادى في يومي الجديد".
تعددت معاناة الصياد الماهر، يضيف:" بجري على معاش وتأمين ليا بقالى فترة ومحدش ساءل فينا، رحت وزارة التضامن أكتر من مرة وبعدين مفيش فايدة رحت مصلحة الجوازات جايز هناك يفيدوني بحاجة.. ولحد دلوقتي مفيش جديد.. بناطلب بس بحقوقنا بالتأمينات على العمالة غير المنظمة".