" أولاد الذوات ".. أول فيلم مصري ناطق.. عرض قصة حقيقية وتسبب في أزمة سياسية
الجمعة 29/يونيو/2018 - 08:02 م
مريم مرتضى
طباعة
اختلف المؤرخون في تحديد بداية السينما في مصر فهناك من يقول أن البداية في عام 1896م، مع عرض أول فيلم سينمائي في مصر، في حين رأى البعض الآخر أن بداية السينما في 20 يونيو 1907 مع تصوير فيلم تسجيلي صامت قصير عن زيارة الخديوي عباس حلمي الثاني إلى معهد المرسي أبو العباس بمدينة الإسكندرية، وفي عام 1917م أنشأ المخرج محمد كريم شركة لصناعة الأفلام وعرضها بمدينة الأسكندرية، واستطاعت هذه الشركة إنتاج فيلمين صامتين هما "الازهار الميتة" و"شرف البدوي" وتم عرضهما في مدينة الإسكندرية أوائل عام 1918م، وفي عام 1932م تم إنتاج وعرض فيلم " أولاد الذوات " وهو أول فيلم مصري ناطق قام ببطولته يوسف وهبي و أمينة رزق، وقد كان الفيلم بمثابة رسالة قدمها عميد المسرح العربي عبر شاشة السينما أزعجت الغرب كثيرًا وخاصة الفرنسيين حيث استهجنوا فكرة أن يصف العرب المرأة الفرنسية بالمادية الكاذبة !
قصة الفيلم مُستلهمة من قضية شاب مصري ثري يُدعى " علي فهمي "، كانت تجمعه علاقة حب بـإمرأة أجنبية، في لندن ودون أسباب تُطلق عليه النار، ووقف محاميها أمام المحكمة مهاجمًا الشرقيين واصفًا إياهم بـ " التخلف والوحشية "، بدلًا من الدفاع عن موكلته، ولم يُقدم دليلًا واحدًا على وحشية " فهمي "، غير أنه رجل " شرقي متوحش جنسيًا " لا يفي بوعوده في الإنفاق، وحصلت " مارجريت " التي قتلت فهمي على البراءة.
الأمر أثار غضب قطاع كبير من المصريين، ومن ضمنهم الفنان الكبير يوسف وهبي والمخرج محمد كريم وقررا إنتاج فيلم يسرد تلك القصة فكان " أولاد الذوات "، الفيلم الذي أثار جدلًا واسعًا، ودفع الصحف الغربية لمهاجمة القائمين عليه، وقد صرح يوسف وهبي، خلال لقاء نادر له، إنه أصر على أن يكون " أولاد الذوات " هو أول فيلم ناطق، وذلك دفاعًا عن الشرق الذي وصفه الغربيون بأنه همجي ومتوحش وتافه أثناء محاكمة المرأة التي قتلت الشاب المصري.
وأضاف وهبي أن المحامي استطاع أن يستعطف المحكمة ويبرئ موكلته رغم أنها قاتلة، حينما قال: " لا تغتروا بمظهر الشرق عندما يرتدي الثياب الأجنبية لأنه يخفي تحتها نفسية وحش همجي تافه ".
فيلم أولاد الذوات
تم تصوير الفيلم بين مصر وباريس، وتم عرضه لأول مرة في 14 مارس 1932م، وجمع عددًا من رواد الفن في مصر، إذ أخرجه محمد كريم، وشارك في التمثيل يوسف وهبي، ودولت أبيض، وأمينة رزق، وشاركت كوكب الشرق أم كلثوم بالغناء فيه، وحمل رسالة من يوسف وهبي إلى الغرب مفادها أن الشرقيين ليسوا وحوش أو مجتمع رجعي بل النقيض هو الصحيح، فالكثيرات من السيدات الأجنبيات تتطمع في أموال الشباب المصريين، ولا تحترمن الكرامة والشرف ولا الأخلاق.
غضب الغربيون كثيرًا فكيف للشرق أن يصف المرأة الفرنسية بـ الكاذبة المادية ؟ واعتبروها إهانة للغرب، وهاجمت الصحف الغربية صناع الفيلم، خاصة يوسف وهبي وأرسلت له مئات الرسائل، وكان رد يوسف وهبي وقتها أن أشعلها جميعها ليشعر بالتدفئة داخل منزله.
ولم يتوقف الأمر عند حد الصحافة، بل أن بعض الأجانب في مصر، قدموا شكوى لوزارة الداخلية ضد فيلم أولاد الذوات وطالبوا بمنعه من العرض لأنه يتضمن أسبابًا للنفور، وذلك بحسب مذكرات المخرج محمد كريم.
مشاكل واجهت الفيلم
لم تكن قضية الفيلم هي الجدل الوحيد عنه، بل كونه أول فيلم ناطق في السينما المصرية جدلًا آخر، فقد رأى بعض النقاد أن فيلم " أنشودة الحياة " هو أول فيلم ناطق إذ أنتج قبل " أولاد الذوات " وتأخر عرضه، والبعض الآخر شدد على أن " أولاد الذوات " هو أول فيلم ناطق بالفعل، بينما " أنشودة الحياة " يُعد أول فيلم غنائي.
أيضًا واجه الفيلم مشكلة أخرى في تكلفة الإنتاج، حيث كان من المقرر تصويره في "برلين"، إلا أن التكلفة العالية منعت فريق العمل من التصوير بإنجلترا وسافروا إلى فرنسا، والمفارقة أن الفيلم الذي هاجمته الصحف الغربية على رأسهم فرنسا، واتهمته بإهانة المرأة الفرنسية شارك فيه عدد من الفنانين الفرنسيين بينهم الممثلة " كوليت دارفوي ".
فيلم أولاد الذوات