"صلاح عبدالصبور" الأب الروحي لـ الشعر الحر .. لاحقته تهمة واحدة حتى وفاته

الإثنين 03/سبتمبر/2018 - 02:00 ص

شيماء اليوسف

ما الفقر ؟ ليس الفقر هو الجوع إلى المأكل أو العرى إلى الكسوة، الفقر هو القهر، الفقر هو استخدام الفقر لإذلال الروح، الفقر هو استغلال الفقر لقتل الحب وزرع البغضاء.. كلمة من بحور كلمات الشاعر صلاح عبد الصبور، الذي رحل وترك أعماله وكتاباته باقية تعيش في دواخلنا، يتجول محبيه حيث حدائقه، يطوفون كل بساتين أشعاره، رائد الشعر العربي الحر الراحل الخالد.

صلاح عبدالصبور

كيف نكتب عنه وكتابته تحكي عنا، تسرد أدق تفاصيل مشاعرنا وحياتنا! لا يمكن وصف ذاتيته وتجربته الشعرية سوى بالصدق، عبرت تعبيراته عن أحلامه المتساقطة من فوق نخيل واقع فاجر في متاعبه، خلق من أشعاره عالم أخر، يترنم على أصداء صوت ملائكي يبعث في النفوس رسائل حميمة، كأنها قادمة من الجنة، جاءت لتحيي في المحبين جنان مفقودة.

صلاح عبدالصبور

ربّي قصدُهُ للقلب ولا يَرضى بغيرِ الحُبّ.. على خطى الحب سار شاعرنا الفارس في مضمار الشعر الحديث، كأن الحب سارع في الهروب إليه من داخل أرواح العاشقين ليتعلق في ثوبه ويعدو به إلى خلوته فيكتب سيرته المشتعلة بين الأحبة، كان فصيح جدا كعادة الشعراء ذات الحروف الصلبة، المصقولة بالبلاغة الحكيمة ولكنه كان بسيطا للغاية لغته سلسة محملة بالحنين، منتمية إلى خضم الحداثة.

صلاح عبدالصبور

الشاعر المصري الراحل، ابن محافظة الزقازيق، ولد في أحضان، الثالث من مايو عام 1931م، كانت له مساهمات بارزة في التأليف المسرحي ومن بعض مؤلفاته المسرحية ليلى والمجنون، ودواوين عدة في المؤلفات الشعرية كان أولها ديوان " الناس في بلادي" يعتبر صلاح الحواكتي، رائد الشعر العربي الحر ومن رموز الفكر المتأثر بالفكر الغربي.

درس رائد الشعر الحر، اللغة العربية في جامعة القاهرة وتتلمذ على يد الشيخ أمين الخولي، الذي ضمه جماعة " الأمناء والجمعية الأدبية" وكانا لهما تأثيرا كبيرا على حركة الإبداع العربي والنقدي في مصر، عين مدرسا في وزارة التربية والتعليم فور تخرجه ثم استقال من الوظيفة ليعمل في الصحافة، حيث عمل محررا بمجلة " روز اليوسف " ثم " جريدة الأهرام" وقد استفاضت شهرته بعد نشر قصيدة " شنق زهران ".

كتاب عن صلاح عبدالصبور

اتهم عبد الصبور أنه قبل منصب رئيس مجلس إدارة هيئة الكتاب، طمعا في الحصول على المكاسب المالية، متناسيا واجبه الوطني في التصدي للخطر الإسرائيلي، الذي يسعى بكافة الطرق والألاعيب للتطبيع الثقافي، وأنه يتحايل بنشر كتب بلا جدوى خوفا من المساءلة السياسية.

ترك عبد الصبور إرثا عريضا من الإبداعات الأدبية الشعرية والمسرحية والقصصية أثرت في أجيال متنوعة من شعراء وكتاب مصر والوطن العربي لاسيما جيلي السبعينيات والثمانينيات، كان أخر منصب تقلده، رئيسا للهيئة العامة للكتاب وقد حصل على العديد من الجوائز كجائزة الدولة التشجيعية عن مسرحيته الشعرية " مأساة الحلاج " عام 1966م، وقد حصل بعد وفاته على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1982م، وفي العام نفسه حصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة المنيا وبغداد.

كان له إسهامات عدة في التنظير الأكاديمي للشعر خاصة في عمله النثري " حياتي في الشعر " وقد سار في درب التجديد مودعا القصيدة التقليدية زارعا في غاباتها الألغام، ليخرجها من زحام التكرار والصنعة، وقد حازت أعماله على اهتمام الباحثين والدارسين ولم تخل أي دراسة نقدية تتناول الشعر الحر إلا وأشارت إلى أشعاره ودواوينه.

صلاح عبدالصبور

شيئا ما في شعره ! قد يظل عصيا على مر الزمن.. شيء كالجمر الذي لا يخبو تحت الرماد، شيء يتخلل روحه الشجية ما دفع النقاد أن يلقبوه بالشاعر الحزين.. مفكر يطرق باب شعراء الماضي، قد يتفق أسلوبه المخضرم مع كثير من الشعراء مثل بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي.
لوحة حزينة ترسمها أحرفه، وكأنها خارطة عمر طويل من العبث القهري في روحه، تراث من الشجون يغمر مشاعره، قد يكون نابع من صميم رحلاته الحياتية وتجارب الحياة القاسية وقد يكون ورثه عن كتابه وقراءته الواسعة لشعراء وجدوا في الشجن ضالتهم وملاذ كتباتهم مثل " بودلير الفرنسي ولوركا الأسباني " حيث كانا يقاسماه فكرة الحزن:

في كل مساء
حين تدق الساعة نصف الليل،
و تذوي الأصوات
أتداخل في جلدي أتشرب أنفاسي
وأنادم ظلي فوق الحائط
أتجول في تاريخي، أتنزه في تذكاراتي
أتحد بجسمي المتفتت أجزاء اليوم الميت
تستيقظ أيامي المدفونة في جسمي المتفتت
أتشابك طفلا وصبيا وحكيما محزونا
يتألف ضحكي وبكائي مثل قرار وجواب