"سحر الموسيقى العربية" نغمات ومقامات أوشك على الانقراض لصعوبتها
الأربعاء 05/سبتمبر/2018 - 05:01 م
إسلام مصطفى
طباعة
الموسيقى ليست مجرد أصوات تُصدرها تلك الآلات التي يحملها العازف الموسيقي ويشرع بشد أوتارها، أو الدق عليها، إنما هي حالة يعيش فيها المستمعون، حالة من الهيام الذي يأخذك في عالم آخر يخضع فيه الوجدان لمُفردات الموسيقى، التي ولدت مع تمخض الكون عن الخليقة، إلا أنها تطورت بتطور البشرية، لاسيما وأنها اللغة الأسهل على كل بشري، فاللغة التي لا تحمل حروفًا، لا تعقيد فيها، ولهذا نجد أن المصريين القُدماء برعوا فيها، ولم يقفوا عند تأليف مقامات موسيقية فرعونية، بل تخطوها إلى صناعة الآلات الموسيقية المُميزة، فماذا تعرف عن المقامات الموسيقية؟
تركيبة موسيقية سحرية
تركيبة موسيقية سحرية
المُستمع الجيد للأغاني والموسيقى العربية القديمة، لاسيما طرب الفن الجميل، لا يجد لذة فيما يوجد على الساحة الغنائية الآن، وهذا يعود إلى سر التركيبة السحرية في الموسيقى العربية، التي توصل الجميع إلى حالة من السكون والهدوء، مقامات موسيقية شارفت على الانقراض إن جاز التعبير، والتي اعتمد عليها موسيقيين زمن الطرب الجميل، كما يُطلق عليه "السميعة".
وبحسب ما أورد في العديد من الدراسات حول الموسيقى العربية، فإن المقامات الموسيقية كثيرة جدًا، حيثُ ذكرت بعض المصادر أنها تتخطى الـ200 مقام، ورغم ذلك لم يشتهر منها إلا حوالي 8 مقامات فقط، والتي تدريسها في معاهد وكليات الموسيقى، ويختصرونها في جملة "صُنع بسحرك"، والتي يُمثل فيها كل حرف أول حرف من اسم مقام بعينه.
ويُعرف المقام الموسيقي بأنه مجموعة من الأصوات الموسيقية المحصورة بين صوت وجوابه؛ أي تكراره؛ في صورة تُشبه تتابع سلمي من درجة حتى الدرجة الثامنة لها على السلم الموسيقي، والتي تُعد تكرارًا للنغمة.
"صُنع بسحرك" موسيقى تأخذك إلى عالم آخر
والمقامات الموسيقية العربية، كلًا منها يتميز عن الآخر، ويعود ذلك إلى الاختلاف في الأبعاد بين الدرجات الموسيقية، واختصر الموسيقيين المقامات الموسيقية في عبارة "صُنع بسحرك"، فالصاد، تُعبر عن مقام "الصبا"، وهو مقام عربي أصيل، وموسيقاه تكون حزينة، وفيه يُعبر العازف عن حالة من الشجن، تُدخل المُستمع إليها إلى عالمه.
وهو مقام شرقي أصيل، يُستخدم غالبًا في المارشات العسكرية، لما في نغماته من قوة، لاسيما وأن موسيقاه تعكس حالة من العظمة والفخر، والانتصار التي تتلبس الجيوش، بل نغماته تُحفز الجنود على القتال، وُلهب بهم الحماسة، ولذلك كان الجنود على الجبهة خلال حرب 73 لم يستغنوا عن الموسيقى.
والباء هي اختصار لمقام "البيات"، أو أبو المقامات كما يطلق عليه الكثير من الموسيقيين، لاسيما وأنه يُستخدم في الكثير من حالات التوزيع الموسيقي، حيثُ يعكس حالات الحب والشجن والسعادة والخشونة أحيانًا؛ لاتسامه بالهدوء، وتعود تسميته إلى عائلة البياتي العراقية.
والسين تُعبر عن مقام "السيكا"، وهو مقام العُشاق كما أطلق عليه العديد من الموسيقيين، لما في موسيقاه من حالات البهجة التي يبثها في نفوس المُستمعين، فضلًا عن أنه يُسري في أجساد المُستمعين حالة من الراحة النفسية والسمو بالمشاعر، أما الحاء فهي اختصار لمقام "الحجاز"، وتعود تسميته إلى مدينة الحجاز في الجزيرة العربية، وكثيرًا ما يستخدمه المُقرئين في تلاوة القرآن، ويتسم بإضفاء حالة من الروحانيات، ورقة القلب، فضلًا عن حالة الخشوع التي يبثها في قلوب المُستمعين.
والمقام السابع هو مقام "الرست"، أي المُستقيم عقب ترجمته من التسمية الفارسية، وهو المقام المُستخدم من قِبل قُراء مكة المُكرمة والمدينة المنورة في قراءة القرآن الكريم، وأخيرًا مقام "الكرد" ويرى الموسيقيين أنه أحد أفرع مقام البيات العراقي، فيما يعتبر آخرون أحد أفرع مقام "النهاوند" الفارسي، وذلك لتشابهه بالمقامين.
ومقام الكُرد هو المقام المُستخدم في أغلب الألحان الحالية، ولهذا السبب اعتبره الكثيرون مقامًا مُستقلًا بذاته، وتعكس موسيقاه حالات الانكسار والضعف التي تتسم بها الأغاني الحالية.
ويُعبر حرف النون عن مقام "النهاوند"، وهو مقام فارسي الأصل، وتعود تسميته إلى مدينة نهاوند، وتعكس موسيقاه حالة عاطفية، لا تخلو من الفرح والحُزن الممزوجين ببعضهما في نفس الوقت، أما المقام الثالث، فهو مقام "عجم"،
مقامات شارفت على الانقراض
وهناك مجموعة من المقامات الموسيقية النادرة الاستخدام، بل تكاد تنقرض إن جاز التعبير؛ اندرة استخدامها، ومن بين تلك المقامات الموسيقية مقام "اللامي"، وهو فرع من فروع مقام الكُورد، وتعود تسميته إلى قبيلة "لامي" العراقية، التي استخدمته في رعي الإبل، وبعدما استخدمه الموسيقار العراقي صالح الكويتي في تلحين العديد من الأغاني العراقية خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي أصبح لها صدى على الساحة الموسيقية بالعراق، ويتميز بعدم ركوزه؛ بمعنى أنه حتى بعد انتهاء الأغنية يشعر المُستمع أنها لم تنتهي بعد ومازال هناك بقية.
وقد أدخله إلى مصر الموسيقار الكبير محمد عبد الوهًاب، عقب زيارته للعراق عام 1923، التي التقى فيها الموسيقار صالح الكويتي، أُعجب بالمقام، ودونه في النوتة الموسيقية الخاصة به، وبمجرد عودته إلى القاهرة، لحن به أغنية "يا اللي زرعتوا البرتقال"، واستخدمه في العديد من أغانيه فيما بعد منها "اسمح وقولي"، كما أنه المقام المُستخدم في تلحين أغنية "تسلم إيدين اللي اشترى" لمحمد عبد المُطلب.
ويُعتبر مقام "النهاوند المُرصع" من المقامات التي شارفت على الانقراض، لاسيما وأنه أحد المقامات التي دخلت مصر خلال الحُكم العُثماني، إلا أنه مُصرت، واتخذت طابع مصري، ولصعوبة هذا المقام لم يتم استخدامه في تلحين أغاني كاملة، إلا أنه يُذكر أن هناك أغنية واحدة استخدمته في تلحينها كاملة، وهي أغنية "علمني الحُب" للمُطربة اللبنانية صباح.
ويُعتبر مقام "المجس" أحد أفرع المقامات الحجازية التي لا يُجيدها إلا أهل مكة والمدينة والحجاز، وهو مقام قديم قِدم الجاهلية، إذًا فهو مقام عربي أصيل، حيثُ استخدمه العرب في الجاهلية في تلحين أناشيدهم، وهذا المقام يصعب على المُطربين المصريين أو غيرهم غناءه، وبرغم ذلك لا يسهل على كل مُطربي الخليج، ولكن برع فيه المُطرب طلال مداح، الذي عرف عليه الموسيقار محمد عبد الوهاب عند قدومه إلى مصر، خلال لقاؤهما في بيت الأخير، والذي استغرب صعوبة ذلك المقام، الذي لم يسمع به من قبل.
وهناك مقام لم يتم استخدامه إلا نادرًا في خلال أغاني الطرب الجميل، ولم يُستخدم بعد من الأساس؛ لصعوبته، وهو مقام "نكريز"، ويُعني في اللغة الفارسية "لا تهرب"، ومن الأغاني التي أُدخل في تلحينها هذا المقام "بعيد عنك" لأم كلثوم، هذا بالإضافة إلى قصيدة "كحلت الجفون بالكُحل" لمحمد عبد الوهَاب، التي استخدمت هذا المقام في تلحين الجُزء الأول منها، فضلًا عن أُغنيتي "جرب نار الغيرة" لوردة الجزائرية، و"أحن إليك" لعبد الحليم حافظ.