من المولد للرحيل .. مسيرة يوسف وهبي الخارج عبر السيرك إلى الفن

الأربعاء 17/أكتوبر/2018 - 06:24 م

ميرنا عادل

فنان الشعب، عميد المسرح العربي، يوسف بك وهبي، لم يكن وهبي كأي فنانا أخر فهو ارتقى بفنه الذي كان شغفه الوحيد وارتقى بشخصية الفنان الذي كان يعتبره بعض الناس مجرد "مشخصاتي".

ولد يوسُفُ عبد الله هديب وهبي قطب الشهير بيوسف وهبي في الفيوم عام 1898، وكان والده عبد باشا وهبي يعمل مفتشا للري في الفيوم، تلقى وهبي تعليمه بالمدرسة السعيدية بالجيزة، كما عمل مصارعا في "سيرك الحاج سليمان" ببداية شبابه لكن ذلك لم يكن شغف وهبي الحقيقي، فعندما شاهد فرقة الفنان اللبناني سليم القرداحى في سوهاج قرر وهبي الصغير امتهان التمثيل، وسافر بعدها إيطاليا ليتعلم أصول المسرح والتمثيل، ورجع المحروسة ليشترك في فرقة حسن فايق وعزيز عيد.

يوسف وهبي

بعدما مات أبوه الباشا أخذ يوسف ميراثه وأسس به فرقة رمسيس المسرحية مع عدد من الممثلين الكبار مثل عزيز عيد ومختار عثمان وحسين رياض، وأحمد علام، وفتوح نشاطي، وزينب صدقي، وأمينة رزق، فاطمة رشدي، وعلوية جميل، واُفتُتِح مسرح رمسيس في 1923، وكانت معظم مسرحياتها في بداياتها مترجمة عن أعمال عالمية لشكسبير وموليير، وهو ما ميزها عن مسرح نجب الريحاني وعلي الكسار بذلك الوقت.

قدمت الفرقة عددًا كبيرًا من المسرحيات وصل إلى أكثر من 300 مسرحية مثل: كرسي الاعتراف، راسبوتين، المائدة الخضراء، بنات الشوارع، أولاد الفقراء، وبيومي أفندي.

اهتم وهبي بتوعية جمهور المسرح، وتغيير الاهتمام بالمسرح الهزلي إلى المسرح الجاد، وقد منع التدخين في قاعات العرض، وعمل على احترام مواعيد رفع الستار، وكلفته الحكومة عام 1933م بتشكيل فرقتها المسرحية التي كانت نواة المسرح القومي فيما بعد، وبجانب التمثيل استثمر وهبي موهبته في التأليف والإخراج المسرحي أيضا، فمثل 302 عملا من المسرحيات العالمية، وأخرج منها 185 مسرحية، وقام بتأليف 60.

البداية السينمائية لعميد المسرح كانت في عام 1930 عندما أسس مع المخرج محمد كريم شركة رمسيس وكان فيلم زينب لبهيجة حافظ هي باكورة أعمالها، ليأتي بعدها أولاد الذوات والدفاع والمجد الخالد الذي كتبه وأخرجه ومثل فيه.

فترة الأربعينيات كانت بداية التألق الحقيقي لوهبي حيث كون ثنائي مميز مع ليلى مراد وقتها؛ فقدما ليلة ممطرة 1939، ليلى بنت الريف 1941، وليلى بنت المدارس 1941.

غزل البنات

بعدها كون وهبي مع القديرة أمنية رزق أشهر ثنائي درامي على الإطلاق من خلال بدايتهم في فيلم "الطريق المستقيم"، بعدها قدمت رزق مع وهبي 10 أفلام، في سنة 1944 قدم وهبي مع الجميلة أسمهان غرام وانتقام الذي كان بمثابة ضربة قاضية للوسط الفني والغنائي بعدما توفت أسمهان أثناء تصوير الفيلم، ولا يزال لغز موتها لم يحل حتى الآن.

فيلم غرام وانتقام

غرام وانتقام يعد واحد من أهم أفلام السينما المصرية وهو سبب منح الملك فاروق لوهبي رتبة البكوية.
فترة الأربعينيات كانت حافلة بالأفلام ليوسف قدم فيها "سيف الجلاد"، "أبن الحداد"، "برلنتي" مع المطربة اللبنانية نور الهدى، الذي كان أول من اكتشفها وساهم في شهرتها.

عام 1945 قدم فيه وهبي واحد من أشهر أدواره على الإطلاق "سفير جهنم"، الذي جسد به شخصية الشيطان ببراعة تامة، فمن يرى يوسف بالفيلم يتخيل أن الشيطان تجسد أمامه، الفيلم تأليف وإخراج وبطولة يوسف وهبي.

بعد سفير جهنم قدم وهبي فيلم "بنات الريف"، "الفنان العظيم"، وقدم فيلم "ملاك الرحمة" مع سيدة الشاشة فاتن حمامة، وتميزت أفلام وهبي بالرسالة والفكرة المميزة، ففي كل فيلم ليوسف ناقش به مشكلة أو قضية هامة تهم المجتمع.

في الخمسينيات رجع وهبي للمسرح مرة أخرى وتميزت أدواره بالنضوج الفني، فقدم "الصهيوني" مع أمنية رزق، التي عرف عنها أنها وقعت بغرامه ووهبت نفسها للسينما فأصبحت عذراء السينما المصرية.

وعام 1949 قدم وهبي بجانب ليلى مراد وأنور وجدي ونجيب الريحاني، فيلم "غزل البنات"، الذي كان تحفة فنية شارك فيه عمالقة الفن وقتها كسليمان نجيب ومحمود المليجي وفردوس محمد وعبد الوارث عسر وإستيفان روستي، كما ظهر الموسيقار محمد عبد الوهَّاب حتى أن المطرب اللبناني وديع الصافي ظهر في دور بسيط كعازف ناي في إحدى أغاني الفيلم، وشهد الفيلم ظهور بعض الممثلين الكبار في بدايتهم مثل فريد شوقي وزينات صدقي وظهرت الفنانة نبيلة السيد كتلميذة صغيرة في المدرسة، كما ظهرت الفنانة الشهيرة هند رستم ككومبار صامت وراء ليلى مراد في أحد أغانيها.

توالت نجاحات وهبي بعدها في أفلام "بيومي أفندي"، "الأفوكاتو مديحة"، "حبيب الروح"، "المهرج الكبير" الذي كان التعاون الأول له مع يوسف شاهين.

وفي سنة 1953 كتب اسم يوسف وهبي على ملصق فيلم "بيت الطاقة" بدون لقب بك، وذلك بسبب إلغاء الألقاب من قبل ثورة يوليو، إلا أن ما ميز ذلك افيلم هو ثنائيته الأولى مع هي سلطان وإسماعيل ياسين.

الخمسينات قل فيها نشاط وهبي الفني لكن لم ينقطع عطائه فقدم أدوار لا تنسى مثل دور حكمدار العاصمة في فيلم "حياة أو موت"، وجملته الشهيرة التي تخلدت في الأذهان " إلى المدعو أحمد إبراهيم القاطن بدير النَحَّاس: لا تشرب الدواء الذي أرسلت ابنتك في طلبه؛ الدواء فيه سمٌّ قاتل".

وقدم وهبي أول مسلسل تلفزيوني له وهو "العبقري" مع سعيد صالح، ونبيلة السيد، وبوسي، ومحمود المليجي، وحسن مصطفي، ونبيلة عبيد، وفريد شوقي كضيف شرف.

وشارك عام 1968 في بطولة الفيلم المصري الإيطالي "كيف تسرق القنبلة الذرية"، في السبعينيات شارك وهبي في العديد من الأفلام مثل:"الحلوة عزيزة"، "الاختيار"، "عشاق الحياة"، "أزمة سكن"، "زمان يا حب"، "البحث عن فضيحة"، "الرداء الأبيض"، "إسكندرية ليه"، وتميزت تلك الفترة بتجسيد وهبي للأدوار المساندة كالجد والأب نظرا لكبر سنه.

ساهم يوسف وهبي في اكتشاف نجوم عديدة كأمينة رزق وفاتن حمامة وعبد الحليم حافظ وأنور وجدي وفريد شوقي ونور الهدي.

يوسف وهبي

تزوج يوسف ثلاث مرات ؛ الأولى من الإيطالية إلينا لوندا لكنهم انفصلوا بسبب غيرتها الشديدة، بعدها تزوج عائشة فهمي، بعد قصة حب سرية إلا أن الغيرة والمشاكل أطاحت بالزيجة الثانية كغيرها، زوجته الأخيرة كانت سعيدة منصور التي ظل معها حتى توفي في 1982.

عرف يوسف مع سعيدة معنى الاستقرار فاستطاع أن يسدد ديونه التي تراكمت عليه من الزيجة الثانية، وحول دار سينما بيجال في وسط القاهرة إلى مسرح يسع ألف متفرج وعادت فرقة رمسيس من جديد، وبرغم نزواته وحبه للقمار والمراهنات إلا أن سعيدة كانت تغفر له لأنها كانت تعرف كم يحبها، وبعد وفاته أسس محبيه "جمعية محبي" يوسف وهبي" بالفيوم مسقط رأسه.