طه حسين في عيون هؤلاء .. كيف رأوا صدامه مع الأزهر ؟
مرت «الأيام»
على أبرز أدباء القرن العشرين طه حسين، ثم انقضت.. لكن أيامه لم تكن كأيام غيره من
الناس، فقد سجلها في كتابه الأشهر «الأيام» ليروي للناس قصة حياته؛ وأيام طفولته في
قريته، وما كان منه مع شيخه في كُتَّاب القرية، ليحقق بذلك مقولته:«ذاكرةَ الأطفال
ضعيفة، أو قل إن ذاكرة الإنسان غريبة حين تحاول استعراض حوادث الطفولة، عندها يكون
بعض هذه الحوادث واضحا جليا كأن لم يمضِ بينها وبين الوقتِ شيءٌ، ثم يُمحى منها
بعضُها الآخر كأن لم يكن بينها وبينه عهد»، ثم ينتقل إلى شيخ العمود في الأزهر،
حيث يتجلى أمل أبيه في أن يراه عالما يعكف في جوار أحد الأعمدة يدرّس طلابه، ولكن
سيرته مع الأزهر كان لها رأي آخر!
وجه بعض الدارسين لطه حسين العديد من الانتقادات وبخاصًة بعد صدور كتابه
«في الشعر الجاهلي» الذي أحدث جدلا كبيرا، لأنه استخدم فيه منهج الشك الديكارتي
والنقد التاريخي الأوروبي من أجل غربلة الروايات والنصوص الدينية، بما في ذلك آيات
القرآن الكريم، وهو ما جعله في صدام طاحن مع الأزهر الشريف.
وفي ذكراه ترصد بوابة
المواطن رأي النقاد في سيرته الذاتية «الأيام»، وصدامه مع الأزهر وكيف أثر على
المجتمع خلال مشروعه التنويري، وهل يستحق لقب عميد الأدب العربي.
قال الدكتور أبو اليزيد الشرقاوي أستاذ الأدب العربي بكلية دار العلوم جامعة القاهرة وعضو اتحاد كتاب مصر لـ «بوابة المواطن» إن طه حسين اسم كبير ورمز من أهم رموز الحياة الثقافية والفكرية في القرن العشرين، وكان له تأثير كبير جدا على تلاميذه انتقل منهم إلى تلاميذهم، وبالتالي ظل مؤثرا في الثقافة العربية حتى اليوم.
وأكد أبو اليزيد في
تصريح خاص لـ "بوابة المواطن" أن أي محاولة للاقتراب من فكر طه حسين
فإنها تفتح الباب واسعا على عالم من الفكر والعقل والوعي الثقافي.
وأوضح رأيه حول سيرته الذاتيه قائلا: «أما سيرته الذاتية التي
قدمها للناس في كتابه الشهير الأيام فهي من عيون الأدب العربي الحديث، وقد لاقت
هذه السيرة منذ نشر الجزء الأول منها قبولا ورواجا بسبب الصدق والبساطة والواقعية
التي قدم بها طه حسين حياته، ومازالت حتى اليوم مقررة على طلاب الثانوية العامة
بسبب قيمتها الفنية، وليس بالضرورة أن تكون حياة طه حسين نسخة طبق الأصل مما قدمه
في سيرته الشخصية فمعلوم أن الأدب يقوم على الانتقاء ولا يتوقع شخص أن يكتب طه
حسين كل كبيرة وصغيرة عن حياته، فهذا يحتاج إلى مجلدات ولكنه بدل ذلك يختار النقاط
المعبرة التي يراها تفيد في نقل صورة نفسية عن حياته ومن هذا المنظور فهي من أفضل
كتب السيرة الذاتية».
وأضاف أبو اليزيد أن لقب عميد الأدب العربي بدأ منذ أن كان عميدا
لكلية الآداب وتم تحريف ذلك عن قصد ليصبح عميد الأدب بدلا من عميد الآداب، ثم ألحق
أحبابه لفظ العربي فأصبح عميد الأدب العربي وهو لقب غلب عليه واشتهر به، ولا يعبر
إلا عن محبة تلاميذه وأحبابه له دون أن يؤخذ على ظاهر معناه
وأما عن موضوع كتاب الشعر الجاهلي فقد أكد أبو اليزيد أنه كتاب جيد
في موضوعه ويستحق النقاش والقراءة، ولكن الذي حدث أن المثقفين في عصره لم يتجادلوا
حول الكتاب وإنما نقلوا الجدل حول ديانة طه حسين ومعتقداته وذهب بعضهم إلى كلام
غاية في السخافة حين طعنوا في دينه بل إن بعضهم ذهبت به الحماقة إلى أن اتهم طه
حسين بأنه دخل المسيحية وأصبح من معاول الهدم ضد الإسلام، واصفًا الكلام بـأنه«غبي
لا يستحق التعليق»، وأوضح أن طه حسين هو نفسه كتب مجموعة كتب دينية لها وزن وقيمة
لا يمكن التقليل منها، مثل على هامش السيرة، والوعد الحق والفتنة الكبرى، وفي كل
واحد من هذه الكتب يبدو طه حسين مفكرا دينيا رفيع المستوى.
أستاذ البلاغة في دار العلوم: هذه قيمة رواية الأيام
ومن جانبه أوضح الدكتور محمد متولي أستاذ البلاغة والنقد الأدبي والأدب
المقارن بكلية دار العلوم جامعة القاهرة رأيه في مدى استقصاء السيرة الذاتية لطه
حسين لتفاصيل حياته قائلا:«إن الأيام سيرة ذاتية، والسيرة لا يطالب كاتبها بسرد
تفصيلي لكل ما مر به، بحيث يبدو كأنه يصور حياته بكاميرا سنيمائية، لكن طه حسينتوقف
في سرده عند ما يراه مؤثرا ومعبرا، وعند العلامات البارزة في حياته، حتى وإن بدت
في أعين الآخرين هامشية، لكن لها أثرا كبيرا في حياته، كتصويره مثلا للجلوس مع
أسرته على مائدة الطعام، وما كان يعانيه خلال ذلك بسبب كف بصره.. فقد كان بارعا فيتصوير ذلك غاية البراعة، حتى إنه ليستدر دموع القراء،
حين يبث في نفوسهم ما كان يجده في نفسه من الألم!».
وأضاف متولي في تصريح
خاص لـ «بوابة المواطن» أن الأثر الأعظم لطه حسين في الأدب العربي، يتجلى في نمط
أسلوب الكتابة الذي انفرد به، ذلك أن له أسلوبا لا يكاد يشاركه فيه أحد، ينساب في
سهولة ويسر وتنغيم موسيقي لا مثيل له، وكتبه من هذه الناحية الأسلوبيةكلها سواء، فالمداد الذي يجري في كتبه
كلها مداد واحد، وإن اختلفت أفكارها وقضاياها، ولعل كتابه الأيام هو الأكثر شهرة
والأعظم أثرا على الإطلاق، ويأتي معه كتابه «في الشعر الجاهلي»، و«مستقبل الثقافة
في مصر» و«مع المتنبي» وغير ذلك كثير.
ويوضح متولي السبب في براعة أسلوب طه حسين قائلا:«ما أكثر الذين عاشوا أياما كتلك الأيام التي عاشها طه حسين، لكن أحدا منهم لم يُؤْتَ القدرة على هذا السرد الآسر،والسر في كمال بيانه، وجمال لغته، وتدفق أسلوبه في يسر وإسماح على هذا النحو يرجع– بالإضافة إلى رهافة حسه وامتلاء نفسه بما يكتب- إلى أنه كان يُمْلِي على كاتبه بصوت مسموع ولم يكن يكتب بيده، وتَمَثُّل النص عند كتابته مسموعا أو مقروءا هو أنجع شيء في إقامة الوزن وضبط النغم وانسجام الإيقاع، وهي أعظم ميزة لأسلوب طه حسين».
الأديب سعيد الكفراوي: طه حسين أضاء طريق التنوير
وأوضح كذلك أن طه حسين ثوري تنويري وذلك حين فسر المشهد العام بالصعيد آنذاك، وكشف المظالم الذي يتعرض لها الفلاحون من البشاوات وملاك الأراضي، فكانت هي الصرخه التي أغضبت الملك فؤاد
أما الأديب يوسف القعيد، فتحدث عن الصدام بين طه حسين والأزهر،
مشيرًا إلى أن تحليل طه حسين للأشياء مبني على الشك وإثبات الحقيقة، مما جعله في
صدام مع الأزهروأصوليته التي ترفض هذا النمط من التفكير.
وأكد يوسف القعيد في تصريح خاص لـ "بوابة المواطن" أن الخلاف
مع الأزهر كان هو السبب في القضية التي اتهم فيها طه حسين بتهمة التشكيك في القرآن
الكريم، لولا وكيل النيابة المستنير الذي قال إن لطه حسين الحق الكامل في البحث
العلمي مهما كانت رؤيته، حتى لو اختلفت الثوابت.