مراحل تطور وضع المرأة العاملة في مصر بين التحضر والأزمات الاقتصادية
لقد اختلفت الرؤية حول وضع المرأة العاملة في
مصر عبر مراحل التاريخ منذ الدعوات الأولى لحرية المرأة والدفاع عن حقوقها وحتى أن
أصبحت الأوضاع الاقتصادية هي الجندي المجهول وراء غزو المرأة للأسواق ودخولها بقوة
في مختلف المجالات، لكن هذه المرأة التي استهدفت مكانا يحفل بالعابرين والقادمين
من هنا وهناك لعل يجوع أحدهم فيذهب إليها يشتري غذائه.
ينظر إليها الرجال ممن حولها بين الدهشة والاستغراب
مستفهمين أي قدر جلبها إلى هنا، وأين زوجها منها، ولماذا تعمل في هذه المهنة
بالتحديد؟ أما على الجانب الأخر يستفهمون حنكتها في تجهيز أرغفة العيش كأن الخبز
في يدها له لون خاص ومذاق خاص ورائحة فريدة عما يبيعه الآخرون، وهي كواحدة من ضمن
النساء اللواتي اصطفين في طابور المرأة العاملة في مصر، يختلف نهارها عن كل النساء
ويختلف ليلها تختلف حتى خطوات قدمها وطرقاتها والدروب التي تسلكها.
لكن كيف تعلمت هذه المرأة التعامل مع التجار
والتفريق بين كونها ربة منزل وبين كونها تاجرة هي الأخرى؟ لقد درست في مدارس
الحياة وتعلمت على يد أساتذة لم ترى وجها لهم يوما ما، الحاجة كما يقولون أم
الاختراع، هي الحاجة جعلتها تخترع لغة تتحاور بها مع العابرين والمارين، لغة تناسب
الصعاليك والمؤدبين، لغة تمكنها من الخروج من كافة دوائر الخطر التي قد تقع بها
دون أن تدري، فهي عبق من رحيق كفاح المرأة العاملة في مصر.
تصحو مع شقشقة الفجر تبعث في نفسها آمال
الفرج بعد الصبر واليسر بعد العسر، كل يوم تجدد في روحها أمنية أن الغد أفضل وأنه
كلما ضاقت ستتسع لا محالة ومهما استحكمت حلقات الأزمة ستنحل ويبدو قطار السعادة
قادمة حتما، تترك صغارها داخل جدران
غرفتها النصف مظلمة والنصف مستنيرة تتسلل دروب الرزق من أجل لقمة العيش، لا تفكر ولو
لبرهة في أنوثتها التي سرقتها ليال الجوع والحرمان.
هي واحدة من
جموع المرأة العاملة في مصر لكن.. أمثالها لا يعرفن طريقا لأحدث صيحات الموضة ولا يفكرن
في تغيير الروتين البيروقراطي الذي تعودن عليه منذ سنين، أمثالها يفرحن بليلة العيد
التي يكتسين فيها لباسا جديدا مرة كل عام، السؤال الذي يطرح نفسه الآن .. لماذا النساء اللواتي
يزعمن بالدفاع عن حرية وحقوق المرأة لا نراهن يرافقن أمثالهن ويقدمن لهن المساعدة
حتى وإن كانت رمزية، لماذا لا نراهم على الشاشات ينقلن تجاربهن وقصص كفاحهن ويعبرن
عن آلم وقاعهن.. هل من مجيب؟