فيديو| حتى الكفن أصبح حلمًا.. ماذا فعل الفقر بالحاجة كريمة؟
الخميس 10/يناير/2019 - 02:01 ص
أمنية عبد العزيز
طباعة
وسط تلك التجاعيد التي تملأ وجهها، تجد ابتسامة بشوشة تجذب المارة، تلك البشرة الخمرية التي طغى عليها "الشقاء"، يقع نظرك على تجاعيد إيديها الشقيانة، تستيقظ مسرعة لتغرق نفسها بتراب الشقا لتجني جنيهين يكفيانها لشراء الطعام، هذا هو قوت يومها الذي تعيش منه، وعندما يقترب المساء يرجف قلبها خوفا وقلقا من الليل، تدمع عيانها لتفكر إلى متى سيظل هذا الوضع، ولكن للحظة تتناثر كلمات بداخلها تقول: "يارب أنا راضية ومش عايزه غيرك يعيني ويقويني يارب أنا عايزة أجيلك"، إنها الحاجة كريمة صاحبة الـ 75 عاما.
إنه الفقر الذي يحطم حياة الكثير من أشباه الحاجة كريمة، يجعل الألم يحتل أجسادهم المنهكة من كثرة الشقاء ليجعل أقصي أمنياتهم " كفن " يحتضن أجسامهم التي غطى عليها تراب الشقاء، ذلك الكفن الذي سيضفي على تلك التجاعيد نورا يرحمهم من ذلك العناء الذي يعيشونه مرارا وتكرارا باليوم الواحد، أولئك الذين يستيقظون والهموم تملأ قلوبهم، لا يتساءلون سوى: كيف لنا أن نعيش اليوم وبماذا سنطعم أطفالنا؟ لا يمكنهم النوم بأمان، فعقولهم تتساءل قبل قلوبهم: ما بالغد ومن أين سنأتي بالمال لنبدأ اليوم؟ على يقين تام بأن الغني هو الله وهذا سبب السكينة بداخلهم "الإيمان".
ضع قدمك بشارع البحر بمدينة طنطا ثم تحرك قليلا نحو الجهة المقابلة للسنترال أترى تلك السيدة ذات الجلباب الأسود، صاحبة الوجه البشوش الذي لم تغط التجاعيد ابتسامتها.. إنها "الحاجة كريمة" تلك السيدة السبعينية التي تقطن بشارع البحر تتخذ من الشارع مأوى لها أثناء النهار، تجذب ابتسامتها المارة عسى أن يمر من هذا الاتجاه " ابن حلال" يعطيها بعض المال الذي ستشتري منه طعام الإفطار أو شخص آخر يشتري علبة مناديل ويعطيها جنيها وتقضيها بقرصة بسمسم.
"أنا شقيانه بقالي 75 سنة ومش هبطل شقا عشان الجنية اللي يدخل جيبي يكون من عرق وتراب تعبي مش عايزة أشيل حد همي أنا هفضل أتعب لحد ما ربنا يفتكرني بس عايزة اللي يجيبلي الكفن عشان مش معايا تمنه".. بهذه الكلمات بدأت "الحاجة كريمة" حديثها أثناء لقاء "محررة بوابة المواطن " معها والدموع تملأ عينيها موضحة أنها عاشت حياتها تعاني من الفقر والمرض، فقد توفي زوجها من 7 سنوات وترك لها 3 أبناء تسعى لإطعامهم كان زوجها أثناء حياته يعاني أيضا من الفقر وكانت تحاول إعانته ليعيشا حياة كريمة.
بداية شقاء الحاجة كريمة
بدأ الأمر حين تزوجت من رجل يجني قوت اليوم بيومه كانت تسعي لإعانته تعمل مثله لتجني المال لأبنائها فقد رزقت بالبنات " ويامخلفه البنات ياشايله الهم للممات " هذا ما حدث معها كانت النكسة الأولي بوفاة زوجها وتركه لها بذلك العبء الكبير الذي تحمله علي عاتقها لم يترك لها أي مصدر دخل أو معاش وترك لها البنات ومطالب منها تجهيزههم وتوصيلهم لأعشاش الزوجية ولكن كيف سيحدث هذا، ففي ذلك الحين قد حملت همومها علي ظهرها، وصممت على أن تجهز بناتها من عرق جبينها.
ومن ثم حضر بذهنها أن تجلس بالشارع لتبيع المناديل واللبان والبخور فستشتري البضاعة بـ 50 جنيها ويارزاق ياكريم واتخذت من أمام عمارة بشارع البحر مكانا لها احتضنها هذا المكان لمدة 5 سنوات متواصلة، حتى أنها أصبح بينها وبين المارة حلقة وصل حتي للذين لا يعرفونها يبادلونها السلامات والابتسامات من بشاشة وجهها حتي تمكنت من تجهيز ابنتيها اعتمادا على ولاد الحلال وتبقي عليها من الديون ما تبقي ليساعدها أي شخص مدت يداها للآخرين فداء سترة بناتها ولكن لسوء الحظ تزوج الفتاتان في ظروف قاسية أخرى لم يستطيعا أن يحملا أمهما بعد كل الشقاء الذي عانته من أجلهما.
حياة الحاجة كريمة بالشارع
استسلمت الحاجة كريمة للأمر الواقع فلا يوجد حل بديل سوى المكوث بالشارع لبيع المناديل طوال النهار وتأتي ابنتها ليلا تأخذها تبيت معها الليل وتخرج في الصباح التالي لتكمل عملها كان الأمر في البداية سهلا فقد كان بها القليل من الصحة التي تعينها علي الذهاب والرجوع أما الآن فلا تستطيع حتى التحرك من أعلى الكرتونة التي تفترشها في الأرض لا تساعدها قدماها على التحرك مثل الماضي فقد غطي المرض جسد الحاجة كريمة ناهيك عن دوامة الفقر التي تعيش بها.
وبرغم العواصف الترابية والرياح الباردة التي تضرب البلاد كل شتاء وتشتر هذه الإيام، إلا أن هذا لا يعوق خروجها لتجني قوت يومها فضلا عن تلك الشمس الحارقة في الصيف تتحمل جميع التقلبات الجوية بذلك الوشاح الأسود علي كتفيها ولكن " كيف لذلك الوشاح أن يحميها من صباحية ربنا لسواد الليل من البرد اللي عيشاه وإحنا في بيوتنا مستغطين بأكتر من بطانية ومشغلين الدفايات والتكيفات " كيف يمكن لسيدة ضعيفة لا حول لها ولا قوة أن تتحمل تلك التقلبات فقط لجني القرش الحلال ولكن كيف يقال عنها ضعيفة وهي تفعل ما لا يستطيع رجال كثيرون فعله.
الرضا يملأ قلب الحاجة كريمة
رغم المآسي التي تسمعها من حديث الحاجة كريمة إلا أن الرضا الذي يحوي صدرها وقلبها غير طبيعي عند سؤالها " بتاخدي معاش " أجابت " معاشي ربنا وسندي ربنا أنا بتاعة ربنا هو معيني وهو قوتي وهو معاشي في الدنيا وغطايا ودفئي وهو اللي مقويني أتحمل البرد اللي الناس ماشية في الشارع مش قادرة تتحمله وبتجري علي بيوتها ربنا كافيني وغانيني عن أي شئ وأي حد " ما كل هذا الرضا والقناعة التي تجسدها شخصية الحاجة كريمة وتجعلها إسوة وقدوة " لكل اللى بيتبطر على النعمة حتي وهي في إيديه ".
وبالحديث ذكرت أن معاشها هو 300 جنيه فقط لا تستطيع حتي أن تكفي طعامها منه فتعتمد على مدد الآخرين لها لتصرف منه على حالها وأيضا علي بناتها الذين يعيشون حياة غير مستقرة أخرى؛ بسبب الفقر وقلة الحيلة حتي أنها مرضت بسبب برودة الجو وحني ظهرها من الجلوس بذلك الوضع لسنوات وكساه الألم ولا تستطيع حتى شراء العلاج " ابن حلال معدي جابلي قرص وقصب وإزازة دوا للبرد".
مطالب الحاجة كريمة من محافظ الغربية
قد يئست من طلب المساعدة من الأشخاص وباتت تطلبها من الله سبحانه وتعالى، ولكنها تأمل أن يشفق عليها اللواء هشام السعيد محافظ الغربية ليكفل لها غرفة صغيرة ينغلق عليها بابها حتي تخفف الحمل على ابنتها وزوجها حيث قالت " أنا مش عايزة غير يشوفولي قوضة بقوتها أقعد فيها أنام فيها ويتقفل عليا الباب وأخف الحمل على بنتي ومش عايزة حاجة تاني وبطانية أتغطى بيها وأنا قاعدة أبيع المناديل عشان عضمي تلج من السقعة أنا مش عايزة غير الرحمة ".
تلك القصة تحكي حال الحاجة كريمة التي ذاقت من الفقر طول حياتها ألم يحين الوقت لتنعم بحياة كريمة خالية من الشقاء تخرج صباحا ترجع لبيتك في سلام وسط أطفالك تشعل المدفئة وتظل هي والكثير من أمثالها بهذا البرد أليس فينا من ملائكة الرحمة شخص رحيم القلب يتكفل بتوفير مسكن لها أو حتي عمل كشك تبيع فيه بدلا من جلوسها بالشوارع تلك السيدة مثال للمرأة الشريفة التي يجب أن يرفعها المجتمع كوسام علي صدر كل شخص فينا من منا ستتحرك إنسانيته ليكفل لها حياة كريمة لمحو عناء الحاجة كريمة.