صور| مكتبة الثقافة بالمحلة.. جوهرة معرفية لم تندثر بعد انتشار التكنولوجيا
الثلاثاء 22/يناير/2019 - 01:06 م
أمنية عبد العزيز
طباعة
في ظل الانتشار الكبير للتكنولوجيا الذي نشهده حول العالم، وتمكن أجهزة الكمبيوتر واللاب توب والأندرويد من الاستيلاء على العقل البشري، بل السيطرة على كل شبر بالمخ، استولى على تفكير البشرية، ونسي العالم مكان الكتب وتركوها مغطاة بتراب الزمن، وتلك الكتب التي صفت بتلك المكتبة في ركن شقتك يتوارثها الأجيال ولا يعرف أحد محتواها، إلا أن مكتبة الثقافة بالمحلة مازالت جوهرة معرفية.
وصفت تلك الكتب بالمكاتب الخشبية داخل المنازل وحتى بالمكتبات وأماكن المعرفة، أهلك الزمن صفحات الكتب المصطفة، لم يمر أحد أمامها ليحمل كتابا يقرأ منه، وبدل حمل الكتاب يحمل هاتفه الخلوي ليل نهار، يستمد منه كل المعلومات التي يريدها دون التأكد من صحة أي معلومة في ظل انتشار الشائعات.
وتجد بالشوارع الكبار قبل الشباب يحملون هواتفهم بأيديهم تتحرك أناملهم في تقليب الصفحات والتصفح ليس إلا، يمكننا أن نقول إن أجهزة الأندرويد قامت بعملية غسيل مخ للشباب وجبرتهم علي إدمانها، ونسوا أن التراث مكتوب بالكتب وليس بالهواتف، جعلتهم ينسوا أن التاريخ سطر بأقلام المؤرخين والمفكرين والعلماء من أجل قراءتها وليس نسيانها.. ولكن ما ذنبهم لم يكونوا يعلموا ولا حتى الكتب تعلم أنه سينتهي بها الحال على المكاتب يكسوها التراب.
مكتبة الثقافة لم تندثر بعد
أجل مكتبة الثقافة لم تندثر بعد، ولم يكسو التراب كتبها، ولم يكسو على علمها ومعلوماتها تراب الزمن، إنها مزدهرة وتزدهر أكثر بمالكها الذي أحب القراءة وأحب الثقافة فنشرها وحافظ على عدم فقدانها، حتى أن ملامحه تبشرك بأن التكنولوجيا لم تقتل كل شيء، بل إن زبائنه المميزين يجعلونك ترى كم أن الزمن الحلو الجميل لم يقف عنده الزمن، أتعلمون يبدأ الزمن الحلو الجميل من مكتبة الثقافة بالمحلة الكبرى، يبدأ من تراثها الموجود بالكتب ومالكها وزبائنها.
فعندما تطأ قدماك أعتاب شارع العباسي بمدينة المحلة الكبرى التابعة لمحافظة الغربية، تجد على يمينك مكتبة الثقافة.. تلك المكتبة القديمة التي كسى تراب الزمن على اللوحة الخاصة بها، ولكن تعرف جيدا أنها مكتبة الثقافة لمالكها الحاج محمد عبد الرحمن، ذلك الرجل صاحب الـ 80 عاما، الذي ولد محبا للقراءة، أحبها فأحبته، ومن وراء ذلك الحب قام بفتح مكتبة سماها دار الثقافة، وذلك أيام الستينيات.
مكتبة الثقافة تجمع كل ألوان الكتب
وبعد ذلك جمع في مكتبة الثقافة كل ألوان الكتب التي أحب قراءتها، فقد مالت نفسه إلى الكتب الثقافية كثيرًا، لذلك السبب سماها مكتبة الثقافة، وأحب أيضا الكتب الدينية وكتب الشعر، وفي ذلك الحين كانت مكتبة الثقافة بالمحلة تلقى رواجا كبيرا من الناس، ففي ذلك الوقت لم تكن للتكنولوجيا مكان وسط جيل الستينيات الذي لم يعرف سوى طريق الكتب والإذاعة، كانوا فقط يجلسون بجوار جهاز الراديو ليتثقفوا منه ويعرفون الأخبار.
وظلت مكتبة الثقافة هي بيت عم محمد الثاني الذي يعطي له الكثير دون انتظار المقابل، فهو يمدها بالكتب الجديدة دوما، ولا يشغل باله هل سيشتري منه شخصا ما كتابا أم لا؟ هو فقط أراد أن تزدهر دومًا بالمعرفة، مستغلا ذلك الأمر في القراءة ليل نهار، أصبح يقرأ أغلب الكتب التي يأتي بها لمكتبته، يشعر وكأن العالم قد اختفى من حوله بمجرد أن يحمل كتابا ويقرر قراءته، لا لم تندثر بعد.
عم محمد يروي تفاصيل عن مكتبة الثقافة بالمحلة
والتقت محررة " بوابة المواطن " مع عم محمد، ليروى لنا تفاصيل حبه للقراءة، وكانت المفاجأة حين ذكر أنه قضى أكثر من 60 عاما من حياته لا يفكر سوى بالقراءة، كم كانت تشغل وقته وتفكيرة، هي الهواية المميزة له، حتى أنه يعلم أحفاده أهمية القراءة ويغرس بداخلهم حبها ويرسخه بينهم بسبب خوفه من اندثارها.
وذكر أنه برغم انتشار التكنولوجيا فهناك الكثير من الناس يترددون على مكتبة الثقافة بالمحلة، فأغلبهم يبحثون عن الكتب الدينية وآخرون عن الكتب الثقافية، موضحا أن أكثر الوافدين إليها هم من كبار السن حاله، وقليلا من الشباب، وأيضا الأطفال يحملون أنفسهم إليه لشراء كتب الكارتون وقصص الأطفال.
أسعار الكتب في مكتبة الثقافة بالمحلة
وأشار إلى أن أسعار الكتب في مكتبة الثقافة ليست مرتفعة، فمعظمها يبدأ من 20 جنيها فأكثر، وأغلى كتاب قد يكون سعره 50 جنيها.. وبالحديث ذكر أن كون المكتبة تاريخية بالنسبة له أن الكثير من الشعراء والأدباء والمفكرون كانوا يترددون دوما عليها لشراء الكتب الثقافية وينتظرهم دائما يتعلم منهم أيضا الكثير من المعرفة، الأمر الذي جعله يصر على أن يكون للمكتبة تاريخ وسط الناس.
التكنولوجيا لم تذهب كل شيء
قال " الحاج فوزي " إنه دائم القراءة، اعتاد قراءة الكتب والجرائد والمجلات يحب كثيرا أن يقرأ الكتب الدينية، ويتأمل في الدين الإسلامي، ولكن من مصدر يثق به، ذكر أيضا أن التكنولوجيا لم تؤثر فيه، ولم يشأ أن يقوم بعمل غسيل مخه له أيضا حين يفكر بأن يستمد معلومه من مكان يتجه إلى الجرنال أو لشراء كتاب يبحث به، ويتأمل ما يدور برأسه بدلا من أن يقرأ معلومة تضلله على الإنترنت وما أكثر التضليل.
ولنا الوقفة الآن أمام الكتب التي ذبلت أوراقها بعد أن كاتب تروي بأعين قارئيها حين يحملها أي شخص ويبدأ بالقراءة، يأتي السؤال: هل كان تطور التكنولوجيا فقط هو العائق الوحيد أو القاتل الوحيد للقراءة! أم إهمال المكتبات ؟ هل على الدولة أن تفتح الباب أما القراء وتساعدهم علي ذلك كيف لنا أن نأتي بحلول لننقذ ما يمكن إنقاذه قبل أن نأتي بتلك الكتب بعد مرور الأزمان من تحت الأنقاض.