«هوامش الحرب والحب» .. حكاية كاتب سوري في المنفى
الثلاثاء 26/فبراير/2019 - 05:26 م
مصطفى فرحات
طباعة
في مايو عام 2012 كان "عبدالسلام الشبلي" على أحد مقاعد الطائرة المتجهة إلى مصر، عزم الشاب السوري مرغمًا على مغادرة البلاد بعد تأزم الأوضاع ودخولها نطاق الصراع المسلح، ما أدى بالنظام إلى شن حملة اعتقالات كبيرة طالت طلاب الجامعات والموظفين وكل من يعارض نظام بشارالأسد، فكان قرارًا اضطراريًا بعد منعه من دخول جامعته التي فُصل منها بعد شهرين من مجيئه إلى مصر، فجاءها بأغراض أقل وتفاصيل أكثر عن الحرب والدمار، وبمجرد أن وطأت مصر التقط أنفاسه، تحول الخوف الرابض في قلبه من هول التجربة إلى شعور أكثر بالأمان، وداهمه الارتياح بعد أن خرج من بلد يهدده بالموت إلى بلد تعطيه فرصة جديدة للحياة.
لم يكن اختيار مصر كبلد للجوء عشوائيًا بالنسبة لـ"عبدالسلام"، فبجانب عدم تعنت النظام المصري مع اللاجئين وقتها فيما يخص تصريحات السفر وتأشيرات الدخول، كانت الأوضاع هنا في نظره تتقارب إلى حد كبير مع أفكار وأحلام السوريين الثائرين والناقمين على نظام الأسد "كانت مصر ترفع شعار ادخلوها إن شاء الله آمنين"، ما جعلها هي الأنسب في النزوح أكثر من بعض البلدان كالأردن ولبنان وتركيا "اللجوء إلى تلك الدول كان فيه نوع من المخاطرة" يقول "عبدالسلام" لـ بوابة المواطن الإخبارية .
لم يكن اختيار مصر كبلد للجوء عشوائيًا بالنسبة لـ"عبدالسلام"، فبجانب عدم تعنت النظام المصري مع اللاجئين وقتها فيما يخص تصريحات السفر وتأشيرات الدخول، كانت الأوضاع هنا في نظره تتقارب إلى حد كبير مع أفكار وأحلام السوريين الثائرين والناقمين على نظام الأسد "كانت مصر ترفع شعار ادخلوها إن شاء الله آمنين"، ما جعلها هي الأنسب في النزوح أكثر من بعض البلدان كالأردن ولبنان وتركيا "اللجوء إلى تلك الدول كان فيه نوع من المخاطرة" يقول "عبدالسلام" لـ بوابة المواطن الإخبارية .
اللاجئون السوريون
لم يُحس الشاب السوري في أيامه الأولى بمصر بالمشاعر التي تتربص بأي لاجيء وهو يتلمس خطاه في البلد المُضيف، بل إنه سرعان ما اندمج في النسيج المكون للمجتمع المصري بعاداته وتقاليده والتي تتشابه مع العادات والتقاليد السورية، وبرأيه فإن المصريين أنفسهم يتسمون بالطيبة التي تجلعهم لا يمتلكون تلك النظرة الرافضة للاجيء، والدليل على ذلك أن السوريين عندما وفدوا استأجروا منازل وامتلكوا بيوتًا، ثم اتجهوا نحو الاستثمار فاشترى البعض مطاعم ومحلات، فمنحوا التطور لبعض الأشياء وخلقوا روابط ثقافية واجتاعية وصلت حد المُصاهرة "صار هناك نوع من التقبل للسوريين".
اللاجئون السوريون
لم يجد الـ29 عامًا حساسية في التعامل معه على كونه لاجئًا، وبالتالي لا يستشعر الحرج في وصمه بتلك الكلمة، لأن الصفة تلحقه ولا يستطيع أن ينكرها، فالسوريون في كل مكان بالعالم لاجئون، الأمر الذي يرفضه ويجد صعوبة في التعامل معه عندما تتحول تلك الكلمة على ألسنة البعض إلى مسبة نتيجة التوظيف الخاطيء "لما أقولها لك وأنا أبتسم غير أما أقولها وفيها إشي من التنمر".
اللاجئون السوريون
انعسكت تجربة اللجوء والخروج من سوريا على نفسية "عبدالسلام"، أعادت تشكيل رؤيته إلى الحياة على ضوء اعتبارات ومفاهيم اللجوء وما آلت إليه الأمور في سنواته الأخيرة، فحاول ألا يعايش الخوف مرة أخرى فيربك الخطوات التي يقبل عليها، فصار يبحث عن الأمان في كل شيء حوله في العمل والدراسة والحب، حتى تجربته السياسية أصبحت أكثر وعيًا ونضجًا وانفتاحًا، ساعده في ذلك وجوده بمصر والتي منحته فرصة لإنهاء دراسته وحصوله على شهادة جامعية استطاع من خلالها أن يكون له مشروعه الخاص، ثم أصبح له فيما بعد تجربته الأدبية والتي ضمنها في كتابيه "لا نص يجب أن يكتمل، هوامش الحب والحرب".
وضع تلك الفكرة على طاولة مباحثات القمة العربية الأوروبية، يراه الشاب السوري طارحة قوية لفكرة اللجوء نظرًا لأن أوروبا شهدت في السنوات الأخيرة تضخمًا كبيرًا في أعداد اللاجئين إليها من بلاد الحرب، فيقول إن السبب في ذلك ليس اللاجئين أنفسهم، حيث كان النزوح حلًا مفروضًا عليهم بعدما حدث لهم، وهذا ما يجعل المتحدثين عن القضية يتناقشون حول النتيجة وليس السبب، فاللاجئون في كل بقاع العالم تراودهم كل يوم أحلام العودة، وهو ما يتلاشى مع إفاقتهم على الواقع الذي يذكرهم بأنه لم يعد لهم شيء في بلادهم سوى بعض التفاصيل والذكريات، وأن أفضل ما يمكن أن يقدمه العالم للاجئين في الوقت الحالي هو أن يوقف الاعتداءات التي تتم بحقهم "أصل المشكلة معروف وسببه معروف، وإذا أرادوا حل الأزمة فلابد من إنهاء الحرب".
يورد "عبدالسلام" احتمالًا آخر حول وضع قضية اللجوء على رأس القضايا التي نوقشت في القمة العربية، ويرجع ذلك إلى الأعداد الضخمة للاجئين في أوروبا وهو ما أصبح ناقوس خطر بالنسبة لها، الأمر الذي يشكل مفارقة لأن اللاجيء في نظره إنسان مستضعف "اعتبار اللاجيء عنصر قلق شيء مبالغ فيه"، وبالتالي لا يمكن أن يكون ضد الدولة التي ينزح إليها ولم تغلق بابها في وجهه، لكن هذه الاحتمالات بدأت تولد تصورات مغلوطة عند بعض الدول فأصبح اللاجئون بالنسبة لها مكمن خطورة وهو ما ظهر في إسقاطها لبعض حقوق اللاجئين وممارسة التنمر ضدهم، وحرمانهم من الأمان الذاتي الذي هربوا من بلادهم بحثُا عنه.
7 سنوات هي حصيلة "عبدالسلام" من تجربة اللجوء التي قضاها بعيدًا عن سوريا، ولم تكن هذه السنوات كفيلة بترويض مشاعر الغربة التي لم تتمكن الألفة والتعود من محوها "من الممكن فقط أن تخفف وطأتها"، وهو ما صار المكون الرئيسي في شخصية أي لاجيء بسبب إحساسه الدائم أنه ليس ابن هذا المكان، فجعله مُحملًا بالألم ومثقلًا بالذكرى التي لا تعفيه كل يوم من تذكر شخص طالته رصاصات النظام أو حمله المنفى إلى بلد بعيد، لذا فإن الأفكار التي تتوارد دائمًا إلى ذهن اللاجئين تصطبغ بالحزن والمرارة "ربما يتناسون لكنهم لا ينسون"، خصوصًا في المجتمعات التي تجعلهم كل يوم يتذكرون أنهم لاجئين لا وطن لهم، لذا لا يكف عن تخيل اليوم الذي يحمل فيه حقيبته عائدًا إلى "حمص" ويودع حياة المنفى والشتات.
7 سنوات هي حصيلة "عبدالسلام" من تجربة اللجوء التي قضاها بعيدًا عن سوريا، ولم تكن هذه السنوات كفيلة بترويض مشاعر الغربة التي لم تتمكن الألفة والتعود من محوها "من الممكن فقط أن تخفف وطأتها"، وهو ما صار المكون الرئيسي في شخصية أي لاجيء بسبب إحساسه الدائم أنه ليس ابن هذا المكان، فجعله مُحملًا بالألم ومثقلًا بالذكرى التي لا تعفيه كل يوم من تذكر شخص طالته رصاصات النظام أو حمله المنفى إلى بلد بعيد، لذا فإن الأفكار التي تتوارد دائمًا إلى ذهن اللاجئين تصطبغ بالحزن والمرارة "ربما يتناسون لكنهم لا ينسون"، خصوصًا في المجتمعات التي تجعلهم كل يوم يتذكرون أنهم لاجئين لا وطن لهم، لذا لا يكف عن تخيل اليوم الذي يحمل فيه حقيبته عائدًا إلى "حمص" ويودع حياة المنفى والشتات.