أثار قرار
ترخيص وحدات الطعام المتنقلة الذي أصدرة وزير التنمية المحلية الكثير من التساؤلات ، حول آليات الترخيص ، وهل هو قرار صائب أم قد يحمل جوانب سلبية للبعض.
فهي
عربات صغيرة متنقلة ترتكن على الأرصفة وتستقر على جنبات الطرق، بعضها يحمل وجبات سريعة، فيما يقدم البعض الآخر المشروبات الساخنة، يقوم عليها شباب في أوائل وأواسط العشرينات، يمارسون عملهم في حيوية ونشاط، يتحركون بخطى ثابتة وبإمكانيات قليلة، لكن شغف تحقيق الذات وسأم البطالة يبقى هو دافعهم للبقاء في الشارع لساعات مطوّلة لتليية احتياجات الزبائن، من أجل أن يتقدموا بأحلامهم البسيطة خطوة إلى الأمام.
في إبريل عام 2018 وافق
مجلس النواب على مشروع تنظيم وتشجيع عمل
وحدات الطعام المتنقلة ، المقدم من النائب محمد علي يوسف، و60 نائبًا آخرين، ويتكون مشروع قانون وحدات الطعام المتنقلة من 17 مادة، ويُعد أول محاولة مُتكاملة فى تنظيم نشاط بيع الأطعمة عن طريق عربات الطعام، تشجيعًا للشباب ودعم جهود الدولة لمحاربة البطالة، وأجازت بيع وتحضير وإعداد الأطعمة بموجب ترخيص يصدر من وحدات الإدارة المحلية المعنية، والأجهزة المختصة بهيئة المجتمعات العمرانية.
أعادت وزارة التنمية المحلية المشروع إلى الواجهة أمس الجمعة مرة أخرى، عبر إعادة إصدار التراخيص اللازمة لعمل وحدات الطعام المتنقلة من إدارة الإشغالات بالجهة الإدارية المختصة.
دخول هذا المشروع تحت رقابة الدولة يُعتبر خطوة جيدة رغم المقابل المادي المطلوب، بحسب ما يقول الدكتور "وائل النحاس" الخبير الاقتصادي، ويضيف أن الهدف الرئيسي من تلك الخطوة هو الحد من نسبة البطالة، لكن ستظل مشكلة الباعة الجائلين قائمة كما هي دون حل وبالتالي فإن مصيرهم يظل حوله الكثير من علامات الاستفهام، وهذا سيقود فيما بعد إلى حدوث اصطدامات وتضاربات بين أصحاب تلك المشاريع المتنقلة وبين الباعة الجائلين، نتيجة اختلاف أسعار التكلفة، ليصبح المستفيد الأكبر من وجهة نظره هم الباعة الجائلون الذين لم يدفعوا أية رسوم للدولة.
يكمن الإبداع عادة في الاختلاف، فكلما تباينت الرؤى كلما اتسعت قماشة الأفكار وزاد حجم الإنتاج، لذا يقول الخبير الاقتصادي إن تخلّي الدولة عن مركزيتها في نوعية المنتجات المقدمة على تلك العربات لا يجب أن يشمل الأطعمة والمشروبات فقط، بل لابد وأن يتسع المجال ليحتوي الملابس والوجبات الجاهزة للطبخ التي يلجأ إليها في العادة الموظفات اللاتي لا يملكن الوقت الكافي لإعداد الوجبات لأسرهن، ويقترح أن يتم تدعيم الفكرة بتطبيق يشبه الذي تسعمله شركتا "أوبر وكريم"، بحيث يتمكن الراغبون في الشراء من الوصول إلى المنتج دو تعب.
على الرغم من المميزات التي يحملها هذا المشروع، إلا إنه يخفي بعض الجوانب التي من الممكن أن تؤثر عليه على المدى البعيد، وهو ما ألقى "النحاس" الضوء عليه، فيشير إلى أن قانون المحال التجارية يتعارض مع التراخيص التي تصدرها وزارة التنمية المحلية ووزارة التضامن الاجتماعي، من خلال المشاكل التي ستقابلهم فيما يخص آليات الترخيص وعمليات البيع والشراء "كمان الناس اللي واخدة قرض هتقابلهم أزمة عنيفة".
بحسب الإحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء بلغ عدد العاطلين عن العمل خلال عام 2018، 2.875 مليون متعطل ( 1.527 ذكور، 1.348 إناث) بنسبة 9.9٪ من إجمالي قوة العمل وبانخفاض قدره 219 ألف متعطل بنسبة 7.1٪ عن الربـع الأول من عام 2018، وبانخفاض قدره 621 ألف متعطل بنسبة 17.8 ٪عن الربع المماثل من العام السابق.
"زي ما فيه بطالة مقنعة فيه عمالة موسمية"، يقولها الخبير الاقتصادي قبل أن يضيف أن المشروع في نظره يقف على الجانب الآخر من البطالة المقنعة، والتي من الممكن أن يتم فيها الاستغناء عن بعض الأشخاص الزائدين عن الحاجة، بينما يقع مشروع العربات المتنقلة في خانة العمالة الموسمية، التي يشغلها الشخص لفترة ما من الزمن، لكنها لن تكون بعد سنوات المهنة التي يمتهنها الفرد، فالخبرة التي يكتسبها تؤهله إلى خطوة جديدة، يقفز منها إلى أخرى كي يكون بإمكانه إدارة شركة بأكلمها "دي بتكون خبرة تراكمية".
من ضمن شروط إصدار ترخيص وحدات الطعام المتنقلة، أن يلتزم صاحب الوحدة بممارسة النشاط وفقًا لنوع وحدة الطعام المتنقلة المرخصة بها دون غيره، كما يشترط لتعديل طبيعة النشاط التقدم بطلب إلى الجهة الإدارية المختصة لإتخاذ قرارها فى هذا الشأن، ووضع كل من ترخيص مزاولة النشاط الصادر من الجهة الإدارية المختصة، وترخيص تداول الغذاء الصادر من الهيئة القومية لسلامة الغذاء على مكان ظاهر بالوحدة.
هذا ما تناقشنا بشأنه مع الدكتور "سعيد توفيق" أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، الذي يرى أن الفكرة جيدة في مجملها لكن لابد من اختيار الأشخاص الجيدين الجديرين بالفرصة، كما يجب أن يكون المتقدم للحصول على ترخيص العربة على قدر من الوعي والثقافة التي تؤهله إلى عدم استغلالها فيما يسيء إلى الدولة ويضر بالمجتمع، فقبل إعطاء الترخيص لأي شاب يتم عمل مقابلة مع المتقدمين وفرزهم طبقًا لاختيارات عديدة أهمها أن يكون صاحب سيرة محمودة "علشان كدا الفيش الجنائي مهم".
المشروع لا يجب أن يقتصر على وزارتي التنمية المحلية والتضامن الاجتماعي فحسب، فيقول أستاذ الاقتصاد إن وزارة التموين يجب أن تتدخل هي الاخرى ويكون لها دور عن طريق إمداد هؤلاء الشباب بما يحتاجونه من منتجات وسلع، تسمح لهم بالتنقل بين الأحياء الفقيرة.
المشروع كفيل بحل جزء بسيط من أزمة البطالة التي تعاني منها الدولة على مدى عقود طويلة، لكن على الرغم من ذلك لن يساهم ذلك في القضاء عليها بشكل كامل، بل سيكون خطوة ضمن خطوات عديدة نظرًا لأن نسبة البطالة أكبر من أن يقضي عليها مشروع واحد، ومما يعلي من قيمة المشروع هو إتاحة الفرصة لطلاب الجامعات الذين يمتلكون الثقافة والرؤية تجعلهم جديرين بتلك الفرصة، وكذلك فتح الباب أمام الباعة المتجولين "علشان لما يشوف بتاع الحي ما يجريش منه".
حماس البداية لا يكفي وحده لاستمرار تلك الأفكار بل إنها بحاجة إلى الدأب والسعي الدائم نحو الإبقاء عليها من أجل الاستمرار، لذا يبدي "توفيق" تخوفه من أن يكون هذا المشروع أشبه بهوجة سرعان ما تندثر تحت وطاة الأحداث وتطويها الأيام، لذا قول إن الوزارة بحاجة أن يكون لديها خطة طويلة المدى تشبه خطة 2030 التي تسير عليها الدولة "يعني لو وفرت السنة دي 40 ألف عربية السنة اللي بعدها أوفر 50 ألف".