العقل الجمعي
وروح الجماهير مصطلحات تناولها الكثير لكن بدايتها كانت كجزء من علم
الاجتماع الذي ناقش الفرد داخل وخارج الجمهور، كيف يعبر عن رأيه ومتى يكون صائبا
أو مخطئا، إنها دراسة نفسية عميقة تفند خصائص الجمهور و روحه التي يقع تأثيرها
بقوة على المجتمع.
يتشكل الجمهور
من مكونات عدة فهو ليس فقط مجرد تجمع عددي للأفراد مع إختلاف صفاتهم وجنسياتهم
ومهنهم مع الأخذ في الاعتبار الصدفة التي جمعتهم، الجمهور من وجة النظر النفسية
يتشكل من طباع الجمهور والأفكار التي يعيش بها بل والمشاعر التي تشكل تصرفاته
وتساهم في محو شخصية الفرد وسطه، انجذاب الجمهور للهدف والغيرة التي تحكمهم ككل
وليس كأفراد له تأثير على العواطف الجيدة والسئية المسيطرة عليهم، فيمكن بكل بساطة
أن يتحول الجمهور أو أن يكون بطوليا تارة وإجراميا تارة أخرى.
حين يتكون
الجمهور يتكون معه طباع جديدة تماما، طباع لا تمثل أفراده بل تمثل الجمهور الذي مر
بظروف محددة وتجاوزها في خطوة موحدة، فتختفي الشخصية الواقعية للفرد تدريجيا وتحل
محلها الروح الجماعية، ورغم كونها مؤقتة إلا أنها تشكل قوة خاضعة لقانون الوحدة
العقلية للجماهير.
عامل الصدفة
الذي يجمع بسببه مجموعة من الأفراد في مكان واحد لا يشكل شيئا في المطلق، فليس هو
سبب تكون الروح الجمعية ولا يشكل الطباع الخاصة بالجمهور بتاتا، ولكن تشتت الأفراد
و تغير مشاعرهم ومعتقداتهم له حافز كبير في تشكيل الجمهور في بدايته، ولا يشترط
لتكون هذا الرابط وجود الأفراد في مكان واحد، بل يمكن لأفراد منفصلين أن يكتسبوا
طباع الجمهور.
يتكون الجمهور
من المحرضات المختلفة والمشتركة التي يتعرض لها والتي تظهر سلوك الجمهور فيما بعد عند
وجود بيئة مهيئة لدوافعهم وأهدافهم المشتركة، لكن عند إختفاء هذه البيئة أو الوسط
يعود كل فرد لطبيعته، فغاية الجمهور تظهر في النظام الذي يخضع له والذي يوجهه،
فمثلا يمتلك بعض الأفراد عواطف تدعوهم للقيام بتصرفات معينة لكنها ما تلبث في
الظهور إلا وسط جمهور، أو على النقيض تختفي بعض التصرفات وسط نفس الجمهور.
"إن الظواهر اللاواعية تلعب دورا بالغ
الأهمية ليس فقط في الحياة العضوية بل أيضا في أداء العقل"، تحدث "
غوستاف لو بون" في كتابه سيكولوجية الجماهير مؤكدا على هذه العبارة بشرح وافي
تضمن أن لابد من وجود مصدر لا واعي خلف أفعالنا الواقعية، يظهر من تأثيرات الوراثة
فقط، يحتوي على موروثات الأسلاف التي شكلت العرق البشري كنتيجة طبيعية، يوجد
دائما أسباب سرية خلف أسبابنا المعلنة حسب " لو بون" لا نعترف بها وخلف
هذه الأسباب السرية أسباب أكثر سرية نجهلها بذواتنا، وهذه الدوافع والأسباب السرية
هي نتيجة كل تصرفتنا التي تظهر يوميا.
لا يمكن
للجماهير الإقدام على على تصرفات تتطلب ذكاء شديدا لأن وسط الفوضى يذوب القرار
الصائب ويظهر الأفراد الأكثر شعبية وقدرة إقناعية، وفي وسط الجمهور تختفي
المسؤولية و يظهر الانصياع للغرائز، يقول "لو بون" أن الجمهور مغفل
بطبيعته لأن الشعور بالمسؤولية هو ما يردع الأفراد ويكبح غرائزهم ومع اجتماع
الجمهور يختفي هذا الشعور.
نستنتج من ذلك
أن الفرد بكينونته يختلف عنه كفرد داخل الجمهور، وذاك من حيث الخصائص النفسية
والاجتماعية، تختلف تصرفاته وقرارته بمفرده عن داخل الجمهور، كيفية توجيه الجمهور
والحصول على إقباله وتوصياته، وتوجه أخلاقه وصفاته، خضوعه للاستبداد أو ثورته عليه
كلها أمورا ناقشها "لو بون" في كتابه "سيكولوجية الجماهير"
وسوف نتناولها كل على حدى.