الهجوم الإيراني على إسرائيل وتداعياته الإقليمية والدولية
الأحد 14/أبريل/2024 - 07:02 م
قال هانى محمد الباحث السياسي وعضو الأمانة الفنية باللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان بوزارة الخارجية المصرية الأسبق ،
أعلنت إيران مساء يوم السبت بدء هجومها ضد إسرائيل بإطلاق عشرات الطائرات المسيرة الانتحارية وصواريخ مجنحة ردا على "جريمة إسرائيل بقصف القنصلية الإيرانية في دمشق" حيث استخدمت ايران عشرات من الصواريخ الباليستية وكروز ومسيرات فى الهجوم التى أطلقته من شمال غربي ايران وجنوبها ووسطها ولكن أضراره محدودة مقابل حجم هجومه وهو يمثل فقط حفظ ماء الوجه الإيرانى أمام الاعتدائات الإسرائيلية بل لم يساعد الهجوم الإيرانى على إسرائيل أمس وسيلة ضغط على إسرائيل لمنع الحرب على غزة تاركا وكلائها خلفها ولم تقم حتى بوسيلة ضغط من خلال هجماتها أمس مستهدفا بنك أهداف حقيقية إسرائيلية تمثل رد قوى إيرانى .
اول مرة يتم هذا العمل بشكل رسمي من الاراضي الايرانية فيما يعتبر اعلان حرب وفق الاعراف الدولية ، وقامت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بتشكيل خط الصد الاول فوق العراق وسوريا والاردن ولبنان
لحماية اسرائيل في اجراء يكشف مدي ضعف اسرائيل علي تقبل هجمة صاروخية كبيرة ( اغراق صاروخي ومسير ) مع عدم ثقة كاملة في المعلومات عن قدرات ايران المتواضعة فى الهجوم الكبير الأخير والذى تم 185 طائرة مسيرة و36 صاروخ كروز و110 صواريخ أرض طبقا لما اعلنتة نيويورك تايمز منذ قليل وهو عدد كبير جدا ، ورغم ذلك خرج تصريح إسرائيلي أمس حيث اعلنت اسرائيل علنا انها قامت بالصد خارج الاراضي الاسرائيلية في تصريح غريب لانة يهدف لرفع معنويات الشعب الاسرائيلي الهارع إلى الملاجىء أمس وأيضا يكشف وجود موافقة لدولة عربية لعمل المقاتلات الاسرائيلية فوقها وعلي الاقل عدم اعتراض او رفض ، وهنا تأتي غرابة التصريح لانها تضع بعض الدول العربية في عداء مباشر مع ايران سيكشفها الأيام القادمة، ولكن تتابعيات الهجوم الايراني أكسب اسرائيل مشروعية دولية سياسية كبيرة في الرد علي ايران في اي مكان واي زمان وهو ما أخدته شرعية لضرب وكلائها بالمنطقة وزعزعة الإستقرار مرة أخرى رغم ان ايران تتصرف كرد فعل علي قصف القنصلية في دمشق لكن الحشد الدولى والدبلوماسي والتى أطلقته وزارة الخريجة الإسرائيلية أمس واليوم للقنوات الاجنبية والحكومات الغربية تمثل جهود متواصلة لتعزيز وجود إسرائيل بسوريا ولبنان والعراق بحجة ضرب وكلاء إيران وهى المصيدة التى أوقعت بها إسرائيل تلك شعوب تلك المناطق ودخولهم فى دوامة عدم الإستقرار .
ودائما يشير الموقف الإيراني إلى تناقضات كبيرة بين ما هو معلن وما هو عملي، حيث يتعامل الموقف الإيراني ببرجماتية، وفقاً لتطور الأحداث،كما يأتي الموقف الإيراني من إطلاق صواريخها والمسيرات من داخل أراضيها لأول مرة هو تصعيد كبير ضد إسرائيل والتى هددت إيران بعدها إذا ردت إسرائيل سيكون الرد أقوى وشامل من خلال مصرح العمليات والرد العسكري بوكلائها المنتشرة بتلك المناطق التى تحيط إسرائيل وذلك نتيجة الدعم اللامحدود للفصائل المسلحة في الشرق الأوسط والتي تحيط بإسرائيل سواء من الشمال والشرق في حزب الله بلبنان وسوريا، وقوات الحشد الشعبي والجماعات الإسلامية المسلحة الموالية لإيران في العراق ،والحوثيين في اليمن، وحماس والجهاد الاسلامي في فلسطين من الجنوب، التي تعتبر أذرع إيران في المنطقة، وقد عكفت طهران على تمويل وتدريب وكلاء لها في المنطقة، والتي علي استعداد دائم لمهاجمة المصالح الأمريكية والإسرائيلية، حيث يأتي ذلك في إطار عقيدة إيرانية مفادها “الدفاع الامامي”، والتي ترتكز على أنه من الأفضل لإيران مواجهة خصومها خارج حدودها من خلال وكلاء مسلحين موالين لها.
ولكن هجوم أمس سيكون له تداعيات دولية وتأثير على الأمن الأقليمي هذا الصراع بين إيران وإسرائيل سيزعزع استقرار المنطقة بشكل كبير وخاصة الدول المجاورة ستكون في خطر الانجرار إلى هذا الصراع أو تأثره بالتبعية.
كما المجتمع الدولي سيضطر للتدخل لوقف التصعيد وإنهاء هذا الصراع العسكري، ربما تفرض قوى دولية عقوبات جديدة على إيران أو تتدخل عسكريًا لحماية إسرائيل.
هذا قد يؤدي إلى تأزم العلاقات الدولية وانقسامات بين القوى العالمية
بالإجمال، يبدو أن الهجوم الإيراني على إسرائيل سيشكل نقطة تحول خطيرة في الصراع الإقليمي، وسيترك تداعيات واسعة النطاق على الأمن والاستقرار في المنطقة والعلاقات الدولية. والمجتمع الدولي سيكون مضطرًا للتدخل بشكل عاجل لوقف التصعيد والحؤول دون اندلاع حرب إقليمية واسعة النطاق وهو ما تقوم به الولايات المتحدة الان في إحتواء هذه الأزمة وتحقيق التوازن بين دعمها لإسرائيل وعدم الوصول لحرب أقليمية بالمنطقة ، من أهم الدول المجاورة التي قد تتأثر بشكل كبير بتصعيد الصراع بين إيران وإسرائيل هى سوريا صفتها حليف استراتيجي لإيران، قد تكون سوريا هدفًا لهجمات إسرائيلية رداً على الهجمات الإيرانية.
كما أن الصراع قد ينعكس على الوضع الأمني والسياسي الهش في سوريا.
وكذلك لبنان متمثلة فى حزب الله اللبناني، المتحالف مع إيران، قد ينخرط في الصراع ضد إسرائيل. هذا من شأنه أن يزعزع الاستقرار في لبنان ويؤدي إلى اشتباكات واسعة النطاق على الحدود مع إسرائيل. وبالعراق إيران لها نفوذ قوي في العراق عبر الميليشيات الموالية لها. قد تستخدم هذه الميليشيات العراق كقاعدة لشن هجمات ضد إسرائيل، مما يزيد من التوتر الأمني في العراق.
ومصر كذلك فلقد أثار الهجوم الإيراني على إسرائيل قلقًا كبيرًا لدى مصر نظرا للآثار الإقليمية المحتملة لمثل هذا التصعيد العسكري انتقال الصراع بين إيران وإسرائيل إلى ساحة المنطقة قد يؤثر سلبًا على أمنها القومي. فانتشار العنف والصراعات العسكرية قد ينعكس على استقرار الحدود المصرية وقد يدفع أكثر بشرعية دولية للمضي قدما لاسرائيل لاقتحام رفح وتهجير الفلسطينين وينعكس سلبي على الجهود الدبلوماسية التى قامت بها المخابرات المصرية والقطرية دوال الفترة الماضية فى إحتواء الحرب على غزة خلال شهر رمضان والمضي قدما فى حل تك الأزمة ، كما تخشى أن يؤدي التصعيد إلى اضطرابات في أسواق الطاقة والنفط في المنطقة، مما قد يؤثر على الاقتصاد المصري الذي يعتمد بشكل كبير على استيراد الطاقة. ومع ذلك تأمل مصر في لعب دور وساطة وتهدئة بين الأطراف المتصارعة، لذلك فإن تصعيد الأزمة يقوض جهود مصر للحفاظ على استقرار المنطقة.وعلى الأرجح ستستخدم مصر نفوذها الدبلوماسي والاقتصادي للضغط على كل من إيران وإسرائيل من أجل تهدئة التوتر والعودة إلى المفاوضات. كما قد تتعاون مع دول إقليمية أخرى لتحقيق هذا الهدف من خلال استخدام قنوات الاتصال المباشرة مع القيادات في إيران وإسرائيل لحثهم على ضبط النفس والعودة إلى المفاوضات ,تنشيط دور مصر كوسيط إقليمي مقبول من الطرفين لتيسير الحوار والتفاوض وتنسيق الجهود الدبلوماسية مع دول إقليمية أخرى كالسعودية والأردن لممارسة ضغوط جماعية على الأطراف.
ومع ذلك هناك أيضا عوامل كثيرة تشكل نمطًا معقدًا من العلاقات بين ايران واسرائيل مؤخرا ، مما يؤدي إلى استمرار العداوة والتوترات بينهما حتى لو تدخلت القوى الدولية فى حل الأزمة التى بينهما الان ، حيث تنظر إسرائيل إلى إيران على أنها تهديد رئيسي لأمنها واستقرار المنطقة وتصاعد التوترات ، خاصةً بسبب دعم إيران لوكلائها في المنطقة مثل حزب الله في لبنان وحماس في غزة.
وتعتبر إيران وإسرائيل نفسيهما دولتين قائمتين على أساس ديني وأيديولوجي. تقوم إيران على الدين الإسلامي الشيعي، بينما تعتبر إسرائيل نفسها دولة يهودية، هذه الأيديولوجيات المتنافسة قد تزيد من العداوة بين البلدين.
كما تثير المخاوف الإسرائيلية من التقارب الإيرانى الأمريكي ولسماح واشنطن لايران من تخصيب اليورانيوم وذلك لموافقتها لها عام 2015 مع تواصل اتفاق القوى الدولية وهو الاتفاق الذي ضم إيران وأمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، والذى وصف بالاتفاق التاريخى ، وبالفعل دخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ عام 2018 م، ولكن لم تدم الصفقة طويلاً بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق،و فرض العقوبات على إيران مجددا، من جانب واشنطن
و حتى ولو بعد فترة زمنية طويلة، تعتبر إسرائيل هذا تهديدا لأمنها، ومع استمرار بسط إيران لنفوذها فى الدول المتاخمة لإسرائيل لتوطيقها، تحاول إسرائيل بكل قوة ضرب المناطق التابعة لإيران فى سوريا ولبنان، كما تعرقل وصول إيران لأى اتفاق نووى جديد.
يأتي التحرك الاسرائيلي الأخير تجاه إيران في إطار سياسة جديدة بعد خروج أصوات داخل إسرائيل لعزل نتنياهو واحتجاجات كبيرة مناهضة للحكومة الإسرائيلية وسط غضب ضد نتنياهو وفقد الثقة فى تلك الحكومة لكى يشغل الجبهة الداخلية لديه بقضية أخرى بعد فشل حربة ضد غزة وخسارته الرأى العام الدولى وارتكابة مجاذر إنسانية وانتهاكه للقانون الدولي ،
ولكن يجب أن تبذل جهودا دبلوماسية ممكنة للمحاولة في تهدئة التوتر والصراع بين إيران وإسرائيل حيث يمكن للمجتمع الدولي، بقيادة الأمم المتحدة والقوى العظمى مثل الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، الضغط على الطرفين لوقف التصعيد العسكري والعودة إلى المفاوضات وخاصة أن مكسب إيران هو إعادة إتفاقية موافقة الولايات المتحدة على تخصيب اليورانيوم التى وافقت عليها بعام 2015 وانسحبت منها ، فإذا نجحت الجهود الدبلوماسية في إعادة تفعيل الاتفاق النووي مع إيران، فقد يساعد ذلك في تخفيف التوتر والتصعيد بين الطرفين ولكن ذلك سيؤدى إلى زعزة العلاقات مع الدول العربية بالمنطقة إذا أمتلكت إيران سلاح نووى .
في نهاية المطاف، لا بد من إيجاد منصات للحوار المباشر بين إيران وإسرائيل تحت رعاية دولية ونزع فتيل التصعيد بالمنطقة والتى باتت على صفيح ساخن والوصول إلى تسوية سياسية مع إنهاء الحرب على غزة وعودة الفلسطينين إلى شمال غزة وسكنهم وإلبدأ فى عملية إعادة إعمار غزة .
لكن تحقيق هذه الجهود الدبلوماسية سيكون تحديًا كبيرًا في ظل التوترات المتصاعدة والخلافات العميقة بين الطرفين. ستتطلب هذه الجهود إرادة سياسية قوية وتنسيقًا دوليًا واسع النطاق.