في ذكرى وفاته.. "نجم".. ثائر الكلمة وضحية "لسانه".. بدأ بالرومانسية وكتب السياسة في "السجن"
السبت 03/ديسمبر/2016 - 02:52 م
روضة إبراهيم
طباعة
"يسبق كلامنا سلامنا يطوف على السامعين معنا.. عصفور محندق يزقزق كلام موزون وله معنى".. وصف هائل لشخصه، ذلك العصفور الذي زقزق في كل بيت مصري، بكلامه الموزون، فاستطاع أن يضع كلماته لتُعشش في رؤس المصريين بداية من الفلاح الفقير، وحتى الحاكم الذي يرأس الجميع، فبحنكة صاحبها استطاع شغل مساحة شاسعة من الرأي العام، ليحفر كلماته التي ظلت باقية حتى اليوم، مهما مر عليها الزمن.
"أنت شيوعي.. أنا مصراوي.. أنتو مصايب أنتو بلاوي.. ممكن أعرف مين الأول بيكلمني".. كلمات رسمت ملامح "أحمد فؤاد نجم"، ذلك المصري الذي لم ينحز لتيار سياسي بعينه، فكان يكفيه كونه مصري له كلمته التي أبت أن تخضع لأي حاكم قط على مر سنين عمره الـ84، فهو ذلك الشاعر الشعبي الساخر، أهم شعراء العامية في مصر، وأحد ثوار الكلمة، الذي كان له بصمة واضحة في شوارع وحواري مصر، وكان له علامات رُسمت على وجوه الفقراء والمهمشين، فندبات الفقراء حُفرت بكلماته التي عبرت عنهم طوال الوقت.
شهد يوم 23 مايو 1929، على ولادة شاعر ساخر أقسمت به مصر كلها، في قرية كفر أبو نجم بمدينة أبو حماد محافظة الشرقية، فكان طفل لأم فلاحة أمية من الشرقية، وأب يعمل ضابط شرطة، لتكون طفولته كغيره من الفلاحين الكادحين، لتؤثر نشأته هذه على أشعاره التي مست الفلاحين "الشقيانين"، فقد عاشا وسط سبعة عشر أخًا، ليلتحق بعد ذلك بكتاب القرية كعادة أهل القري في ذلك الزمن.
وكان لوفاة والده نقلة في حياته، حيث اضطر إلى الإنتقال إلى بيت خاله حسين بالزقازيق وتم إيداعه بملجأ أيتام 1936، والذي قابل فيه عبد الحليم حافظ، ليخرج منه عام 1945 وعمره 17 سنة.
المهن المُختلفة التي عمل بها قبل أن يصبح شاعر
استطاع "الفاجومي المصري"، كما لُقب، أن يعمل بعديد من المهن، حيث بدأ حياته بالعمل كراعي للبهائم في قريته، ثم عمل في معسكرات الجيش الإنجليزي متنقلًا بين مهن كثيرة كلواء، ولاعب كرة، وبائع، وعامل بناء، وترزي، وفي الفترة ما بين 1951 إلى 1956 عمل في السكك الحديدية.
كما عمل طوافًا، بوزارة الشؤون الاجتماعية، يوزع البريد على العزب والكفور والقرى، وفي هذه الفترة تعمقت تجربته وبدأ يستشعر حجم القهر الواقع على الفلاحين، ولم يكن قد كتب شعرًا حقيقيًا حتى ذلك الحين، وإنما كانت أغانيه عاطفية تدور في إطار الهجر والبعد ومشكلات الحب، وكان في ذلك الحين يحب ابنة عمته، لكن الوضع الطبقي كان سببًا في عدم إتمام الزواج لأنهم أغنياء.
بداية اشتراكه في العمل السياسي
كانت بداية اشتراكه في المظاهرات لأول مرة في حياته، عام 1946، وكان في ذلك الحين قد علم نفسه القراءة والكتابة، حيث اشترك مع 90000 ألف عامل مصري في المعسكرات الإنجليزية بعد أن قاطعوا العمل فيها إثر إلغاء المعاهدة المصرية البريطانية، في المظاهرات التي اجتاحت مصر.
وبعدها في 1959، بعد أحداث العراق، أثناء الصدام بين السلطة واليسار في مصر، دخل قسم البوليس لأول مرة في حياته، فيقول "نجم": "في يوم لا يغيب عن ذاكرتي أخذوني مع 4 آخرين من العمال المتهمين بالتحريض والمشاغبة إلى قسم البوليس وهناك ضربنا بقسوة حتى مات أحد العمال، وبعد أن أعادونا إلى المصنع طلبوا إلينا أن نوقع إقرارًا يقول أن العامل الذي مات كان مشاغبًا وأنه قتل في مشاجرة مع أحد زملائه، ورفضت أن أوقع، فضربت"، وبعد ذلك وجهت إليه تهمة الإختلاس، ووضع في السجن لمدة 33 شهرًا.
بعدها بسنوات عينته حكومة الوفد كعامل بورش النقل الميكانيكي، وفي تلك الفترة قام بعض المسؤلين بسرقة المعدات من الورشة وعندما اعترضهم، اتهموه بجريمة تزوير استمارات شراء مما أدى إلى الحكم عليه 3 سنوات بسجن "قره ميدان".
وفي السنة الأخيرة له في السجن اشترك في مسابقة الكتاب الأول التي ينظمها المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون، ليفوز بالجائزة، وبعدها صدر الديوان الأول له من شعر العامية المصرية "صور من الحياة والسجن" وكتبت له المقدمة سهير القلماوي ليشتهر وهو في السجن.
بعد خروجه من السجن أصبح أحد شعراء الإذاعة المصرية، وأقام وقتها في غرفة على سطح أحد البيوت في حي بولاق الدكرور، بعد ذلك تعرف على الشيخ إمام، ليقرر أن يسكن معه حتى أصبحوا ثنائي معروف في تاريخ الأغنية السياسية العربية، ليقدما أول أغاني سياسية ساخرة تسخر من الرئيس عبد الناصر، والسياسات في مصر، ليعتقلا بعدها بسبب مواقفهم السياسية، ليغنوا بعدها "مصر يا أما يا بهية" في حب مصر.
وكانت من أبرز الأغاني التي سجن "نجم وإمام" على خلفيتها هي أغنية "نيكسون بابا" في عام 1974 التي قدمها الثنائي أثناء زيارة الرئيس الأمريكي "نيكسون" إلى مصر بعد حرب أكتوبر، كما حكم على نجم وإمام بالسجن لـمدة سنة كاملة عام 1977 بسبب قصيدة "الفول واللحمة" التي تنتمي إلى ما عرف بـ "قصائد المناهضة للنظام الحاكم"، ورغم الاعتقال، فقد انتشرت كلمات أغانيهم السياسية الساخرة في العالم العربي، لينفصلا الثنائي بعد فترة.
نشر "نجم" عددًا من قصائده التهكمية في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وسخر من قضية توريث الحكم لابنه، وكان خلال هذه الفترة من أبرز أعضاء حركة كفاية.
ومن بين أشعاره: يعيش أهل بلدي، الأخلاق، الخواجة الأمريكاني، استغماية، هما مين وأحنا مين، البتاع، الكلمات المتقاطعة، حسبة برما، كلب الست، نيكسون جاء، بابلو نيرودا، تذكرة مسجون، جيفارا، الثوري النوري، الندالة، ورقة من ملف القضية وشيد قصورك.
زواجه
تزوج في البداية "فاطمة منصور"، وأنجب منها عفاف، وكانت أشهر الزوجات الفنانة "عزة بلبع"، والكاتبة "صافيناز كاظم" وأنجب منها الصحفية نوارة نجم، كما تزوج ممثلة المسرح الجزائرية "صونيا ميكيو"، وكانت زوجته الأخيرة هي السيدة أميمة عبد الوهاب وأنجب منها زينب.
جوائزه
حصل "نجم" على العديد من الجوائز في الشعر العربي، آخرهم في 2013 بعد وفاته، فاز بجائزة الأمير كلاوس الهولندية، وهي من أرقى الجوائز في العالم، ولكن وافته المنية قبل استلامها ببضعة أيام، كما منح بعد وفاته وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.
رحل أحمد فؤاد نجم عن عالمنا في 3 ديسمبر 2013، عن عمر يناهز 84 عامًا، بعد عودته مباشرة من عمان، التي أحيا فيها آخر أمسياته الشعرية بمناسبة ذكرى اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ليسطر بها أخر أعماله الشعرية.
"أنت شيوعي.. أنا مصراوي.. أنتو مصايب أنتو بلاوي.. ممكن أعرف مين الأول بيكلمني".. كلمات رسمت ملامح "أحمد فؤاد نجم"، ذلك المصري الذي لم ينحز لتيار سياسي بعينه، فكان يكفيه كونه مصري له كلمته التي أبت أن تخضع لأي حاكم قط على مر سنين عمره الـ84، فهو ذلك الشاعر الشعبي الساخر، أهم شعراء العامية في مصر، وأحد ثوار الكلمة، الذي كان له بصمة واضحة في شوارع وحواري مصر، وكان له علامات رُسمت على وجوه الفقراء والمهمشين، فندبات الفقراء حُفرت بكلماته التي عبرت عنهم طوال الوقت.
شهد يوم 23 مايو 1929، على ولادة شاعر ساخر أقسمت به مصر كلها، في قرية كفر أبو نجم بمدينة أبو حماد محافظة الشرقية، فكان طفل لأم فلاحة أمية من الشرقية، وأب يعمل ضابط شرطة، لتكون طفولته كغيره من الفلاحين الكادحين، لتؤثر نشأته هذه على أشعاره التي مست الفلاحين "الشقيانين"، فقد عاشا وسط سبعة عشر أخًا، ليلتحق بعد ذلك بكتاب القرية كعادة أهل القري في ذلك الزمن.
وكان لوفاة والده نقلة في حياته، حيث اضطر إلى الإنتقال إلى بيت خاله حسين بالزقازيق وتم إيداعه بملجأ أيتام 1936، والذي قابل فيه عبد الحليم حافظ، ليخرج منه عام 1945 وعمره 17 سنة.
المهن المُختلفة التي عمل بها قبل أن يصبح شاعر
استطاع "الفاجومي المصري"، كما لُقب، أن يعمل بعديد من المهن، حيث بدأ حياته بالعمل كراعي للبهائم في قريته، ثم عمل في معسكرات الجيش الإنجليزي متنقلًا بين مهن كثيرة كلواء، ولاعب كرة، وبائع، وعامل بناء، وترزي، وفي الفترة ما بين 1951 إلى 1956 عمل في السكك الحديدية.
كما عمل طوافًا، بوزارة الشؤون الاجتماعية، يوزع البريد على العزب والكفور والقرى، وفي هذه الفترة تعمقت تجربته وبدأ يستشعر حجم القهر الواقع على الفلاحين، ولم يكن قد كتب شعرًا حقيقيًا حتى ذلك الحين، وإنما كانت أغانيه عاطفية تدور في إطار الهجر والبعد ومشكلات الحب، وكان في ذلك الحين يحب ابنة عمته، لكن الوضع الطبقي كان سببًا في عدم إتمام الزواج لأنهم أغنياء.
بداية اشتراكه في العمل السياسي
كانت بداية اشتراكه في المظاهرات لأول مرة في حياته، عام 1946، وكان في ذلك الحين قد علم نفسه القراءة والكتابة، حيث اشترك مع 90000 ألف عامل مصري في المعسكرات الإنجليزية بعد أن قاطعوا العمل فيها إثر إلغاء المعاهدة المصرية البريطانية، في المظاهرات التي اجتاحت مصر.
وبعدها في 1959، بعد أحداث العراق، أثناء الصدام بين السلطة واليسار في مصر، دخل قسم البوليس لأول مرة في حياته، فيقول "نجم": "في يوم لا يغيب عن ذاكرتي أخذوني مع 4 آخرين من العمال المتهمين بالتحريض والمشاغبة إلى قسم البوليس وهناك ضربنا بقسوة حتى مات أحد العمال، وبعد أن أعادونا إلى المصنع طلبوا إلينا أن نوقع إقرارًا يقول أن العامل الذي مات كان مشاغبًا وأنه قتل في مشاجرة مع أحد زملائه، ورفضت أن أوقع، فضربت"، وبعد ذلك وجهت إليه تهمة الإختلاس، ووضع في السجن لمدة 33 شهرًا.
بعدها بسنوات عينته حكومة الوفد كعامل بورش النقل الميكانيكي، وفي تلك الفترة قام بعض المسؤلين بسرقة المعدات من الورشة وعندما اعترضهم، اتهموه بجريمة تزوير استمارات شراء مما أدى إلى الحكم عليه 3 سنوات بسجن "قره ميدان".
وفي السنة الأخيرة له في السجن اشترك في مسابقة الكتاب الأول التي ينظمها المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون، ليفوز بالجائزة، وبعدها صدر الديوان الأول له من شعر العامية المصرية "صور من الحياة والسجن" وكتبت له المقدمة سهير القلماوي ليشتهر وهو في السجن.
بعد خروجه من السجن أصبح أحد شعراء الإذاعة المصرية، وأقام وقتها في غرفة على سطح أحد البيوت في حي بولاق الدكرور، بعد ذلك تعرف على الشيخ إمام، ليقرر أن يسكن معه حتى أصبحوا ثنائي معروف في تاريخ الأغنية السياسية العربية، ليقدما أول أغاني سياسية ساخرة تسخر من الرئيس عبد الناصر، والسياسات في مصر، ليعتقلا بعدها بسبب مواقفهم السياسية، ليغنوا بعدها "مصر يا أما يا بهية" في حب مصر.
وكانت من أبرز الأغاني التي سجن "نجم وإمام" على خلفيتها هي أغنية "نيكسون بابا" في عام 1974 التي قدمها الثنائي أثناء زيارة الرئيس الأمريكي "نيكسون" إلى مصر بعد حرب أكتوبر، كما حكم على نجم وإمام بالسجن لـمدة سنة كاملة عام 1977 بسبب قصيدة "الفول واللحمة" التي تنتمي إلى ما عرف بـ "قصائد المناهضة للنظام الحاكم"، ورغم الاعتقال، فقد انتشرت كلمات أغانيهم السياسية الساخرة في العالم العربي، لينفصلا الثنائي بعد فترة.
نشر "نجم" عددًا من قصائده التهكمية في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وسخر من قضية توريث الحكم لابنه، وكان خلال هذه الفترة من أبرز أعضاء حركة كفاية.
ومن بين أشعاره: يعيش أهل بلدي، الأخلاق، الخواجة الأمريكاني، استغماية، هما مين وأحنا مين، البتاع، الكلمات المتقاطعة، حسبة برما، كلب الست، نيكسون جاء، بابلو نيرودا، تذكرة مسجون، جيفارا، الثوري النوري، الندالة، ورقة من ملف القضية وشيد قصورك.
زواجه
تزوج في البداية "فاطمة منصور"، وأنجب منها عفاف، وكانت أشهر الزوجات الفنانة "عزة بلبع"، والكاتبة "صافيناز كاظم" وأنجب منها الصحفية نوارة نجم، كما تزوج ممثلة المسرح الجزائرية "صونيا ميكيو"، وكانت زوجته الأخيرة هي السيدة أميمة عبد الوهاب وأنجب منها زينب.
جوائزه
حصل "نجم" على العديد من الجوائز في الشعر العربي، آخرهم في 2013 بعد وفاته، فاز بجائزة الأمير كلاوس الهولندية، وهي من أرقى الجوائز في العالم، ولكن وافته المنية قبل استلامها ببضعة أيام، كما منح بعد وفاته وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.
رحل أحمد فؤاد نجم عن عالمنا في 3 ديسمبر 2013، عن عمر يناهز 84 عامًا، بعد عودته مباشرة من عمان، التي أحيا فيها آخر أمسياته الشعرية بمناسبة ذكرى اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ليسطر بها أخر أعماله الشعرية.