السلطان "سليم الأول".. قتل ولي العهد وصعد للعرش على جثمان شقيقه
الجمعة 15/يونيو/2018 - 07:26 ص
مريم مرتضى
طباعة
الإمبراطورية العثمانية هي واحدة من أكبر دول الشرق الأوسط وأوروبا مساحة وأطولها عُمرًا، بلغت مساحتها نسبيًا 18 مليون متر مربع، وطال عمرها إلى أن أصبح 625 عام حتى انهارت تمامًا عام 1924م، تخلل فترة حُكم الدولة العثمانية الطويلة اعتلاء 36 سلطان عثماني مختلفي الصفات والشخصية، فمنهم الشجاع، ومنهم الشامخ الذي لا يستسلم، ومنهم الحكيم، ومنهم المُرعب لأوروبا، ومنهم الرقيق اللين طيب القلب، ومنهم ضعيف الشخصية، وقد كان السلطان "سليم الأول" معروفًا بقسوة القلب والعنف، حيث أنه اعتلى العرش على جثمان شقيقيه الأميرين "كوركود" و "أحمد" وكان الأخير وليًا للعهد، ولكن "سليم" استطاع أن يجذب إليه الباشوات والإنكشاريّين أصحاب القوّة ليوصلوه إلى العرش بعد أن تحارب مع شقيقيه.
نشأة سليم الأول
وُلد سليم الأول في 10 سبتمبر 1470م، في مدينة أماسيا، التي كان يديرها والده بايازيد الثاني في ذلك الوقت، ترعرع وكبر في مدينة أماسيا، مدينة تنشئة الأمراء العثمانيين، وتم تعيينه والي على مدينة طرابزون في عام 1481م، واستمر حكمه لطرابزون حتى عام 1510م، خلال هذه الفترة اعتنى بأعمال الدولة الإدارية والعسكرية، ولاحظ ميل التركمان الذين كانوا يشكلون العمود الفقري للدولة العثمانية، إلى الدولة الصفوية وحكامها بسبب سخطهم من سياسات الدولة اتجاهم، ولتفادي هذا الميل والخطر الجسيم، الذي يشكله على الدولة العثمانية، قام سليم الأول دون أخذ الإذن من والده بتحريك التركمان في حملة عسكرية مُهيبة انطلقت عام 1508م، مُتجه نحو جورجيا ومنطقة شرق تركيا، استطاع خلال هذه الحملة فتح قارس وأرض روم وأرتوين وضمهم للدولة العثمانية، وبعد الفتح لم يقم بإرسال الغنائم إلى بيت المال بل قام بتوزيعها على الجنود التركمان لكسب قلوبهم وإبقاء ميلهم مُتصل بالدولة العثمانية.
السلطان سليم الأول
كان لسليم الأول العديد من الأخوة وهم: شاهان شاه، عالم شاه،محمد، محمود، أحمد، كوركود، توفوا جميعهم في حياة والدهم، ولم يتبقى سوى أحمد وكوركود على قيد الحياة.
كان سليم الأول قد وُلي على طرابزون أما كوركود وُلي على ساروهان وأحمد وُلي على مدينة أماسيا، وفي الفترة الأخيرة لحكم بايازيد الثاني، انزعج سليم الأول من سوء إدارة والده للدولة وشؤونها إذ انتشر الفساد داخل مؤسسات الدولة وتوقفت الفتوحات العثمانية، كما كان والده قد شاخ وبدأت تظهر عليه سمات الشيخوخة، هذه العوامل دفعت السلطان سليم الأول بالتفكير لاعتلاء العرش والإمساك بزمام الأمور لإعادة إصلاح الشؤون الإدارية للدولة العثمانية.
واستفاد كثيرًا من الوثيقة الخاصة بالسلطان محمد الفاتح، التي تقول أنه يُمكن للأخ الأقوى قتل أخوانه الأخرين من أجل الوصول إلى الحكم وقتل الفتنة المتوقعة جراء الخلاف على العرش، وعمل سليم الأول على ضم جيش شبه جزيرة القرم التتارية لجيشه، وحصل على دعم ملحوظ من قوات الانكشارية، وبدأ بالاستعداد للحرب العرشية، ولكن لأنه كان بعيد عن إسطنبول لم يكن يأخذ أخبار القصر بشكل سريع ومنتظم، لهذا السبب تحرك بجيشه تجاه البلقان، تم إرسال العلماء من الجديد لتهدئته ولكن ولم يصغي إليهم، وبعد عدة مناوشات تم توقيع اتفافية بين سليم الأول ووالده بيازيد الثاني.
بعد توقيع المعاهدة طلب منه والده الخروج في حروب فتوحية تجاه المجر والصرب، خرج بجيشه ولكن لم يقم بما أمر به والده بل تماطل في الطريق ولم ينفذ ماأمر به والده، وهنا رأى السلطان بيازيد الثاني أن الحمل ثقل عليه وقرر اعتزال الحكم، واجتمع برجال الدولة رفيعي المستوى، ورأى الجميع الصواب في ترقية الأمير أحمد للعرش، وبعد ترقية الأمير أحمد للعرش أيقن السلطان سليم أن والده لم يقم بالإيفاء بالتزامه بالمعاهدة المُبرمة بينهما، فقام بتحريك الجيش، الذي كان يبلغ تعداده 40 ألف شخص نحو ولاية "تشورلا" حيث جيش والده، وفي أغسطس 1511م حدثت معركة شديدة بين جيش سليم الأول وجيش والده وأنزل الأخير هزيمة شديدة بإبنه اضطرته إلى الإنسحاب من أرض المعركة عائدًا إلى البحر الأسود وهرب إلى جزيرة "إينادة".
بعد اعتلاء الأمير أحمد العرش، لم يعترف بعض جنود الإنكشارية به، ولم تقتصر على عدم الاعتراف به بل قامت بقتل واغتيال المقربين له من رجال الدولة، وكانوا يطلبون بكل إصرار أن يصبح سليم الأول ولي العهد لوالده، وبعد تلقي السلطان أحمد أخبار العصيان الإنكشاري عاد إلى الأناضول خوفًا من الإنكشاريين، ورأي بيازيد الثاني بأنه يتوجب تسليم الحكم لسليم الأول لا محالة، فقام بدعوته لإسطنبول، وفي أبريل 1512م قام بتسليم الحكم لابنه سليم الأول ليصبح السلطان العثماني التاسع، وجرت مراسم اعتلاء سليم الأول للعرش بتاريخ 23 مايو 1512م.
في عام 1520م، ظهرت بعض الرقاقات الحمراء في ظهره ولم يستطع استكمال مسيرته نحو أوروبا، على الرغم من تلقيه علاج مستمر لمدة أربعين من قبل الطبيب الأعلى أحمد شلبي إلا أنه لم يتعافى حتى توفى في 21 سبتمبر 1520م، وبعد وفاته نُقل جسده من إدرنة إلى أسطنبول ودُفن بالقرب من جامع السلطان سليم، وتولى السلطنة من بعده السلطان سُليمان القانوني.
على الرغم من قصر المدة التي حكم بها سليم الأول إلا أنها كانت حافلة بالكثير من التغيرات التاريخية أهمها تحول الخلافة الإسلامية إلى الدولة العثمانية.