في 26 يوليو سنة 1956 م أصدر الرئيس جمال عبدالناصر قراراً يقضي بتأميم شركة قناة السويس، وهو القرار الذي أثار حفيظة دول الاستعمار مما دفعهم إلى شن عدوان ثلاثي على مصر فيما بعد، وقرر جمال عبدالناصر حين ذاك إلقاء خطاب حماسي من الجامع الأزهر أعلن فيها نية مصر على القتال من أجل التحرر.
السياسة التي اتسمت بها علاقة عبد الناصر بالأزهر
أيدت المؤسسة الأزهرية حركة الضباط الأحرار في 23 يوليو ووصفت الحدث بـ "انقلاب عظيم كرم الله الإنسانية به وأذهب النظام الجاهلي".
كان جمال عبدالناصر يدرك أن مؤسسة الأزهر أقدم وأقوى مؤسسة تمثل القوة الناعمة لمصر، لكنه هذا لم يمنعه من إرساء قواعد الدولة الجديدة، والتي ترتكز في الأساس على تأميم كل شيء والزج بكافة المؤسسات المستقلة إلى عباءة الدولة وكان الأزهر من ضمن تلك المؤسسات.
المفكر السياسي رفعت سيد أحمد أكد أن الأزهر الشريف لم يدعم الثورة في أيامها الأولى مثل تأييده لها فيما بعد، مشيراً إلى أن سبب موقف الأزهر هو الترقب الذي كان يخيم على الساحة المصرية.
وأضاف في تصريح خاص لـ "بوابة المواطن الإخبارية"، أن عبدالناصر عرف قيمة الأزهر الشريف بحكم قراءته للتاريخ، وقرر أن يضع عينه على الأزهر ليجعله جزءاً من مؤسسات الدولة، مضيفاً أن عبدالناصر اعتبر مؤسسة الأزهر مفوضة بالارتباط بالثورة وقرارها.
أوقاف الأزهر الشريف كانت تمثل للمؤسسة الأزهرية استقلالية مالية عن الدولة، حيث أنها كانت تقدر أوقاف الأزهر بالمليارات وتحولت إلى وزارة الأوقاف بحكم قانون سنة 1961 م.
الدكتور محمد كمال الدين إمام "المستشار الأسبق لشيخ الأزهر" كشف أن قانون الإصلاح الزراعي حولت كل الأوقاف الأهلية والخيرية في قبضة الإصلاح الزراعي أما باقي الوقف فتم تسليمه للأزهر بأسعار زهيدة.
وأوضح محمد كمال الدين إمام في تصريح خاص لـ "بوابة المواطن الإخبارية"، أن وزارة الزراعة لديها أوقاف كبيرة للأزهر جدا للأزهر، كاشفاً أن هناك أوقاف أزهرية أوقفها الأقباط للأزهر الشريف في الأراضي الزراعية المصرية.
وكشف كمال الدين عن الأرقام المتعلقة بتلك الجزئية قائلاً " مرسوم الأوقاف كان بقانون رقم 180 لعام 1952م أي في أول خمس شهور من حكم الثورة إلغاء الوقف الأهلي كما كانت هناك إجراءات صحبت ذلك كله و أخرى تتابعت في السنوات التالية أدت فيما أدت إلى وضع الدولة يدها بشكل كامل على الأوقاف عبر وزارة الأوقاف التي سلمت هذه الأوقاف بشكل أو بأخر إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعي".
وتابع كمال الدين " هيئة الإصلاح الزراعي تسلمت 137 ألف فدان من أراضي الأوقاف بسعر 17.5 مثلا لضريبة الأطيان المربوطة عليها أي أن قيمة الفدان بلغت خمسين جنيها في حين زادت قيمته الحقيقية بسعر السوق في ذلك الحين على ألف جنيه، و لذلك عجزت وزارة الأوقاف عن تأدية رسالتها لأن هذه الأراضي كانت تدر على الأزهر في السنة الواحدة 8 ملايين جنيه و بتطبيق هذه القوانين إنخفضت الإيرادات إلى 800 ألف جنيه إذ أن الريع تم تحديده بـ3% و 4% من قيمة سندات سلمت لها كبديل للأرض فضلا عن امتناع الهيئة العامة للإصلاح الزراعي عن سداد الريع المستحق الأمر الذي جعلها مدينة لوزارة الأوقاف بمبالغ مالية هائلة هذا فضلا عن تبديد الهيئة لأغلب هذه الأوقاف لا سيما أوقاف الخيرات الموقوفة على المساجد".
من جهته علق المفكر رفعت سيد أحمد أن مسألة الأوقاف هي تفسير عملي لقرارات الدولة المصرية الجديدة، مشيراً إلى أن هذه كانت رؤية فلسفية حاكمة ترى أن الأزهر جزء مساعد للتقدم الثوري الذي تتبناه ثورة 23 يوليو.
المحاكم الشرعية وأثرها في التعليم الأزهري
كان استقلال الأزهر المالي لا ينفصل عن استقلاله الديني المتمثل في القضاء، فبعد أن تم ضم أوقاف الأزهر إلى الدولة، قررت ثورة 23 يوليو إلغاء المحاكم الشرعية وضمها للمحاكم العامة، وألغت كل القوانين المتعلقة بترتيبها واختصاصها وألحقت دعاوى الأحوال الشخصية والوقف والولاية إلى القضاء العادي.
عن أثر هذا القرار أكد الدكتور جمال قطب رئيس لجنة الفتوي الأسبق بالأزهر الشريف، أن هذا كان جزءاً مؤثراً بالسلب على خريجي كلية الشريعة في الأزهر.
وأوضح جمال قطب في تصريح خاص لـ "بوابة المواطن الإخبارية"، أن طلبة كلية الشريعة قبل القرار كانوا يتخرجون ويتولون مناصب القضاة الشرعيين، وبعد القرار تحول الخريجيين إلى عمال وموظفين في وزارة الأوقاف.