"ست مزاجانجية" حين يكون التسول على طراز الأوبن مايند
الجمعة 19/أكتوبر/2018 - 02:01 م
شيماء اليوسف- تصوير/ محمد توفيق
طباعة
كان الشارع يصدح بأصوات الباعة المتناثرين على ضفاف الشوارع ملامحهم تشبه بعضهم يجلسون بانتظام على الطرقات يفترشون الأرض بسلعهم التي يعلقون عليها لافتات بالتسعيرة المقررة من قبل وزارة التموين، وإن خالفوا هذه التسعيرة يظل الوافدون إلى السوق يترددون عليهم، تشعر تماما أن وجوههم تشبه الصباح الباكر الذي تخالط نسماته ابتساماتهم.
تجلس هناك امرأة ترتدي زي فلاحي تربط رأسها في حكمة وتعقدها من الأعلى يتوسط جلستها نارجيلة، وهي أداة تدخين تعتمد على دخان التبغ المشتعل في الفحم بالماء قبل استنشاقه، وتعرف النارجيلة في مصر بأسماء عديدة " الشيشة والجوزة والسنس" تغطي المرأة مظلة تحميها من أشعة الشمس وهي تلفظ أنفاس النارجيلة، المشتعلة، وتسحب الأنفاس في إتقان فيخرج الدخان من فهما كأسطول حربي منتظم.
المرأة المدخنة
كان الموقف غريب على فتاة مثلي تربت في صعيد مصر، لا يمكن للمرأة الصعيدية أن تمر بمثل هذه التجربة، حتى لو كان الموقف في حد ذاته يمثل أبهة اجتماعية من طراز الطبقة الفقيرة، نظرت إليها في عمق لاحظتني وكان انطباعها عن نظراتي أشعل في قلبي الرهبة ألا ترميني بواحدة من البطاطس التي أمامها تشق رأسي نصفين، أو تقذفني برصاص من الشتائم الشعبية الأكثر حماقة وبجاحة.
حاولت أن أنقذ الموقف قبل أن تلحق بي الصفعة، وقولت لها في بهجة وثقة " صباح الفل يا معلمة" أجابتني " صباح الورد يا جميل" ثم انصرفت مسرعة، تكرر الموقف معي عندما شاهدت هذه المرأة التي تبتاع المناديل في أحد الشوارع الرئيسية بالقاهرة الكبرى، وهي في الواقع لا تبيع مناديلا بقدر ما تحققه من أرباح تأتيها من قبل التسول الذي تقوم به في إطار بيع المناديل.
استوقفني السيجار الذي تمسكه بيدها، والموقف في الواقع غريب، فالمتسولين عادة ليس بإمكانهم أن يشتروا سيجارة فهم يتصنعون الاحتياج ويتوسلون إلى المارة بمظاهر الفقر حتى يمدون لهم يد العون ويساعدونهم، لكن هذا المرأة التي تبدو عليها ملامح الوقار ذات المظهر الإسلامي الوسطي، بخمارها الكبير الذي يغطي كامل ظهرها، وعباءتها الملونة بالأسود.
المرأة المدخنة
ترتكز على عكاز أصم، يقف هو الأخر حائرا بين أعين العابرين، الذين يحدقون إليها في دهشة يستفهمون تصرف هذه المرأة بين رأيين الأول، أن غلبة الدهر وقهره أوصلها أن تدخن في الشارع وهي في موكب الشحاذة، يعني كيف لها أن تمد يدها وتشحذ ومن المتعارف عليه أن المتسولين لا يشحذون إلا من أجل اللقمة، أما الأمر الأخر، أنها امرأة لا تخجل من التصرفات الخاطئة وليس عندها حياء وفق ثقافة الشعب المصري الشرقي الذي يتمسك بعاداته وتقاليده وأعرافه.
يختلف مظهر المرأة الأكثر تمسكا بثقافة الأعراف المصرية، بالرأي الذي ينظر لها على اعتبار أنها امرأة سيئة الأخلاق ومن المؤكد أن قسوة الأيام جعلتها لا تعي ما الذي تفعله، ولو نظرنا للقهاوي الشعبية لوجدنا نساء كثيرات يتراشقن بالدخان الذي يخرج كالبرق من أنوفهن، والرجال يحطن بهن من كل حدب وصوب، لكن هذه المرأة موقفها اختلف باختلاف المكان والظروف.