بوابة المواطن تجري حواراً متخيلاً مع محمد فوزي وجمال عبدالناصر
السبت 20/أكتوبر/2018 - 07:33 م
وسيم عفيفي
طباعة
الزحام قليل من شارع مراد إلى موقف السيدة عائشة فالسبت أجازة وبالتالي الطريق إلى إجراء حوار بشأن ما جرى بين الفنان محمد فوزي وجمال عبدالناصر كان سهلاً، وربما التساهيل كانت موجودة حيث أن سائق الميكروباص من موقف السيدة عائشة إلى مقابر البساتين كان يشغل الراديو وصوت محمد فوزي يشدو بأغنية "طير بينا يا قلبي".
هنا البساتين .. مقابر الصفوة
هنا البساتين .. مقابر الصفوة
محمد فوزي في أواخر أيامه
في البساتين كل شيءٍ هناك متاح، فالبلطجة تتوارى مع الحي الشعبي والفقر يتنافس مع سرطان العشوائيات والهدوء الوحيد تجده في المقابر التي هي على كل لون وشكلٍ، فهناك مقابر الصوفية وبجانبها الأسرة العلوية وبعيد عنها كافة نجوم الزمن الجميل على ناصية شارع الرحمة الذي يشغله قبر الشيخ عبدالباسط عبدالصمد بشارع الرحمة وهو نفس الشارع الذي يضم رفات عبدالحليم حافظ.
محمد فوزي قبل دفنه
وقفت أمام قبر محمد فوزي فكان المبتدا بقراءة الفاتحة، ولا يصح تذكر أغنية في هذا المكان للفنان الراحل وإلا لوقعت في خطأ الذكرى الأولى لعشاق العندليب الذين شغلوا أغنية "أي دمعة حزن لا" من فوق قبره !.
محمد فوزي وجمال عبدالناصر .. من الظالم ومن المظلوم ؟
محمد فوزي وجمال عبدالناصر
لم أتذكر من تراث محمد فوزي إلا أغنية
"قف بالخشوع ونادي ربك يا هو.. فهو الكريم يجيب من ناده".
فلم أجد إلا التجاوب الفعلي مع الأغنية فناديت ربي سائلاً :
ــ اللهم لا تسلط عليّ ظالماً كما سلطت الظالم على المرحوم محمد فوزي.
بحكم النوستالجيا النفسية وجدت نفسي كأنما أسمع محمد فوزي وهو يرد:
ـــ مين اللي ظلمني ؟
فرددت عليه :
ـــ جمال عبدالناصر يا فنان.
بكفنه الأبيض وفي سن الشباب خرج محمد فوزي وجلس أمامي وهو ينظر لي متفحصاً ملامحي ليرد:
ـــ انت صغير في السن .. يعني متوعاش على الحاجات دي .. جبت الكلام دا منين ؟
جلست ثم أجبته:
ـــ دا المعروف يعني
نظر محمد فوزي للشمس المشرقة ولتغير الملابس فسأل:
ـــ إحنا في سنة كام ؟
ـــ 2018
ـــ تعرف إن لولا تأميم جمال عبدالناصر للقناة كانت هتفضل تحت الامتياز لحد دلوقتي.
ـــ بس سياسة التأميم اللي منعت إن قناة السويس نستلمها 2008 .....
قاطعني ليرد:
ـــ كانوا هيمدوها لبعد 2008
ـــ متنكرش إن سياسة التأميم بتاعت الستينيات أذتك انت شخصياً بسببه.
الفنان محمد فوزي
أطرق محمد فوزي أرضاً مبتسماً فسألته:
ـــ دا كلامك انت يا فنان .. دعمت الثورة قامت الثورة باعتك .. أفكرك ولا ناسي.
ـــ أنا مقلتش انهم باعوني لإنهم مشترونيش أصلاً !
ـــ انت عملت أول شركة مصرية للاسطوانات .. بعرقك وفلوسك وتعبك، جات الستينيات وصدر قرار بتأميم كل الشركات الخاصة إلا شركة عبدالحليم حافظ بتاعت صوت الفن.
ـــ وبعدين ؟
استغربت من سؤاله فأكملت:
ـــ دخلت الشركة بتاعتك .. لقيت عبدالناصر طلع قرار بتأميم وخلوك حياالله مدير بمرتب 100 جنيه، والإهانة تتواصل معاك فخلوا مكتبك في ركن بعيد .. انت مستحملتش جالك المرض ومُتْ بعدها.
محمد فوزي في شركته
وضع محمد فوزي سبابة كفه الأيمن على خده مبتسماً في استغراب فاستفزني ذهوله:
ـــ إيه .. فيه إيه ؟
ـــ لا أنا عايزك تكمل قصتي اللي لما حصلت كان أبوك لسه مكملش 3 سنين.
ـــ دا تاريخ
ــ والتاريخ بتاعي جايبه منين ؟
ــ المصور فاروق إبراهيم المصور الخاص للسادات.
ــ هو السادات بقي رئيس بعد عبدالناصر !
ــ آه
ــ طب وهو إزاي دخل القصر الجمهوري لما كان عبدالناصر رئيس ؟
ــ لا مدخلهوش طبعاً .. هو دخله في عهد السادات.
ــ نفس الحكاية .. دخل شركتي في اليوم دا إزاي ؟!
ــ يعني إيه مكنش موجود ؟.
نهض محمد فوزي في ضيق وهو يتذكر أوجاع الماضي ونهضت خلفه معتذراً:
ـــ أنا آسف إني فكرتك باللي فات
ـــ الحساب على اللي فات عند اللي خلقه.. انتو بتكرهوا عبدالناصر واخديني كوبري ليه ؟
ـــ أنا باحث في التاريخ .. اتعلمت إني مكرهش حد بس حاسك انت مظلوم ؟.
ــ بحث يعني تكون دورت في كل حاجة مش تكتفي بإنك قريت.
ما الذي حصل بين محمد فوزي وجمال عبدالناصر
محمد فوزي وجمال عبدالناصر
استغربت من رده فسألني:
ــ اسمع الحقيقة مني أنا يا ابني .
ــ وقتها انت كنت مُت هعرفها منك إزاي ؟
ـــ لو دورت في تراثي هتعرف إيه اللي حصل بين محمد فوزي وجمال عبدالناصر.
ـــ إيه اللي حصل ؟
ـــ أنا قبل ما أموت بـ 47 يوم الإذاعة جاتني سنة 1966 م وعملت معايا حوار واللي داره الإذاعي محمد أنور .. دورت عليه ؟
ـــ طبعا وسمعته وموصلتش منه لإجابة
ـــ ليه ؟
ـــ انت بتشكر الرئيس جمال عبد الناصر وزكريا محيي الدين رئيس الوزراء والدكتور عبد القادر حاتم نائب رئيس الوزراء وشعراوي جمعة وزير الدولة، عشان كانوا معاك في فترة مرضك ووقفوا جنبك.
ـــ ويا ترى بقى ليه انت مش مقتنع بكلامي ؟
ـــ مضمنش .. ممكن تكون أُجْبَرت من صلاح نصر.
ـــ وهم هيستفيدوا إيه من واحد بيته مفتوح لملك الموت كل ساعة.
ـــ عشان انت تقوم الدنيا على جمال عبدالناصر وتفضحه.
ـــ دنيا إيه اللي أقومها على جمال عبدالناصر، هو محبوب من الناس وبرة أكتر، ثم خد عندك هنا .. انت فاكر إن شكري للرئيس دي عشان يرجع الشركة ؟.
ـــ مكنتش مدحته لما قلت إن خطب الرئيس كانت بتخليك معتز بنفسك ومصريتك.
ـــ أنا مدحته عشان برة كنا محسوبين عليه كانوا بيقولوا احنا من عند ناصر وبعدين انت محسسني إن جمال عبدالناصر فاضيلي أنا بس !.
ـــ لا انت مدحته عشان يرجعلك الشركة تاني .. بتجامله يعني.
قهقهة لطيفة من الفنان محمد فوزي فرد ساخراً بحزن:
ـــ بقى أنا وأنا في صحتي مجاملتهوش بصوتي .. هتاجر بمرضي ؟
ـــ قصدك إيه ؟
ـــ قصدي إن أنا لو كنت عايز أرفع مظلمة ما كنت كلمت فريد شوقي جوز أختي يتوسطلي عشان يشيل قرار التأميم .. أنا شكرته عشان السبب اللي قلته عمل لينا كرامة برة وشكري مكنش عشان يرجعلي الشركة .. أنا كنت عارف إن أيامي معدودة ومكنتش عاوز حاجة من الدنيا.
ـــ يعني كل الكلام اللي بيتقال على محمد فوزي وجمال عبدالناصر دا غلط ؟
ابتسم محمد فوزي هازئاً :
ـــ الصح فيه إني تأممت .. والغلط فيه إنهم اضطهدوني .. أكيد التأميم أذاني .. بس دي كانت سياسة بلد مشيت على الكل .. أو ع الأقل ممشيتش على الكل .. إنما السؤال اللي لازم تسأله بجد لو عايز الحق ليا .. هو سؤال تاني
ـــ سؤال إيه ؟
ـــ بدل ما تقول جمال عبدالناصر ظلمني بحسابات زمنك مش زمني .. إسأل وقول هي مؤسسات الدولة الموسيقية راعت التراث بتاع شركتي ولا حتى تراثي أنا !
جمال عبدالناصر
ظل ضخم لرجل يضع يده خلف ظهره فاستدرت خلفي لأجده جمال عبدالناصر فاستشعرت الرهبة رغم ضيقي:
ــ أبو خالد .. أنا مش جاي أحاسب حد أنا مشوفتهوش ولا شوفت عصره
ـــ أومال جاي ليه ؟
ـــ سؤال واحد هسأله .. لو رجعت الدنيا وبقيت بتحكم مصر .. هتحكم بنفس الطريقة ؟
ـــ حاجة واحدة بس هغيرها .. إني مش هخلي البلد لها رئيسين
ـــ والديمقراطية ؟
ـــ كدبة كبيرة .. أمثالك موهومين بيها
ـــ الرأي والرأي الآخر بقي كدبة ؟
ـــ السياسة كلها مبنية على الكدب .. ديمقراطية إيه بقى النقية دي
ــــ يعني انت كداب ؟
ـــ أنا مش سياسي .. أنا ثوري
ـــ متهور
ـــ متحمس
ـــ الإخوان ؟
ـــ مش ندمان على اللي عملته فيهم
ـــ الأحزاب
ـــ كدابين زفة سواءاً كانوا مؤيدين أو معارضين
ـــ إيه رأيك في الموت بعد ما دقته ؟
ـــ انتو ليه محسسيني إنكم مش هتموتوا .. كلكم هتموتوا اللي بيحبني واللي بيكرهني
تنحنت وأنا أحرك نظراتي حولي لأسأله خجلاً ووجلاً:
ـــ انت في الجنة ولا النار ؟
صوت الشيخ الطبلاوي عبر هاند فري الجهاز يوقظني من اليقظة الوهمية وهو يتلوا قول الله تعالى "قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا".
الكلمات المفتاحية
موضوعات متعلقة
أخبار تهمك
