دماء على حائط السياسة البريطانية.. جون ميجور وفضيحة "عراق جيت" هل تسببا في الغزو العراقي للكويت؟
الجمعة 09/نوفمبر/2018 - 01:01 م
شيماء اليوسف
طباعة
منذ أن تولى جون ميجور منصب رئيس الوزراء البريطانية في أعقاب استقالة مرجريت تاتشر وهو يخوض حربا ضد صحافة بلاده في قضايا عامة وخاصة، أما القضايا العامة فهي تتصل بسياسة الحكومة في المجالين الداخلي والخارجي أما القضايا الخاصة فهي تتصل بغراميات ميجور وهو الأمر الذي فاجأ الصحفيين أنفسهم.
لم يكن في حياة الرجل ولا تصرفاته ما يبين ذلك النوع من القضايا، القوانين البريطانية تفرض حظرا على مبيعات الأسلحة والمعدات إلى العراق منذ العام 1985 أي منذ الحرب العراقية الإيرانية، تفجرت القضية المسماة عراق جيت عندما برأت إحدى المحاكم البريطانية ثلاثة من المديرين التنفيذيين لشركة ما تكس تشرشل لصناعة المعدات من تهمة انتهاك الحظر على تصدير الأسلحة للعراق.
الحرب بين جون ميجور والصحافة البريطانية
جون ميجور
كان آلان كلاي وزير الدولة السابق للدفاع قد أكد أنه يعلم ببيع هذه الأسلحة والتقطت الصحف وأحزاب المعارضة طرف الخيط وكالعادة ظهرت عشرات الوثائق التي تدين حكومة مرجريت تاتشر وتثبت تورطها في الفضيحة نفسها بل أن الوثائق أظهرت أن وزارة الخارجية التي تولاها رئيس الوزراء جون ميجور لفترة قصيرة في العام 1989 كانت على علم بكل الصفقات غير المشروعة التي زودت بها الشركة البريطانية العراق باحتياجاته من الأسلحة.
كانت حجة كبار المسئولين الذين شاركوا في هذه القضية ومهدوا الطريق أمام شركة ماتكس تشرشل لكي تصدر الأسلحة للعراق أنه إذا امتنعت الحكومة البريطانية عن تصدير السلاح للعراق أو أية دولة أخرى فإن دولا مثل الاتحاد السوفيتي والصين وكوريا الشمالية سترحب بهذه المهمة ومن الخطأ إهدار تلك الفرصة في ظل الركود الذي يعانيه الاقتصاد البريطاني.
جون ميجور
وقد نفى جون ميجور تلك الاتهامات بشدة وزاد فأمر بتكوين لجنة قضائية مستقلة برئاسة القاضي سكوت للتحقيق في القضية لكن الصحف أصرت بأن يكون البرلمان الذي لم يكن يعلم شيئا هو الجهة المسئولة عن التحقيق في القضية، وكما أشارت صحف المعارضة فإن ميجور أعلن في يناير 1991 في مجلس العموم أنه لم يتم تزويد العراق بأسلحة كما كتب رسالة إلى زعيم حزب الأحرار الديمقراطي قبل ذلك بنحو العام يؤكد فيها التزام حكومته بالقيود المفروضة على بيع الأسلحة للعراق.
جون ميجور
جون ميجور
أظهرت الوثائق أن القيود انتهكت مرات كثيرة فهل تعمد رئيس الوزراء تضليل البرلمان؟ هذا هو المأزق الذي واجهه جون ميجور خاصة بعد أن اتهمته صحف المعارضة بأنه قد سبق له التأكيد على أن حكومته لم تصدر أسلحة إلى إندونيسيا بعد مذبحة تيمور الشرقية ثم ثبت أن إندونيسيا استورد من بريطانيا ما قيمته 300 مليون جنيه إسترليني دون أن يخطر البرلمان بذلك.
أضاف إلى المأزق صعوبة أن جون ميجور هو الذي تزعم بنفسه في أعقاب حرب الخليج الجهود الدولية لإنشاء سجل في الأمم المتحدة لمبيعات الأسلحة كخطوة مهمة للحد من سباق التسلح في العالم الثالث والشرق الأوسط تحديدا، وقالت الصحف ما معناه أنه إذا كان رئيس الوزراء ينسى فتلك مصيبة إما إذا كان يتناسى فإن المصيبة أعظم.
جون ميجور
أكدت الصحف بالوثائق أن وزراء حكومة المحافظين كانوا يشجعون شركة تصنيع المعدات وقطع الغيار على مواصلة بيع معداتهم للعراق وكانوا يدلونهم على السبل التي يتجاوزون بها قانون حظر تصدير السلاح والمعدات وفي مقدمتها الزعيم بأن تلك المعدات تستخدم لأغراض سلمية، الغريب أن الأحداث تفاقمت دون أن دون أن يدري بذلك حتى كبار المسئولين في الحكومة البريطانية وأن كان من المتوقع أن عددا من القيادات التنفيذية والعسكرية قد شاركوا في الفضيحة بتعمد أو بحسن نية.
لم تقتصر خطورة عراق جيت على مجرد انتهاك حظر تصدير الأسلحة المفروض على العراق لكنها أحدثت شرخا عميقا في البنية الهيكلية للحكم البريطاني فقد تسربت أخبار الفضيحة من خارج البلاد قبل أن يعرف المسئولون في الحكومة البريطانية بتفاصيلها.
جون ميجور
قالت "واشنطن بوست" أن الصفقة بين الشركة البريطانية وحكومة العراق للحصول على الأسلحة والمعدات العسكرية لمدة ثلاث سنوات وأن الحكومتين الأمريكية والبريطانية قد عرفا كل التفاصيل المتصلة بالصفقة والتي تشمل شحن المعدات اللازمة للبرنامج النووي العراقي، وزاد موقف جون ميجور حرجا عندما أعلنت المخابرات المركزية الأمريكية عن تورط شركة ماتريكس تشرشل في بيع معدات عسكرية للعراق في الفترة من 1987 إلى 1990.
جون ميجور
كتبت مجلة "الموند ديبلوماتك" الفرنسية تقول أن تمويل المعدات العسكرية وتوريدها تم بعلم السلطات الأمريكية والبريطانية و الإيطالية وهذه الصفقات تعود معظمها إلى الفترة بين 1980 وحتى 1988، وأكدت بعض الصحف أن سبب فضيحة عراق جيت ليس سياسيا ولا يتصل بالغزو العراقي للكويت من قريب أو بعيد بل ولا يتصل بالخشية من تعاظم القوة العراقية بل السبب ببساطة أن وزير الصناعة السابق اللورد بريدلي كان من أشد مؤيدي بيع الأسلحة والمعدات إلى العراق حتى يدخل إلى الخزانة البريطانية ما يقرب من مليار جنيه إسترليني لو أنه تقاعس فستحصل عليها شركات فرنسية وألمانية.