بالتزامن مع أعياد الميلاد.. ما هو النداء الذي أغرق العالم بالدماء ؟
السبت 29/ديسمبر/2018 - 03:54 م
وسيم عفيفي
طباعة
لم تبدأ الحروب الصليبية إلا بعد وجود مرحلة تاريخية غامضة وهي الحج إلى القدس، والتي كتب عنها المؤرخين الأجانب قبل المسلمين، ولم يؤكد الإنجيل أهمية زيارة القدس كونها فرضاً دينياً على المسيحيين الا أن لها مكانة اخذتها من العهد القديم، ثم تطورت الأهمية مع ظهور أفكار جديدة منها أن الأماكن التي شهدت حياة المسيح واستشهاده أو حتى استشهاد أحد القديسين تتمتع بقوة روحية تساعد على محو الذنوب.
جبل الزيتون
قسم الباحثين عباس عاجل جاسم الحيدري، وسمير صالح حسن العمر عهود الحج إلى القدس في 4 مراحل، كانت الأولى في القرون المسيحية الأولى حتى مرسوم ميلان سنة 313 م وكان الحج نادراً لأنه لم يكن فرضاً دينياً فضلاً عن الظروف التي يعانيها المسيحيون عموماً من اضطهاد أثناء الحكم الروماني، لكن في نهايتها كان لبعض المواضع قدسية مثل موقع رفات السيد المسيح ومغارة المولد والموضع الذي صعد منه المسيح إلى السماء.
جاءت المرحلة الثانية بعد الاعتراف بالمسيحية ديانة رسمية في الدولة الرومانية في عهد الامبراطور قسطنطين والذي دعم الديانة الجديدة في مركز الدولة روما وفي موطن الديانة بيت المقدس إذ عملت والدته -القديسة هيلانة - على بناء كنيسة القيامة سنة 328م وكشفت عن مقدسات أخرى، مما أدى إلى إزدياد رحلات الحج إلى فلسطين.
أما المرحلة الثالثة فتبدأ من الفتح العربي الإسلامي بدءاً من معركة اليرموك وتحرير بيت القدس إذ فرض العرب المسلمون سيطرتهم على بلاد الشام ثم بعد ذلك سيطروا على مصر وشمال إفريقيا وبعض جزر البحر المتوسط مما جعل المسلمين مهيمنين على البحر المتوسط وهذه التطورات اثرت في الحج لكنها لم تقطعه اذ ذكرت بعض الرحلات التي تعود إلى هذه المدة.
ويؤكد المؤرخين الأجانب أن عملية الحج لم تواجهها صعوبات سياسية وإن وجدت فهي ثانوية بل صعوبات تفرضها طبيعة العصر آنذاك من طرق ووسائل المواصلات واللغة وادارة الاماكن المقدسة في فلسطين، ولا ريب أن قوافل الحجاج المسلمين كانت تتعرض لمثل هذه الصعوبات والمشاكل أيضا.
جاءت المرحلة الرابعة والمعروفة باسم عصر الحج الأكبر حدثت تطورات مهمة في أوروبا والبحر المتوسط خلال القرن العاشر منها تطور التجارة وظهور المدن التجارية ساعدها على هذا التطور انحسار دور المسلمين في البحر المتوسط، وكان لهذه التطورات آثار ايجابية على تنقل الحجاج بيسر نوعاً ما إلى الاراضي المقدسة في فلسطين وكانوا غالباً يفضلون الطريق البري عبر القسطنطينية.
وخلال تلك المرحلة تعززت عملية الحج إلى الاماكن المقدسة في فلسطين بالمكانة الدينية والتاريخية لمدينة القدس في الفكر المسيحي والتطور الداخلي للكنيسة الكاثوليكية وسعت البابوية لتتبوَّأ منصب السيادة الدينية والدنيوية والصراع مع الكنيسة الشرقية للسيطرة على العالم المسيحي، وأدت كل هذه العوامل إلى جعل القدس تحتل مكانةً متفوقة على روما نفسها لأن الأماكن الثلاثة الأخرى جميعها كانت ضمن نفوذ وهيمنة الكنيسة الغربية عدا القدس التي كانت تحت إشراف الكنيسة الشرقية مع بقية الأماكن المقدسة التي يحكمها المسلمون.
أدركت البابوية أهمية القدس واستغلت مثل هذه المشاعر بحكم طموحها الكبير لتظهر مدى نفوذها على المجتمع الاوربي الغربي، فكانت خطبة البابا أوربان الثاني Urban II في المجمع الكنسي بكليرمونت -1095م- خير تعبير عن هذا الإدارة فوجه الناس لتخليص القبر المقدس فأثار ذلك حماس المجتمع الأوروبي بمختلف طبقاته لما تمثله هذه الدعوة السير على خطى المسيح والتكفير عن الذنوب والحصول على الخلود الأبدي بالوصول إلى القدس، ومع تلك الخطبة بدأ العد التنازلي لمرحلة الحروب الصليبية.